أبومليكة جرول بن أوس العبسي، لقب بالحطيئة لقصر قامته. ولد في بادية يثرب في الجاهلية وأسلم في عهد النبوة وارتد في زمن أبي بكر، ولمّا أسر عاد إلى الإسلام. شبّ محروماً لا يجد مدداً من قومه، وقرض الشعر ليقتات منه، ولينتقم لنفسه من مجتمعه، وصفه الأصمعي فقال: كان سؤولاً ملحفاً دنيء النفس، كثير الشر قبيح المنظر، رث الهيئة، وكان الناس يخافون شره. لم يكن يسلم أحد من لسانه. قال شعراً ملتبساً في أحد رؤساء بني تميم، فشكاه إلى عمر بن الخطاب، فعرض شعره على حسان بن ثابت فقال: «لم يهجه ولكنه سلح (تغوّط) عليه»! فحبسه الخليفة فاستعطفه الحطيئة، فرقّ له وأطلقه ونهاه عن هجاء الناس، فقال: «إذاً تموت عيالي جوعاً»! فدفع له عمر ثلاثة آلاف درهم ليكف لسانه عن الناس، فكف حتى مات عمر وعاد إلى طبعه! قدم مرة إلى المدينة، فجمع له أهلها أربعمئة دينار ليقطعوا لسانه، ولكنه فاجأهم يوم جمعة باستقبال الإمام منادياً: من يحملني على نعلين وقاه الله كبّة جهنم، وذلك لطمعه. نظم الشعر في موضوعات شتى، إلا أن ما بقي لنا منه هو الهجاء لكثرة ما تطاول على الناس، فلما انتهى من هجاء العالمين هجا أمه فقال:
تنحي فاجلسي عني بعيداً أراح الله منك العالميـــــــــــــــــــــــنا!
ثم هجا أباه فـقال:
لـحـاك الله ثــم لـحاك حـقاً أبــاً ولـحـاك من عـمٍّ وخــــــــــــــــــالِ
وأخيراً انقلب يهجو نفسه:
أرى لـي وجـهاً شوَّه الله خلقه فـقُبِّح مـن وجـهٍ وقُبِّح حامله
لما دنت وفاته قال: «احملوني على أتان (حمارة)، واتركوني راكباً حتى أموت، فإن الكريم لا يموت على فراشه»، مع ان الأتان لم يمت عليه كريم قط! فحملوه على أتان وأخذوا يذهبون به ويجيئون حتى مات!
قاسم حسين
العدد 806 - الجمعة 19 نوفمبر 2004م الموافق 06 شوال 1425هـ