بثت الصحف الأميركية المزيد من الهواجس بشأن الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط بدءا من مصير «مبادرة الشرق الأوسط الكبير» على هامش «المنتدى الاستراتيجي العربي» بشأن الإصلاح في العالم العربي الذي انعقد في دبي، وفي ضوء انهيار «النموذج العراقي للديمقراطية» وتدهور الأوضاع الأمنية في مختلف المناطق العراقية والتي تفاقمت أخيرا، ووسط الاستعدادات الجارية لإجراء الانتخابات في هذا البلد والتي يرجح لها معلقون أميركيون أن تطلق شرارة الصراع المذهبي.
ويتحول العراق في إحدى التعليقات إلى كارثة على الطراز الفيتنامي الأمر الذي يضع الولايات المتحدة في حال من العزلة أو ما وصفتها بـ «العولمة المقلوبة»، وإذ يحمّل الجميع واشنطن المسئولية لأن سياسة أميركا في هذا البلد تشبه «فرساً غير مروضة»، يرى أحدهم انه يمكن تفادي هذا السيناريو من خلال التوصل إلى صفقة مع إيران تنشر السلام في مختلف أرجاء الشرق الأوسط.
وانتقد وليام كريستول في «واشنطن بوست» تحت عنوان «وزير الدفاع الذي يملكه الأميركيون» وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد، مشيراً إلى أن الكثير من المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية لا يثقون برامسفيلد ولا بسياساته. وأضاف كريستول نقلا عن الجنرال الأميركي المتقاعد باري ماكفري ان القوات الأميركية الموجودة في العراق لن تصمد أكثر من ستة أشهر إضافية نظرا للأوضاع الصعبة التي يواجهها الأميركيون في هذا البلد والمقاومة العراقية التي تتصدى لهم. وأيد المعلق كلام الجنرال ماكفري مشيرا إلى ان العمليات العسكرية التي تخطط لها الإدارة الأميركية في العراق لا تتلاءم مع حجم القوات الأميركية التي أرسلها رامسفيلد إلى هناك. واقترح كريستول إقالة جميع المسئولين في «البنتاغون» الذين ساهموا في إغراق أميركا في الحرب ضد العراق من دون إجراء التحضيرات الكافية وإرسال قوات مجهزة بشكل مناسب.
وكتب ديفيد إغناطيوس في «واشنطن بوست» مقالاً تحت عنوان «كيف تفوز إيران بالعراق؟» استهله بالقول انه لو طلب من محلل استخباراتي قبل عامين أن يصف أسوأ نتيجة سياسية ممكنة للغزو الأميركي للعراق لكان أجاب بأنه قيام نظام شيعي في العراق على علاقة وثيقة بالجمهورية الإسلامية في إيران. ولاحظ إغناطيوس أن هذا النظام على وشك أن يظهر بعد الانتخابات العراقية المقررة في 30 ديسمبر/ كانون الثاني. وأوضح أن الزعماء الشيعة أعلنوا الأسبوع الماضي تشكيل لائحة مرشحين يرأسها رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق المدعوم من إيران عبدالعزيز الحكيم. مرجحا أن تفوز هذه اللائحة بأصوات الشيعة الذين يشكلون 60 في المئة من الشعب العراقي. واتهم إيران بأنها تضخ ملايين الدولارات وترسل مئات العملاء إلى العراق.
كما زعم نقلا عن مسئولين عراقيين أن طهران جندت عددا من العناصر لتنفيذ عمليات اغتيال للمنافسين المحتملين للائحة الشيعية في الانتخابات المقبلة. وأشار إغناطيوس، في هذا السياق إلى أن القادة الأميركيين في العراق يأملون في أن يفوز خط رئيس الوزراء المؤقت إياد علاوي في الانتخابات غير انهم بدأوا يقيّمون منذ الآن التداعيات المحتملة للانتصار الشيعي في هذه الانتخابات. وحذر المعلق من ان الانتصار الشيعي لن يؤدي إلى تعزيز نفوذ الملالي فحسب بل سيثير نقمة السنة الذين لن يستطيعوا المشاركة في الانتخابات بسبب العنف المتواصل في مناطقهم.
