أسدل الستار قبيل أيام على فعاليات مسابقة الولاية الـ (14) في قرية بوري، احتضنت القرية خلالها 16 منطقة من انحاء البحرين. وتوجت منطقة اسكان عالي (الحاصلة على نصيب الأسد في عدد مرات الفوز) بطلة للمسابقة، تلتها بوري ثانية ومدينة حمد في المركز الثالث.
تميزت المسابقة هذا العام بتطور نموذجي رائع على مستوى الإخراج الفني والديكورات والاساليب التكنولوجية في العرض. كما تخللتها فقرات ممتعة تنوعت بين المسرح والشعر والكلمات الارشادية وأسئلة الجمهور. يذكر ان المسابقة هذا العام حظيت برعاية عدد من المؤسسات، كما كان للأيادي البيضاء من أهل الخير دعمها المعهود لمثل هذه الانشطة.
قبل 20 عاماً تقريبا، كانت الفكرة تراود العاملين في القرية بإيجاد حلقة وصل تجمع بين الشباب البحريني المثقف لمزيد من التعارف والتبادل الثقافي والإثراء المعلوماتي. حينها لم تكن هناك مساحة واسعة من من الاختلاط بين الشباب في شتى انحاء البحرين، لذلك انبثقت فكرة اقامة مسابقة ثقافية شاملة يتم فيها إشراك اكبر قدر ممكن من مناطق البحرين، تحمل هم الزرع الثقافي في عقلية الشباب البحريني وتنمية جانب الترابط والتفكير الموحد من أجل وطن متلاحم في وعيه وثقافته.
وحان عندها ميلاد «مسابقة الولاية الأولى»، في وقت شحت فيه الامكانات وضعفت فرص التغطية الاعلامية وندرت فيه الكوادر المتحمسة لهذه الفكرة ذات البعد المستقبلي المثمر. غير انها صمدت في وجه الصعاب على رغم ما شابها من معوقات كثيرة.
أضواء على المسابقة
حملنا الطموح الى التعرف على تجربة مميزة كهذه في وقت تلح طبيعة العصر فيه على مجتمعاتنا العربية والإسلامية (والبحرين خصوصا) بالتحصن من الفتك الفكري المضاد في جميع المجالات، وبالتالي الاهتمام بمثل هذه الفعاليات وتسليط الضوء عليها ما أمكن. فكانت لـ «الوسط» بعض اللقاءات للاطلاع عن قرب على بدايات وأهداف هذه المسابقة، بدأناها مع صاحب الفكرة والمؤسس الأول لها، رئيس مجلس إدارة مشروع العمل الإسلامي في قرية بوري إبراهيم الحسيني. وجاء في اللقاء:
هل لكم بداية أن تحدثونا عن نشأة المسابقة؟
- في العام 1985، تم تدشين مسابقة الولاية باعتبارها أول مسابقة ثقافية - على الأقل - على مستوى قرى المنطقة الغربية، وكان ذلك باشراف واجهة العمل الاسلامي في قرية بوري انطلاقاً من المسجد.
كيف تم اختيار اسم المسابقة؟
- تم اختيار عنوان المسابقة لاقتران موعدها بيوم عيد الولاية لامير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في 18 ذي الحجة. فهي تقام في الفترة ما بين 13 و17، الا انه ولتزامن وقت المسابقة بحسب التوقيت الهجري مع فترة الامتحانات لطلبة المدارس في السنوات الماضية فقد تم تحويل موعد المسابقة إلى شهر رجب من كل عام.
هل تتذكرون بعض المناطق التي ساهمت معكم منذ البداية؟
- أولى الفرق المشاركة في المسابقة كانت: عالي، إسكان عالي، داركليب، المالكية، كرزكان وتوبلي بالإضافة إلى بوري. وبعد ذلك امتدت المشاركات وتوسعت حتى وصلت إلى المناطق الجنوبية والشمالية من البلاد كالدير والمنامة وبعض المناطق الأخرى.
على أي المحاور كانت تتركز المسابقة غالباً؟
- تتمحور المسابقة في الثقافة الإسلامية عموما، وكانت تشمل الفقه، العقيدة، القرآن الكريم، التاريخ والثقافة العامة. وكانت تقسم الفرق إلى مجموعتين، ويصعد الفريق الفائز بحسب مقدار الدرجات التي جمعها خلال اللقاءات المشتركة مع الفرق الأخرى.
هل كانت هناك لجان تحكيم أو ما شابه ذلك؟
- تم اعتماد لجنة تحكيم في الدورات الأولى للمسابقة في الأعوام الماضية لحل الإشكالات وللإشراف على المسابقة عموما، بيد انها لم تستمر لتعذر وجودها طوال أيام المسابقة. كما أنه اعتمد نظام جديد وذلك باستخدام نظام الخيارات بدلا من النظام القديم.
كيف تنظرون إلى التطور الذي شهدته المسابقة أخيراً؟
- تماشياً مع روح العصر استطعنا إدخال تحسينات جديدة على المسابقة في السنوات الثلاث الأخيرة. وذلك باستخدام نظام الكمبيوتر في طرح الأسئلة وإعلان نتائج المسابقة مع إدخال الكثير من الإيحاءات الفنية. وأذكر هنا أن الكثير من الشخصيات التي تمثل حاليا وجودا علمائيا له دوره على الساحة شاركت معنا في المسابقة، ونذكر منها سماحة الشيخ سعيد النوري والشيخ علي هويدي والشيخ عبدالله العالي والشيخ محمد التل.
