انطلقت في العاصمة الفرنسية (باريس) أيام ثقافية بحرينية ينفذها الشاعر علي عبدالله خليفة والمطرب أحمد الجميري في إطار الاحتفالات التي تشهدها المدينة هذه الأيام بمناسبة اليوم الوطني للقراءة. وشهد فضاء «لارماتا» وسط الحي اللاتيني مساء الجمعة 28 مايو/ أيار الماضي إقامة أمسية للفنانين بصحبة العازفين المتخصصين في مجال الإيقاع وهما سعد الجفال وأنور علي من فرقة قلالي للفنون الشعبية. واستمع الجمهور الذي تألف من نخبة من مثقفي الجالية العربية ومهتمين فرنسيين وشخصيات في السلك الدبلوماسي، طيلة ساعة من الزمن، إلى ما يشبه «المونولوج» الفني امتزج فيه الأداء الشعري بالموسيقى والغناء، بإيقاعات البحر وفنون الصوت التراثية الشرقية التي شكلت محوراً من محاور التفاعل الرئيسي.
وقرأ الشاعر خليفة ثلاثة نصوص من أشعاره، وهي «لا أحد»، و»حدثيني» و»قيامة الوجد» التي تدور مضامينها حول معاني التصوف والحب والآخرية. بينما دوزن الفنان الجميري عبر آلة العود الخلفية الموسيقية المصاحبة، كما لحّن بعض المقاطع، وأعاد ارتجالها بإحساس خاص مختلف فيه روح الموّال التراثي. وقدم الفنانين مدير مكتبة العالم العربي في معهد العالم العربي الجزائري الطيب ولد العروسي، فيما قرأت الناقدة التونسية نور الهدى باديس الترجمة الشعرية للقصائد.
ولعب وجود آلات الإيقاع الشعبية في يد فنانين محترفين في فنون الصوت (الجفال، أنور) في إقامة تجانس في نسيج العمل المقدم، ورفده بعناصر مستلهمة من التراث، وهو ما بدا أنه يمثل عطشاً كتيماً لدى الجمهور الذي لم يستنكف من الترنم وإعادة ترديد بعض الجمل الشعرية الملقاة. وعكس خليفة عبر الإلقاء هيمنة على فضاء الأمسية، وترجمت ذلك حركته الواثقة في المكان شمالاً ويمنة، مصحوبة بتدبيرات إيحائية منتقاة. ولقي النص الأخير الذي يقف فيه على دلالات تدفع في اتجاه إقامة جسور بين الثقافات درءاً لأشكال التمثيل الثقافي المنمطة، تفاعلاً لافتاً من الجمهور.
كما شهدت الأمسية أيضاً، نقاشات بين الجمهور وطاقم الأمسية حول العمل المقدم والموسيقى الشعرية امتدت إلى وقت متأخر من الليل. بينما حرص فنانون وهواة عقب انتهاء الوقت الفعلي للأمسية على تسجيل تفاعلهم من خلال تقديم وصلات موسيقية وغنائية راقصة. مثلما جسد ذلك تواجد الفنان الشاب التونسي ماهر ملكي وعزفه برفقة الجميري ضمن حوار ثنائي بين آلتي العود، بعض تقاسيم أغنيات الفنانة أم كلثوم. إضافة إلى الفنانة المغربية الشابة صوفيا شاهين التي قدمت وصلات من فنون الصوت الأوبرالي إسباني المنشأ.
في هذا الإطار، علق خليفة رداً على سؤال من قبل أحد المتداخلين «حتى نفهم التراث ونهضمه جيداً لابد من أن نتمثل روح هذا التراث إلى أن يختلط بدمنا وتصير أرواح عدة تتحدث عبرنا عندما نتحدث أو نكتب الشعر وليست روحاً واحدة». وأضاف رداً على سؤال آخر بشأن ما إذا كان هناك تجانس روحي بين تجربته وقصائد آرتر رامبو «أدين بالفضل لكل من قرأت من الشعراء، عرب أو مترجمين وبينهم رامبو» غير أنه سرعان ما استدرك «التجانس الروحي يكون أجمل كلما كان وتراً آخر يضاف إلى العالم وليس الوتر نفسه» على حد تعبيره.
وحول موسيقى الشعر في قصائده، أوضح خليفة «الوزن يولد مع النص، لا يتقدم عليه أو يتأخر». وتابع «حين أنتهي من النص أبدأ في تشذيبه وإخضاعه للتصحيحات اللازمة وفقاً لآلة العقل» مضيفاً «لكن جوه الأساسي يبقى في سخونة اللحظة التي ولد فيها، اللحظة العاطفية الفائقة» وفق ما عبر.
وهذه هي الأمسية الأولى ضمن برنامج مؤلف من مجموعة من الأمسيات يحييها الشاعر خليفة والفنان الجميري هذه الأيام في فضاءات ثقافية مختلفة في العاصمة باريس نظمها للفنانين معهد العالم العربي. وقوبل تواجد الجميري باحتفاء خاص من جانب الجمهور، حيث طلب منه إعادة تقديم بعض أغانيه القديمة مثل «شويخ من أرض مكناس» التي شكلت واحدة من العلامات المضيئة للأغنية الخليجية خلال فترة الثمانينيات.
العدد 2827 - الأربعاء 02 يونيو 2010م الموافق 19 جمادى الآخرة 1431هـ