مونديال 2010... الأمر لا يتعلق فقط باللاعبين وكرة القدم، بل العقول التي تحركهم وتضع كل منهم في مركزه مثل قطع الشطرنج... إنهم المديرون الفنيون.
وبخلاف الطابع الفني والتكتيكي الذي يميز كل مدرب عن آخر، فإنه بين الجماهير والنقاد يحمل صفات أخرى، فهو إما «مدير فني أجنبي أو وطني أو بطل نجح في الصعود بفريقه للمونديال بعد غيبة».
وبمراجعة سريعة للمنتخبات الـ32 المشاركة في البطولة، سنجد أن 12 منها تخوض فعالياتها تحت قيادة مدرب أجنبي أبرزهم الأرجنتيني مارسيلو بييلسا (شيلي) والبرازيلي كارلوس باريرا (جنوب إفريقيا) والإيطالي فابيو كابيللو (إنجلترا) والسويدي سفين جوران إريكسون (كوت ديفوار).
ومن بين حسابات نهائيات جنوب إفريقيا 2010، هناك معادلة لا تقبل القسمة على اثنين، إذ لم يسبق لأي مدير فني أن فاز بلقب كأس العالم مع منتخب أجنبي. والأدهى من ذلك هو أن الهولندي غوس هيدينك كان آخر مدرب يقترب من تحقيق ذلك، إذ أنهى بطولة 2002 في المركز الرابع على رأس المنتخب الكوري الجنوبي.
بيد أن دوام الحال من المحال في الحياة بصفة عامة كما في مسابقات كرة القدم، إذ لا توجد قاعدة إلا ويوجد معها استثناء. وهذا بالضبط ما سيحاول 12 مدرباً فنياً تأكيده في نهائيات جنوب إفريقيا 2010.
ولعل كارلوس ألبرتو باريرا يُعد أبرز مثال على سعي المدربين وراء تحطيم هذه الصخرة ودخول التاريخ من أوسع أبوابه، إذ يتأهب البرازيلي لخوض سادس مونديال في مشواره عن عمر يناهز 67 عاماً. فإلى جانب إشرافه على منتخب بلاده في نهائيات 1994 و2006، تولى هذا الرحالة المتجول تدريب الكويت العام 1982 ثم الإمارات سنة 1990 قبل أن يقود السعودية في 1998.
وعلى بعد ساعات معدودة من ضربة بداية مباراة الافتتاح التي ستجمع جنوب إفريقيا بنجوم المكسيك، صرح باريرا لموقع FIFA.com قائلاً: «إن القول أننا نملك حظوظاً للفوز بكأس العالم أمر مبالغ فيه تماماً. نعم يمكنني القول أننا على أتم الاستعداد لما هو آت. سنسعى لجعل أبناء جنوب إفريقيا فخورين بانتمائهم لهذا البلد، وسنصمد ونقاتل أمام أي خصم مهما كان حجمه وقيمته. هذه هي الرسالة التي نقلتها للاعبي فريقي، وقد استوعبوا الفكرة جيداً.»
لكن يبدو أن عناصر بافانا بافانا ليسوا الوحيدين الذين استوعبوا مضامين الرسالة، إذ كشف استطلاع للرأي أنجزه FIFA مؤخراً أن 14في المئة فقط من مواطني جنوب إفريقيا يرون أن منتخبهم قادر على تحقيق اللقب، بينما وضع 37 في المئة منهم ثقته في نجوم البرازيل.
وبدوره، يُعد فابيو كابيللو أحد أبرز المرشحين لقيادة منتخب أجنبي إلى قمة منصة التتويج العالمية، إذ يبدو أن قائد السفينة الإنجليزية قد تأقلم بسرعة مع أجواء فريقه على رغم اختلاف فلسفته الشخصية عن طريقة لعب كتيبة الأسود الثلاثة. وأكد الداهية الإيطالي أن «الأهم هو أن يعرف المرء أين ومع من يعمل. يجب فهم أسلوب اللاعبين وطبيعة البلد أو المدينة. ففي ميلانو مثلاً ستجد الناس محافظين نوعاً ما، بينما ستلاحظ أن أهل روما مرحون ويحبون الدعابة. ومن دون استيعاب هذه الأمور، لا يمكنك وضع منهجية للعمل التي من شأنها أن تساعد اللاعبين والفريق على حد سواء».
