إن لي أحد الأقران ألتقيه بين الفينة والأخرى لنتسامر ونتجاذب أطراف الحديث عما يدور في الساحة، وعلى وجه التحديد ، من أحداث على الصعيد الإداري في القطاع الخاص. وكم أذهلني وهو يروي لي قصة التجاوزات الخطيرة في بعض الشركات حيث الخلل المتجسد في قمة الهرم، فما الذي ترتجيه من إدارات ربُ بيتها بالدف ضارباً، إلا ولزاماً أن تكون شيمة عصبته كلهم الرقص.
وأستطرد قائلا إن جُعِل الأحمق حكماً فأعلم علم اليقين إن الحق سيصبح باطلاً والباطل حقاً، وهكذا هي إنقلاب الموازين في بعض الشركات ممن تفتقر إداراتها التنفيذية ومتخذي قراراتها أ ، ب الإدارة. فقلت لصاحبي وهو يحكي تفاصيل قصته بحرارة، هون عليك يا أخي فلا عجب ونحن نحيا في أجواءٍ عصيبةٍ ضُيعت فيها الأمانة وأُسندت الأمور إلى غير أهلها. وتنهد بصوت عليل ينم عن قلب كسير : ما العمل ؟ ماذا عسانا أن نفعل ؟ فقلت له إننا نعيش في زمن الديمقراطية، فإن اعترضتك قضية فتعامل معها كما يجب من منطلق الفكر الديمقراطي.
وإذا بصاحبي يقهقه ويقهقه وانتابته حالة من هستيريا الضحك وانتهت بدموع حراقة كالجمر وقال لي: ما هذا الهراء؟ أيّ ديمقراطية التي تتحدث عنها في مواجهة الدكتاتورية !!! من قال إن زمن هتلر قد ولى من قطاعاتنا الخاصة!!! من قال إن الإنصاف والعدل هي اللغة السائدة!
فقلت له لقد ذكرتني بأبيات لأحد الشعراء حيث قال :
إن الغني إذا تكلم كاذباً
قالوا صدقت وما نطقت محالا
وإذا الفقير أصاب، قالوا لم تصب
كذبت يا هذا وقلت ضلالا
إن الدراهم في المواطن كلها
تكسوا الرجال مهابة وجلالا
فهي اللسان لمن أراد فصاحة
وهي السلاح لمن أراد قتالا
وإذا بصاحبي يرد عليّ قائلاً ، عجبا لك يا هذا وأنشد يقول:
أتأمرني بالصبر والطبع أغلب
وتعجب من حالي وحالك أعجبُ
وهكذا أخذنا بالضحك ونحن نقول فعلاً شرُ البلية ما يضحك.
فقلت لصاحبي ما الذي تعرفه عن الصفات المتدنية في الإدارة وأنت أخبر مني في هذه الأمور، وأنت ممن عاصر وعُصر في الأيام الخالية وما أدراك ما الأيام الخوالي، فقال هي تلك الصفات السيئة والتي تدل على رداءة المعدن ولكن تم تغليفها بطلاء براق على مر الزمن للضحك على ذقون مُلاك الشركات، إلى أن تجتمع عدة عناصر تحتويهم نفس هذه الصفات الإدارية المتنحية فتجتمع سوية فتصبح صفة سائدة، وأسأل من شئت من الأطباء والحكماء حيث الدواء الشافي إن لم يكن في كلامي لك دليل كافي.
فقلت لصاحبي كيف الخلاص من هذا المرض العضال؟ فأردف قائلاً :
لكل داء دواءٍ يستطب به
إلا الحماقة أعيت من يداويها
فقلت له لم تجب بعد على سؤالي ، فقال لي لم أجب ولن أجيب على هكذا سؤال وهو ممتد في زمن بعض الشركات بين آهات ولوعات ومعاناة عمالها وموظفيها المخلصين.
وسكت برهة من الوقت وهو يُحدقٌ تارةً ويُحملقُ تارةً أخرى في السماء وقد أشعل سيجارة وإذا به يقول: وكما أشعلتُ النار في سيجاري وأظهرت حقيقة ما هو مستور من رداءة وجودة التبغ فيجب وجوباً إشعال أوراق ما هو خافٍ ومستور من أمر هؤلاء الزُمر المتآمرة ضد عمالهم وموظفيهم كي يفتضح ما هو مدفون في غياهب الجُب من عفنٍ بغية تحقيق ما أقدم عليه ملك البحرين من إصلاحات إدارية ومالية وسياسية للرقي بحقوق المواطن البحريني ومن ثم كل مقيم في هذا البلد المعطاء. وخلاصة القول فإن الصفات المتدنية هي صفات جوهرية لدى البعض راسخة بجذور آخذة في الإمتداد يوم بعد يوم ، إلى أن يأذن الله بالفرج وما أدراك لعل الفرج قريب ، وإلى أن يأتي ذلك اليوم صبراً يا نقابات البحرين في ظل الكثير من الإدارات المتردية.
فقلت لصاحبي أراك تحدثت عن الصفات المتنحية عكس ما توقعت حيث كنت على إعتقادٍ إن المتنحي ما تنحى وأنزوى بعيداً ممن لا رقيب ولا حسيب على عقم أخلاقياتهم الإدارية ، ولكنك حقاً أحرجت اللغة بلغوياتك والتي قل نظيرها في تباينها وتورياتها وأطناباتها فلك مني يا صاحبي الشكر والعرفان على أمل اللقاء معك في مسامراتنا المقبلة إن كان في العمر بقية ولم تكد لنا المكائد خشية تحدثنا وبشكل مباشر، فكم من الأشراف ممن قضوا نحبهم في نصرة الحق واتباعه. حسن البورشيد عضو جمعية الإداريين البحرينية
العدد 708 - الجمعة 13 أغسطس 2004م الموافق 26 جمادى الآخرة 1425هـ