أسدل الستار على مهرجان سلا الدولي الأول بالمغرب، والذي اختير له هذه السنة شعار «شاشة المرأة» بتتويج فيلم «منذ أن رحل أوطار» وبندوة عن الإبداع النسائي في السينما، هذا بالإضافة إلى تكريم ثلاث من رائدات السينما في كل من المغرب، مصر وفرنسا.
«أوطار» يتوج بعد رحيله
وهكذا فقد اختارت لجنة التحكيم في المهرجان التي ترأستها المخرجة المغربية المثيرة للجدل نرجس النجار الفيلم السينمائي الفرنسي «منذ أن رحل أوطار» للمخرجة جولي بيرطوشيلي فائزا بالشهادة الذهبية للمهرجان، فيما عادت جائزة التحكيم للفيلم الإيراني «امتحان» للمخرج ناصر الرفاعي، وجائزة أول دور نسائي للممثلة الإسبانية أدريانا أوثريس» عن دورها في فيلم «الحظ النائم» للمخرجة أنخليس غونساليس سندي، فيما حصل الممثل المغربي عبدالصمد مفتاح الخير على جائزة أول دور رجالي عن مشاركته في فيلم «الملائكة لا تحلق فوق الدار البيضاء» للمخرج المغربي محمد العسلي.
ونظرا إلى قيمة الأفلام المشاركة ضمن المسابقة الرسمية ارتأت لجنة التحكيم التي تكونت من نساء سينمائيات فقط منح تنويه خاص للفيلم الهولندي/المغربي «شوف شوف حبيبي» للمخرج ألبير تير هيردت، كما منحت اللجنة جائزة أخرى لأحسن سيناريو وعادت إلى الفيلم اليوناني «وداعا يا أبتاه» للمخرجة بيني بانايا طوبولو، مع تقديم تقدير خاص للفيلم السينمائي «فريدة» للمخرجة جولي تايمور.
وأوضحت رئيسة اللجنة المخرجة المغربية نرجس النجار في مؤتمر صحافي عقدته اللجنة أن إدارة المهرجان برمجت فقرات متميزة في طبعته الأولى إلا أنها عبرت بالمقابل عن «أسفها لعرض بعض الأفلام العربية التي لم تكن تمثل السينما العربية في بعدها الجمالي والتقني ولم تعكس مقاييس السينما المتعارف عليها في الفن السابع في العالم».
يذكر أن لجنة التحكيم ضمت كلا من نرجس النجار رئيسة، والمخرجة المصرية إيناس الدغيدي وممثلة المؤسسة الهيلينية من أجل الثقافة ببلدان المغرب العربي اليونانية صوفيا هينيادو كامباني ومديرة مركز الحركة السينمائية لوريكس في «شاطوني ملابري» مريان بيكيت، فيما غابت عن اللجنة الإسبانية إيماكولادا كوردييو الأستاذة في مادة السرد الفيلمي والتلفزيوني بكلية علوم الاتصال بجامعة إشبيلية الأندلسية.
ثلاث رائدات سينمائيات
إضافة إلى ذلك شهد اليوم الختامي من المهرجان تكريم ثلاثة وجوه نسائية رائدة في المشهد السينمائي قدمن أعمالا متميزة ستظل راسخة في الذاكرة السينمائية .
وهكذا كرم المهرجان في حفل اختتامه الممثلتين المغربية حبيبة المذكوري والمصرية فاتن حمامة والمخرجة الفرنسية أنيس فاردا.
والممثلة حبيبة المذكوري انطلقت في عالم التمثيل ولم يتجاوز عمرها 13 سنة إذ بدأت مسارها الفني مع فرق حرة. وكانت أولى المسرحيات التي شاركت فيها «البخيل» و«الطبيب على رغم منه» و«أولاد العاقر».
وفي سنة 1949 التحقت المذكوري بالإذاعة المغربية، إذ أدت أدوارا متعددة، بعد ذلك التحقت بالتلفزيون المغربي غداة تأسيسه العام 1961 وواصلت مسيرتها إلى أن راكمت أدوارا في 4670 مسلسلا ورواية للإذاعة والتلفزيون .
كما شاركت المحتفى بها في السينما من خلال مجموعة من الأفلام منها «عندما يثمر النخيل» و«صالحة» و«بامو» و«دموع الندم» و«أين الشمس».
أما الفنانة فاتن حمامة سيدة الشاشة العربية التي بعثت برسالة صوتية إلى المهرجان عبرت فيها عن سعادتها بالتكريم ودعت فيها السينمائيات العربيات إلى التأمل فيما يعج به المجتمع العربي من حوادث واعتماد هذا الفن الراقي والممتع والبسيط لتحقيق التألق، فقد بدأت في القاهرة سنة 1931 وانطلقت في عالم السينما ولم تتجاوز الثامنة من عمرها مع المخرج محمد كريم في فيلم «يوم سعيد».
وحققت فاتن حمامة أول نجاح جماهيري لها مع فيلم «ملاك الرحمة» ليوسف وهبي سنة 1946 فيما بلغت قمة الشهرة الفنية من خلال أفلام مثل «المنزل رقم 13» و«يومك سيأتي» و«دعاء الكروان» و«الخطيئة» و«صراع في الوادي» و«لا أنام» فكانت الأدوار التي أدتها كالخادمة والفتاة الفقيرة والضحية والفلاحة والطالبة مقنعة جدا ولم يقلل غيابها عن الشاشة الكبرى منذ فترة من تألقها أو شهرتها .
