اعتبر الباحث الاقتصادي خالد عبدالله أن مشروع ولي العهد لإصلاح السوق يمثل «الفرصة الأخيرة»، بالنسبة إلى الاقتصاد البحريني، وعدد عبدالله - الذي كان يتحدث خلال ندوة نظمتها مساء أمس الأول جمعية العمل الوطني الديمقراطي عن «دراسة إصلاح سوق العمل» لشركة ماكينزي - مشكلات سوق العمل، مشيراً إلى أن «استثمارات بقيمة 6 مليارات دولار تدفقت على البحرين بعد توقيع الميثاق، ولكن بسبب مشكلات عدة في البنية التحتية وبسبب الفساد المالي والإداري، تراجعت هذه الاستثمارات عن الدخول لسوق البحرين، وكانت هذه الاستثمارات مرشحة لخلق 50 ألف وظيفة، وهذا يعتبر إخفاقاً كبيراً».
وابتدأ خالد عبدالله حديثه بسرد تاريخي عن تشكل سوق العمل في البحرين قائلاً: «في أواخر فترة الستينات كانت أعداد البحرينيين في سوق العمل أعدادا هائلة، وكانوا عمالاً مهرة فهم الذين تمت الاستعانة بهم لتشييد خطوط التابلاين في السعودية، وكانت الأيدي العاملة الأجنبية في سوق العمل بأعداد قليلة، ولكن بعد الطفرة النفطية في المنطقة تغير الوضع إذ تغيرت مداخيل الدول، وتم إنفاق كثير من العائدات النفطية على البنية التحتية، وكانت هذه المشروعات تحتاج إلى أيد عاملة وكانت العوائد المالية كبيرة جداً والموارد البشرية الموجودة في المنطقة غير كافية لتشغيل هذه العوائد، وكان لابد من الاستعانة حينها بالأيدي العاملة الأجنبية في هذه الفترة، التي تم خلالها إنشاء المدارس ومحطات الكهرباء وغيرها من جوانب البنية التحتية بالاعتماد على الأيدي العاملة الوافدة».
وأضاف عبدالله: «وصاحب فترة الطفرة النفطية وتشييد البنية التحتية تخرج المزيد من الطلبة البحرينيين من المدارس وكانت البحرين ودول الخليج عموماً توسع دوائرها الحكومية، وكانت تستقطب هؤلاء الطلبة للعمل في هذه الدوائر الحكومية، وكان الاقتصاد البحريني يتمتع بقدر من الديناميكية إذ برزت عدة قطاعات اقتصادية كالقطاع المالي، وقطاع الألمنيوم، والتأمين، والمحاسبة، وكان الاقتصاد البحريني يوفر فوائض، ولكن في منتصف الثمانينات هبطت أسعار النفط ووصلت حتى 7 دولارات للبرميل الواحد، وبدأت حينها قدرة الدولة على امتصاص الخريجين لتوظيفهم في دوائرها تتراجع، وكانت الدولة تهيمن على الاقتصاد حتى أنها دخلت في قطاعات كقطاع التمور، والألبان والمواشي، وفي هذه الأوضاع ظل الخريجون يتدفقون على سوق العمل ولم تكن الدولة قادرة على استيعابهم في القطاع العام، وصاحب ذلك ركود اقتصادي في التسعينات، وكان هناك انحسار في مسألة استقطاب الاستثمارات لأسباب كثيرة كالفساد المالي والإداري الذي ساهم في طرد الاستثمارات، وبدأت حينها مسألة البطالة تبرز على السطح بشكل واضح وقوي».
وعن الوظائف التي يخلقها الاقتصاد البحريني قال عبدالله: «بحسب إحصاءات وزارة المالية فإن هناك 7 آلاف وظيفة يخلقها الاقتصاد البحريني، إلا أن هذه الأرقام يجب مساءلتها إذ إن مسألة المتاجرة بالبطاقات السكانية لتحقيق نسب البحرنة تحسب ضمن هذه الأرقام»، وعن الأجور في سوق العمل البحرينية أوضح أن «العمالة الأجنبية ضغطت على مستويات الأجور التي هبط متوسطها خلال 10 سنوات كما بينت دراسة ماكينزي، وعموماً فإن هذا النموذج الاقتصادي ساهم في إفقار في الدخل وإفقار في المهارات، وأصبح لدينا خريجون يعملون في وظائف متدنية، ولكن الجانب الخطير في الموضوع هو أن القطاع الخاص البحريني أصبح يركز على المشروعات التي تحتاج إلى أيد عاملة رخيصة، وعلى مشروعات ليست لها علاقة بمستوى البحرين الاقتصادي، وابتدأت هنا تبرز لنا تشكيلة مشوهة للاقتصاد البحريني».
واعتبر عبدالله أن «طبيعة التصدي للمشكلة من قبل وزارة العمل والشئون الاجتماعية، كانت عبارة عن حلول ترقيعية، إذ إن وزارة العمل تم تحمليها مسئولية توظيف الناس وهذا ليس دورها، ففي كل الدول تعتبر هذه مسئولية وزارة المالية أو وزارة الخزانة التي تضع الخطة الاقتصادية للبلد، ونحن نرى كيف يحاسب الرئيس الأميركي بوش، أو رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير على عدد الوظائف التي يوجدها الاقتصاد، ونحن في البحرين لدينا إخفاق كبير في هذا الجانب. إن السياسات الترقيعية التي تتبعها وزارة العمل كفرض نسبة للبحرنة هي سياسة غير صحيحة».
وأكد عبدالله أنه «لا يمكن لنا الاستمرار في هذا الاتجاه اذا أردنا التصدي للحال العامة، فنحن في البحرين الآن نشتهر بالاعتصامات والاختناقات وهذا كله نتاج سياسة متراكمة، إننا أمام مفترق طرق يتطلب منا تصدياً جاداً للمشكلة الموجودة، وأنا شخصياً أنظر إلى مبادرة سمو ولي العهد التي سميت بإصلاح سوق العمل، على أنها ترتكز على جعل العامل البحريني مؤهلاً ومفضلاً لعملية التوظيف بالاختيار، ومن المهم أن نركز هنا على أن البطالة ليست هي المشكلة فقط، بل الأجور أيضاً، فما فائدة أن يعمل الإنسان براتب قدره مئة دينار، المسألة ليست مسألة أكل وشرب فلا يوجد حيوان في البحرين يموت اليوم من الجوع، لكن الإنسان له كرامته وليس مطلوباً منه أن يأكل وينام فقط».
وانتقد عبدالله محور «التدريب الذي سيكون محوراً مهماً من محاور إصلاح الاقتصاد، فعلى رغم الأموال التي صرفت عليه سابقاً فإن بعضها ذهب هدراً، كل برامج التدريب الحالية هي برامج هلامية تفقر للهدف والربط بسوق العمل»، ونوه الباحث الاقتصادي إلى أنه في «ظل النموذج الحالي لسوق العمل، فإننا حتى لو خلقنا الآن وظائف كثيرة فستستحوذ عليها العمالة الأجنبية، إذ إن الأرقام تشير الآن إلى أن من بين كل ثلاث وظائف توجد في سوق العمل، تذهب اثنتان للأيدي العاملة الأجنبية»، واختتم خالد حديثه أن «تبني القيادة السياسية للمشروع يعطي فرصة جيدة لتطبيقه، فهي الفرصة الأخيرة ولابد لنا من تطبيقها بكل جوانبها من دون خلل»
العدد 777 - الخميس 21 أكتوبر 2004م الموافق 07 رمضان 1425هـ