وأضاف ان التوتر المذهبي قد يتضاعف في هذه الحالة وسيهدد بنشوب حرب أهلية في العراق. متسائلا ما الذي ستفعله الولايات المتحدة في هذه الحالة: هل ستقف في صف أحد أطراف النزاع ضد الآخر؟ غير ان إغناطيوس ترك هذا السؤال معلقا، مختتما بالقول إن النوايا الأميركية في العراق قد تكون سليمة غير انه من الناحية الاستراتيجية فإن سياسة واشنطن في هذا البلد تشبه فرساً غير مروضة. ولاحظ آرنود دي برغراف في «واشنطن تايمز» ان العالم يشهد هزة جيوسياسية كل عشر سنوات. فبين العام 1985 و1995 شهد العالم سقوط جدار برلين وسقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار الأحزاب الشيوعية حول العالم وبروز أميركا كقوة عظمى وحيدة في العالم. أما بين العام 1995 و2004 فقد كان الهجوم على مركز التجارة العالمي هو الحدث الأبرز الذي أدى إلى نشوب الحرب الأميركية ضد أفغانستان وحكم طالبان ومن ثم سقوط نظام صدام حسين. وهنا تساءل عن الهزة الجيوسياسية التي ستشهدها الفترة الممتدة بين 2005 و2015؟ وأجاب ان معظم المراقبين يخشون من أن يتحول العراق إلى كارثة على الطراز الفييتنامي الأمر الذي يضع الولايات المتحدة في حال من العزلة أو ما وصفها بـ «العولمة المقلوبة». غير ان المعلق رأى انه يمكن تفادي هذا السيناريو من خلال التوصل إلى صفقة مع إيران إذ إن ذلك سيساهم في إحلال السلام في الشرق الأوسط. وأوضح أن حذف اسم إيران من «محور الشر» والاعتراف بها كلاعب أساسي في المنطقة يجب أن يكون البداية. وفي المقابل تعترف طهران بـ «إسرائيل» وبحل الدولتين وبضرورة إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وأضاف أن الصفقة بين طهران وواشنطن يجب أن تتضمن وقف الدعم الإيراني لكل النشاطات «الإرهابية» التي تستهدف «إسرائيل» بما في ذلك نشاطات «حزب الله».
من جهة أخرى، لاحظت «واشنطن بوست» في افتتاحيتها ان التحرك نحو التحرر السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط قد تباطأ بشكل ملموس. وأوضحت أن السعودية جمدت برامج الإصلاح التي روج لها المسئولون السعوديون قبل عام كما انها زجت بعدد لا بأس به من الإصلاحيين في السجون. أما في مصر، فقد نجح الرئيس حسني مبارك في تهدئة إدارة بوش من خلال تصوير نفسه على انه بطل الفلسطينيين بدلا من أن يكون بطل الصحافة الحرة والانتخابات النزيهة.
أما في العراق فلفتت الصحيفة إلى ان هذا البلد لم يشكل نموذجا للديمقراطية الغربية كما روجت لذلك الإدارة الأميركية بل على العكس فقد وقع ضحية أعمال العنف التي تتصاعد يوما بعد يوم. إلا أنها حمّلت واشنطن اللوم الأكبر في تراجع مساعي الإصلاح في المنطقة بسبب جهودها المتواضعة لتمويل مبادرة الشرق الأوسط الأكبر لمصلحة برامج المساعدات التي وصفتها بالتافهة في أماكن أخرى من العالم. وشددت على ضرورة أن ينفذ بوش خلال ولايته الثانية وعوده بإحلال الديمقراطية في الشرق الأوسط من خلال تخصيص المزيد من المال لذلك من جهة وعبر تحركات عملية على الأرض من جهة أخرى.
على أية حال قد يرد مقال توماس فريدمان في «نيويورك تايمز» الذي كتبه على هامش «المنتدى الاستراتيجي العربي» الذي انعقد في دبي على هواجس «واشنطن بوست»، إذ كشف حين انتقد محاولة الإدارة الأميركية عرقلة صدور تقرير الأمم المتحدة بشأن التطور البشري العربي. وأوضح أن هذا التقرير الذي أعدته نخبة من المثقفين والباحثين العرب يتضمن انتقادا لاذعا للغزو الأميركي للعراق والاحتلال الإسرائيلي وهو ما دفع إدارة جورج بوش إلى معارضة صدوره قبل حذف كل الكلام المسيء الذي يتضمنه عن الأميركيين والإسرائيليين. وأضاف ان مصر وبعض الحكومات العربية لا ترغب في صدور التقرير لأنه يوجه انتقادات إليها
العدد 836 - الأحد 19 ديسمبر 2004م الموافق 07 ذي القعدة 1425هـ