اختُتمت الحلقة النقاشية التي تناولت حال أسواق العمل ومشكلة البطالة في دول مجلس التعاون الخليجي مساء (السبت) الماضي. وتضمنت أربع جلسات ناقشت القضية من مختلف جوانبها السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية. وشارك في الحلقة التي نظمها مركز الخليج للأبحاث في دبي أكاديميون ومتخصصون في شئون العمل والبطالة وممثلون عن القطاعين الحكومي والخاص في دول المجلس ومنظمات إقليمية ودولية مثلها كل من مدير عام منظمة العربية وممثل عن الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربي وممثل عن الأمم المتحدة في منطقة الخليج والأمين العام لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي.
واستعرضت هذه الحلقة حال سوق العمل ومشكلة البطالة في كل دولة من دول المجلس على حدة، بالإضافة إلى إبراز السبل القائمة والمتبعة في معالجة الإشكالات الناجمة عنها.
وتناولت محاول الحلقة: ندرة مصادر المعلومات والبيانات الحديثة عن حال أسواق العمل ومشكلة البطالة في دول المجلس وطبيعة المشكلات التي تواجه الباحث وصانع السياسة بهذا الخصوص. و المؤشرات العامة لحال سوق العمل، فتناول إجمالي قوى العمل مقارنة بعدد السكان وتوزيع قوى العمل بين القطاعين الحكومي والخاص ونسبة العمالة الوافدة إلى إجمالي قوى العمل المواطنة، بالإضافة إلى توزيع العمالة الوافدة بحسب الجنسية والقطاع ونسبة مشاركة المرأة في قوة العمل. ومعدلات البطالة في دول المجلس وأهم خصائصها ونسب البطالة الظاهرة بين المواطنين وبين الوافدين وبين المواطنين العاطلين عن العمل والوافدين ومؤشرات البطالة المقنّعة في دول المجلس وأهم خصائص هذه المشكلة. و«أسباب تنامي ظاهرة البطالة»، وهي أسباب تتعلق بسياسات التوظيف وضعف قدرة القطاعين العام والخاص على استيعاب المزيد من قوى العمل وضعف قدرة الاقتصادات الوطنية على خلق فرص عمل جديدة، الأمر الذي يُعزى إلى غياب التوازن بين مخرجات التعليم من ناحية واحتياجات التنمية وسوق العمل من ناحية أخرى، بالإضافة إلى أسباب تتعلق بتطلع شباب المواطنين في دول المجلس إلى وظائف بمواصفات معينة، وكذلك ضعف قدرة القطاع الخاص على توظيف المواطنين والمتاجرة بالتأشيرات في بعض الدول. إضافة إلى تقييم سياسات الدول في معالجة مشكلة البطالة وسياسات توطين الوظائف، بما في ذلك الإيجابيات والسلبيات وضرورة العمل على التدريب وتأهيل المواطنين وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي لإيجاد فرص عمل جديدة وإلزام القطاع الخاص بنسب من توظيف المواطنين. وأخيراً الآثار المحتملة لتنامي مشكلة البطالة، وتناول بالرصد والتحليل هدر الموارد البشرية وبطالة المتعلمين وما تمثله من هدر للموارد التي تم إنفاقها على تعليمهم، وذلك مع تأكيد أن ظاهرة البطالة تزيد من الانحراف والجريمة والتطرف والعنف، فيما خصص المحور الأخير لتقديم «مقترحات لمواجهة مشكلة البطالة» وبناء قواعد بيانات دقيقة وتوسيع القواعد الإنتاجية للاقتصادات الوطنية وربط مخرجات التعليم باحتياجات سوق العمل وتفعيل دور القطاع الخاص والعمل على تغيير نظرة الشباب إلى قيمة العمل ومراجعة سياسات التوطين.
وبين مدير عام العمل العربية أن برامجنا التعليمية لا تواكب التطورات الحديثة أو حتى احتياجات سوق العمل. ودعا إلى جسر الهوة بين مخرجات التعليم والتدريب المهني وبين احتياجات سوق العمل الفعلية. وأوضح أنه بالإمكان الوصول إلى حل أمثل لمشكلة البطالة إذا توافرت الإرادة السياسية والبيانات الصحيحة بشأن سوق العمل.
من جانبه، قال رئيس مركز الخليج للأبحاث عبدالعزيز عثمان بن صقر: «ليس من قبيل المبالغة القول إن هذه هي إحدى أهم القضايا الحاكمة لحاضر دول مجلس التعاون الخليجي ومستقبلها، وخصوصاً في ظل التطورات الداخلية التي تشهدها هذه الدول، والتحولات الإقليمية والعالمية التي تحيط بها، و ما تفرضه من تحديات واستحقاقات». وأضاف: «أن هناك عوامل أخرى كثيرة ساعدت على تكريس هذا الوضع، منها استمرار القطاع الخاص في هذه الدول في توظيف المزيد من العمالة الوافدة، كما أن بعض القيود الاجتماعية قلصت من مشاركة المرأة الخليجية في قوة العمل، ناهيك عن وجود نظرة سلبية لدى بعض فئات الشباب في دول المجلس تجاه قيمة العمل، ما يحدّ من رغبتهم في الانخراط في بعض المهن. كما أن تنامي معدلات البطالة في دول المجلس خلال السنوات الأخيرة يعدّ من أبرز مظاهر الخلل في أسواق العمل، فمن المفارقات فيها قد أصبحت تعاني من عجز متزايد عن توفير فرص العمل لأبنائها، مما خلق مشكلة بطالة، وخصوصاً في صفوف المتعلمين من الشباب، مما يمثل هدراً مزدوجاً للموارد المادية والبشرية لهذه الدول».