أسماء لامعة
تُعد كل من الأرجنتين وألمانيا قوتين ضاربتين يقام لهما ويُقعد في عالم الساحرة المستديرة. ولا تقتصر عظمة هاتين الدولتين في قوة منتخبيهما اللذين ينافسان دائماً على اللقب الغالي، بل تكمن أهمية المدرستين أيضاً في قدرتهما على تزويد بلدان ودوريات أخرى بعدد لا يُعد ولا يُحصى من المدربين المتميزين. وسيكون البَلدان ممثلين بأكثر من مدير فني واحد في نهائيات جنوب إفريقيا 2010، إذ بالإضافة إلى دييغو أرماندو مارادونا، الذي سيكون على رأس كتيبة التانغو، ويواكيم لوف الذي سيقود سفينة المانشافت، سيحضر العرس الكروي عن الجانب الأرجنتيني كل من مارسيلو بيلسا (مدرب شيلي) وجيراردو مارتينو (مدرب الباراغواي). وفي المقابل، سيجلس الداهية أوتمار هيتسفيلد على دكة الجهاز الفني للمنتخب السويسري، بينما سيحاول أوتو ريهاغل صنع مجد إغريقي جديد.
ومن جهتها، جددت أستراليا ثقتها بالمدرسة الهولندية بعدما ذاقت طعم النجاح على يد غوس هيدينك في نهائيات 2002، إذ تعاقدت مع مواطنه بيم فيربيك لخلافة الداهية الذي قاد المنتخب الأسترالي إلى ثمن النهائي لأول مرة في تاريخ كرة القدم ببلاد الكنغر. أما الكولومبي المحنك رينالدو رويدا فسيشد الرحال إلى بلاد مانديلا وهو يقود كتيبة هندوراس المنتشية بتأهلها لأم البطولات.
بيد أن المفارقة الغريبة تكمن في أن المدير الفني الجزائري رابح سعدان هو الوحيد الذي وُلد في أفريقيا من بين مدربي المنتخبات الإفريقية الستة التي تشارك في أول بطولة لكأس العالم يقام على أرض القارة السمراء، بينما تخوض البرتغال غمار البطولة بمدرب من أبناء البلد ولو أنه رأى النور في مدينة نامبولا الموزمبيقية.
وبعيداً عن الانتماءات الوطنية، تحَمَّل السويدي لارس لاغرباك مسئولية تدريب نسور نيجيريا تحت شروط قد تبدو للبعض مغرضة للغاية، إذ سيكون مستقبله مرهوناً ببلوغ نصف النهائي في العرس العالمي المرتقب، وقد علق على هذا الرهان الجديد قائلاً: «لطالما وجدت حافزاً كبيراً في رفع سقف التحدي والسعي وراء الفوز والرغبة في تحقيق الألقاب. إذا لم تكن تؤمن بقدراتك ومؤهلاتك، فإنك لا تستحق المشاركة في البطولة. أعتقد أن نيجيريا تملك ما يكفي من الإمكانيات للذهاب بعيداً في كأس العالم».
وفي المقابل، سيدخل منتخب الكاميرون غمار كأس العالم تحت إشراف الفرنسي بول لوغوين، بينما سيتولى السويدي الآخر زفين غوران إيريكسون مهمة تدريب كوت ديفوار، في حين سيعول الغانيون على خبرة الصربي ميلوفان رايفاتش.
وقد يرى بعض المراقبين أن هؤلاء المدربين الأوروبيين يوجدون تحت ضغط إضافي نظراً لكون البطولة تقام في أفريقيا لأول مرة، لكن رايفاتش له رأي مغاير تماماً: «لا نريد أي ضغط إضافي نحن في غنى عنه. إن كل ما يهمنا هو تحقيق النتائج الإيجابية، إذ سنسعى لبلوغ الدور الثاني ثم خوض كل مباراة على حدة».
وإذا استوعب أبناء الداهية الصربي هذه الرسالة على أحسن وجه، فمن المؤكد أنهم سيكونون قادرين على صنع التاريخ
العدد 2835 - الخميس 10 يونيو 2010م الموافق 27 جمادى الآخرة 1431هـ