وفيما يتعلق بالمخرجة الفرنسية أنيس فاردا التي بعثت هي الأخرى برسالة بالصوت والصورة إلى المهرجان عبرت فيها عن حبها للمغرب واعتزازها بالتكريم الذي حظيت به بعد أن تحقق لها ذلك في مهرجان تطوان للسينما المتوسطية في تسعينات القرن الماضي فقد بدأت في بروكسيل سنة 1928، ثم انتقلت إلى باريس لمتابعة دراستها في مدرسة الديكور أصبحت بعدها مصورة .
وقررت فاردا في مرحلة من مسارها المهني الانتقال إلى التصوير والاخراج السينمائي فقامت بإخراج أول فيلم لها «الحد القصير» سنة 1954 الذي كان عملا موسوما بالحس النسائي وبتلقائية في التعبير.
كما أخرجت فاردا الكثير من الأفلام التسجيلية «الفهود السود» سنة 1968 و«حب الأسود» سنة 1970 الذي يمزج بين التخييل والتوثيق و«داغيرتيب» سنة 1975 كما تطرقت في الكثير من الروبرتاجات المصورة إلى وضعية المرأة .
الإبداع لا يفرق بين الجنسين
بالإضافة إلى عرض الأعمال السينمائية وما صاحبها من تكريم وتوزيع للجوائز، شهد المهرجان عدداً من الندوات كان أهمها ندوة «نساء وسينما نساء في السينما» التي نظمت في صبيحة اليوم الختامي، إذ اعتبر عدد من المشاركين فيها أنه «لا وجود لسينما نسائية وأخرى رجالية لأن الإبداع لا يعترف بالفرق بين الجنسين بل تحكمه قيمته الفنية والجمالية ومضمون الموضوعات التي يتناولها».
وحاول المشاركون في هذا اللقاء التفكير بشكل جماعي في العلاقة المزدوجة للمرأة بالسينما عبر مقاربة وجودها خلف الكاميرا مخرجة وأمامها ممثلة ثم عبر موقعها في قلب عملية الإنتاج السينمائي وبعض المهن التقنية والفنية التي يتطلبها هذا العمل إلى جانب مسألة تناولها موضوعاً في الأفلام التي تنتجها أو تكون طرفا فاعلا فيها.
وشكل اللقاء أيضا فرصة للتطرق إلى الكثير من المحاور التي ساهم في طرحها سينمائيون وسينمائيات من مختلف بلدان الشمال والجنوب وموضوعات همت مسألة الإبداع النسائي وتقاطعه في بعض الأحيان مع الإبداع الرجالي في التناول والمعالجة ومسألة توظيف المرأة كجسد في الأفلام العربية وتقديمها في صور متعددة في مجتمع مفعم بالمتناقضات إلى جانب التطرق إلى الإكراهات التي يصادفها المخرجون من كلا الجنسين في بعض المواقف التي مازالت في حكم الطابوهات في مجتمع يصعب فيه على المرأة التخلص من أعراف وتقاليد تثقل بيئتها على رغم التحول الاجتماعي وانعكاسه على الحركة التي يعرفها المشهد السينمائي .
وأثارت بعض المداخلات التي ميزت اللقاء تجربة الإخراج السينمائي في المغرب التي تساهم في تأديتها باقة من المخرجات منهن من خاضت تجربة المسلسلات والأفلام التلفزيونية قبل الانتقال إلى العمل السينمائي ومنهن من تلقت التكوين السينمائي ومارست الإخراج مباشرة مشيدة ببعض التجارب النسائية التي أثمرت أعمالا جيدة وفي مستوى تطلعات المشهد السينمائي الوطني .
إلا أن ذلك حسب بعض المداخلات لا يمنع المخرجات من مزيد من البذل على مستوى معالجة موضوعات عامة تعبر أكثر عن هموم المتلقين من مختلف الفئات الاجتماعية إلى جانب تطوير معالجة الموضوعات ذات الخصوصية النسائية التي تجد فيها المخرجات في كل مناطق العالم ضالتهن للتعبير وخلخلة الأسئلة منها المتعلقة بالذات «المرأة» ومنها ما يتعلق بالمجتمع في شموليته.
كما أن اللقاء كان فرصة لبعض النقاد المغاربة للسؤال عن مستوى الإبداع النسائي ومدى إسهامه في بلورة مشروع مجتمعي يعيد الاعتبار لكينونة الجسد في المجتمع المغربي ومدى توفق هذا الإبداع في استعارة «البلاغة الجسدية» من المسرح وكيف يمكن التفكير في تطوير العلاقة مع هذا الجسد داخل المنظومة العامة مشيرين إلى أن السينما المغربية اشتغلت دوما على موضوع المرأة على مستويات مختلفة لكنها كثيرا ما كانت تسعى إلى نقل الصورة التي أنتجها الواقع .
وجاء في المداخلات أيضا أن المغرب يفتقد إلى دليل عن المرأة في السينما وخصوصاً مع وجود 16 مخرجة وعدد هائل من الممثلات والتقنيات لا يعرف الجمهور المغربي عنهن شيئا يذكر ويفتقد إلى أنطلوجيا حول الكتابة السينمائية النسائية لمعرفة مستوياتها وتوجهاتها وملامسة كل أبعادها .
كما اعتبرت هذه المداخلات أن الفرق بين الإبداع النسائي والرجالي موجود دائما في جميع تجليات الفن والكتابة وموجود أيضا بين سينما الجنوب وسينما الشمال وأخرى آسيوية وإفريقية «لأن رؤية المرأة تعتمد تفاصيل قد لا يراها الرجل في غالبية الأحيان كما لها لمسة خاصة ونكهة لا يمكن أن تمتلكها إلا المرأة»
العدد 765 - السبت 09 أكتوبر 2004م الموافق 24 شعبان 1425هـ