مجتمعاتنا والاهتمام الثقافي
وقفة أخرى كانت مع رئيس جمعية التوعية الإسلامية الشيخ سعيد النوري في كلمته التي ألقاها في حفل افتتاح المسابقة. إذ بدأ بالحديث عن الحاجة الملحة للمجتمع البحريني خصوصا والعالم العربي عموماً إلى خلق اهتمام واسع بالقراءة، فمن دون القراءة المستمرة لا تستطيع المجتمعات خلق طابع ثقافي حقيقي. ووصف ما يحدث الآن بانه ليس المستوى الحقيقي المنشود للقراءة من أمة أول أمر بدأت به نبوة نبيها الكريم هو الأمر الإلهي «إقرأ» وبالتالي فهي أمة القراءة.
وأوضح النوري أن مايحدث الآن هو الإهمال الملحوظ من قبل غالبية الشباب للقراءة، ففي الوقت الذي تطبع فيها ملايين النسخ من الكتب في أوروبا أو أميركا خلال عام واحد وتنفد جميعها من الأسواق في وقت خيالي تجد أن العالم العربي تطبع فيه بضعة آلاف من المؤلفات وتبقى على رفوف المكتبات يسفي عليها التراب. إذا هناك صدود كبير عن القراءة، والمجتمع الإسلامي يعيش في مرحلة خطيرة لابد من التسلح الثقافي فيها لمواجهة زحف الاستعمار الفكري.
بعد ذلك أشاد النوري بعراقة مسابقة الولاية وعمرها الطويل قائلا: «من الملاحظ أن فعالياتنا دائما ما يكون عمرها قصير غير أن هذه المسابقة استطاعت أن تستمر هذا العمر كله وإن دل ذلك فإنما يدل على النفس الطويل لدى القائمين على المسابقة وروح الإصرار داعيا لهم بالتوفيق والإستمرار».
«التوعية» تحتضن المسابقة
وعلى هامش الحفل الختامي أكد النوري مقترحه بإقامة منتدى عام تستضاف فيه شخصيات ذات خبرة واختصاص لمناقشة وضع المسابقة والنظر في عناصر السلب والإيجاب والسمو بالمسابقة بتسريع عجلة التطور فيها. كما أبدى الرغبة مجددا في احتضان جمعية التوعية الإسلامية لهذه المسابقة في الأعوام المقبلة وتوسيعها لتشمل جميع مناطق البحرين ولتحمل طابعا إعلاميا أكبر وتحقق هدفها المنشود.
ويذكر أن الرئيس السابق للجمعية عبدالوهاب حسين أبدى الرغبة نفسها خلال مشاركته في حفل افتتاح المسابقة قبل عامين، غير أن التغيير الإداري وتبدل برامج إدارة الجمعية حالا دون تحقيق ذلك في هذا العام.
بين السلب والإيجاب
في لقاء آخر مع أحد المؤسسين والعريف الذي تميز بإدارته الممتعة في السنوات الأولى للمسابقة محمد علي حسن، تحدث عن الحاجة إلى استثمار نقاط التطور والبحث عن مواطن النقص في المسابقة قائلا: «مازال بالإمكان تحقيق أكثر مما كان، هناك جوانب عدة لابد من الالتفات إليها، ينبغي علينا تدوين جميع الإيجابيات والسلبيات التي أفرزتها المسابقة هذا العام لأخذها في الاعتبار في الأعوام المقبلة» وأضاف «مشكلتنا تغيير الإدارة المباشرة للمسابقة، وكل إدارة جديدة لا تحاول البدء مما انتهت إليه سابقتها وإنما تبدأ من جديد. وهذا ما يسبب تكرار بعض السلبيات» داعيا إلى توثيق جميع الأسئلة والاحتفاظ بها.
وفي هذا الجانب تحدث أحد الأعضاء المشاركين، عبدالله علي قائلا: «لو كنا نحتفظ بجميع الأسئلة لاستطعنا الآن إعداد موسوعة تشتمل على أكثر من 10 آلاف سؤال وإجابة، وهذه أكبر سلبيات المسابقة التي تفتقر إلى الارشفة. كما نأمل في الأعوام المقبلة التركيز أكثر على عنصر الجمهور ومحاولة شده للحضور وللاستفادة بإدخال بعض الطرق الحديثة والحيوية، كما استغرب المنظمون من تجاهل الكثير من شباب القرية لحضور المسابقة.
طموح إلى دعم «إعلامي»
ويبدي القائمون على المسابقة طموحهم الكبير في تخطي جميع العقبات وعلى رأسها الدعم المالي والإعلامي، كما يحملهم الطموح إلى رعاية شاملة من وزارة الإعلام، لأنهم - بحسب قولهم - يدركون أهمية التغطية الرسمية لمثل هذه الأنشطة التي أصبح المجتمع البحريني في حاجة ماسة إليها، خصوصا مع تزامن قرب افتتاح الصالة الثقافية في الفترة المقبلة والأهمية البالغة لتسخيرها في خدمة الجانب الثقافي الذي يثري عقلية الشاب البحريني ويسلحه ثقافيا لمواجهة الغزو الفكري، وعدم حكرها على الجانب الفني البحت.
أخيرا... هل تتحقق طموحات القائمين على المسابقة؟وهل سنرى المسابقة الـ (15) في حلة جديدة تحمل طموحات وآمال أهالي بوري فضلا عن أبناء البحرين عموما؟وهل يدرك المسئولون فعلا الحاجة إلى هكذا فعاليات تنشط الذهنية الثقافية لأبناء البلد؟ وهل ستجد المسابقة آذانا صاغية لاحتوائها وتطويرها؟ ماذا عن مسابقات أخرى مثيلة أيضا على مستوى البحرين؟ هل سنجد بوادر أخرى طويلة النفس على أرض الواقع؟ هذا ما ستجيب عليه الأيام المقبلة
العدد 749 - الخميس 23 سبتمبر 2004م الموافق 08 شعبان 1425هـ