وأكد رئيس مركز الخليج للأبحاث أنه على رغم أن مشكلة الخلل في الهياكل السكانية وأسواق العل قد شغلت الدوائر المسئولة في دول المجلس منذ فترة ليست بالقصيرة، وخصوصاً في ظل بروز التأثيرات السلبية لهذا الوضع، فإن النتائج تعتبر متواضعة في أفضل الأحوال. وخلُص عبدالعزيز بن صقر إلى القول إنه إدراكاً من مركز الخليج للأبحاث لحجم المخاطر والتداعيات التي يمكن أن تترتب على استمرار الخلل في أسواق العمل وتنامي معدلات البطالة في دول المجلس، وخصوصاً أن البطالة تخلق بيئة ملائمة لتنامي ظواهر التطرف والعنف والجريمة، فقد حرص المركز على دعوة هذه النخبة المتميزة من الباحثين والخبراء الاقتصادين، وبعض ممثلي القطاع الخاص، للمشاركة في هذه الحلقة العلمية من أجل رصد ومناقشة هذه المشكلات بموضوعية وتجرد، حتى يتسنى الوقوف على الأسباب الحقيقية لاستمرار الخلل في أسواق العمل في دول المجلس، وبالتالي تحديد حجم مشكلة البطالة فيها، وأسباب تعثر جهودها في معالجتها أو تواضع نتائجها، فضلاً عن بلورة مقترحات علمية وعملية تفيد في وضع خطط وسياسات فعالة لتجاوز هذا الواقع الذي يلقي بظلال سلبية على حاضر دول المجلس ومستقبلها.
وأشار إلى أن الحكومات لم تبذل جهوداً جادة، وخصوصاً في مجال وضع سياسات واضحة طويلة الأمد وتبني آليات لتنفيذها في إطار زمني محدد. وليس أدل على ذلك من عدم توافر إحصاءات حديثة ودقيقة وشاملة لحال أسواق العمل. هذا بالإضافة إلى أن بعض الدول تتعامل مع ما هو متوافر من معلومات من ودن أن تستند إلى إحصاءات لعدد السكان، وهي في حال توافرها تظل قديمة لا يمكن الاعتماد عليها في وضع سياسات علمية وعملية قادرة على مواجهة مشكلة البطالة. أما فيما يتعلق بالسياسات الموضوعة لمعالجة هذه المشكلة، فقد تركزت تحديداً على المدن وأهملت المناطق الريفية، والتي يمثل سكانها في الكثير من دول المنطقة غالبية السكان كما هو الحال بالنسبة للمملكة العربية السعودية، عُمان واليمن، لقد أدت هذه السياسة إلى هجرة السكان من الريف إلى المدينة بحثاً عن الوظائف والخدمات، ما أدى إلى «تريف» المدينة وتفاقم مشكلات البطالة، وألقى بالمزيد من الأعباء على البنى الأساسية في المدن. كما أن استثناء القطاع الخاص من عملية وضع السياسات والتخطيط عطّل قدرات لا يمكن الاستهانة بها، والتي كان من الممكن توظيفها في الجهود الرامية إلى التصدي لمشكلة البطالة. من هنا أوضح رئيس المركز أن دور القطاع الخاص مهم وحيوي في معالجة قضايا سوق العمل في منطقة الخليج، ولكن لا يمكن تحميل المسئولية للقطاع الخاص من دون إشراكه في السياسات التخطيطية لمعرفة احتياجاته ومدى قدرته على المساهمة في حل الإشكالات. وأشار عبدالعزيز بن صقر إلى أنه من المتوقع بحول العام 2010 أن يكون هناك في دول مجلس التعاون خمسة ملايين وثلاثمئة ألف مواطن ومواطنة تتراوح أعمارهم ما بين السادسة عشرة والخامسة والثلاثين قادرين على مزاولة العمل. ولمواجهة هذه المشكلة، أكد على وجوب التوصل إلى إطار موحد للتعامل مع هذه الإشكالية، وذلك بالاستناد إلى المعلومات المنظمة بشأن سوق العمل وبإيجاد مؤسسة تدريب على مستوى دول المجلس تتبنى برامج مشتركة، وتتعاون مع الكثير من الدول في هذا المجال، مشيراً في هذا الصدد إلى الدور الذي يمكن أن تضطلع به مراكز البحوث وصناديق الموارد البشرية في معالجة مشكلة البطالة. وقال إن مركز الخليج للأبحاث تبنى فكرة عقد مؤتمر سنوي خاص بقضايا العمل والعمالة، يضم مختلف الأطراف الحكومية والمنظمات الإقليمية والدولية وأرباب العمل وممثلين عن الموظفين والعمال لمناقشة جميع القضايا والإشكالات التي تواجه سوق العمل الخليجية. وأكد في هذا السياق على ضرورة الاستفادة من التقارير التي تعدها الجهات الدولية ذات العلاقة مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي ومنظمة العمل العربية والدولية، علماً بأن المركز سيقوم بإعلان موعد المؤتمر السنوي للعمل في وقت لاحق من هذا العام
العدد 770 - الخميس 14 أكتوبر 2004م الموافق 29 شعبان 1425هـ