العدد 2859 - الأحد 04 يوليو 2010م الموافق 21 رجب 1431هـ

الأنظمة العربية المعطوبة وإعاقة الفرد!

نادية أفتات - كاتبة مغربية، والمقال يُنشر بالتعاون مع مشروع منبر الحرية 

04 يوليو 2010

لا خلاف على أنّ هناك خللاً عميقاً يؤثر على مسيرة التنمية في دولنا العربية عموماً والمغرب العربي خصوصاً، كما أن هناك شبه إجماع بأن الإصلاح المنشود لإزالة هذا الخلل وإذكاء نهضة حقيقيّة، لابد وأن يبدأ بالإصلاح السياسي، إلا أننا غالباً ما نجد أن هذا الإصلاح في عمومه قد يتناول الشكل دون المحتوى فنعود إلى سيرتنا الأولى.

وهذا العجز والإعاقة التي ميّزت مسلسل التنمية في دولنا ما هو إلا انعكاس عن سوء استغلال «الثروة البشرية»، وهي حقيقة لا يمكن إنكارها، فالتنمية الشاملة بحاجة لجهود أبناء المجتمع بكامله، فكلما عملت الدولة على تنمية قدراتهم عن طريق التأهيل والتدريب المستمر والإدماج كلما تقدمت اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. وفي هذا الصدد يمكننا التساؤل عن أعداد المعوقين في مجتمعاتنا... فإنه كلما كانت أعداد المعوقين كبيرة كلما ضعفت الإمكانات التنموية في المجتمع؛ لأن الإنسان هو محور التنمية ومبتغاها.

هناك من سيذهب للقول إن هذه المشكلة مطروحة عالمياً، وقد عملت الأمم المتحدة على خلق آليات دولية للدفاع عن حقوق المعوقين وحرياتهم الأساسية، وأبرزها المنظمة العربية الإفريقية الدولية لحقوق المعوقين. فهل تم فعلاً العمل من أجل إدماج هذه الفئة الفاعلة في مجتمعاتنا؟

أحياناً يبدو لنا أن أعداد المعوقين في أوطاننا بسيطة بسبب أننا لا نراهم كثيراً من حولنا وحتى عندما نصادفهم فإننا نقصفهم بتلك النظرة التقليدية والصور النمطية. إنهم بشرٌ مثلنا لم يختاروا إعاقتهم بأنفسهم ولا يمكن تغييبهم عنا بسبب إهمال المسئولين في توفير خدمات ومرافق لتسهيل تنقلهم وممارسة حياتهم بشكل أفضل.

سنتوقف وقفة تأملية في حياة شاب مغربي يدعى «محمد العاطفي» الذي اختار طواعية عرض تجربته الشخصية عبر مرحلتين عاشهما في حياته قبل الإعاقة وبعدها، يقول: «أنا لم أختر إعاقتي لكنها كانت قضاءً وقدراً إثر سقوطي من علو 16 متراً من موقع عملي كتقني في شركة للاتصالات بتونس (ويف يو) التي لم تعوّضني لأنه لم يكن لي تأمين طيلة ثلاث سنوات التي عملت فيها معهم. ورغم كل المجهودات والعمليات لتثبيت الفقرات التي كسرت في عمودي الفقري لم تعط أية نتيجة، أنا الآن أعاني من شلل نصفي وبدون عمل كما أني في طور الانفصال عن زوجتي حالياً.

فجأة وجدت نفسي مغيّباً ومهمشاً عن الحياة العادية، لا أقوى حتى على قضاء أبسط حاجاتي اليومية، تخيّل نفسك أنك كلما أردت الخروج من البيت لا تستطيع إلا بمساعدة أحدهم. أشتكي من كل ما تشتكون منه أنتم وأكثر، فكيف أتقّبل نظراتكم المليئة بالشفقة؟ بل هناك من يرى أن ذوي الاحتياجات الخاصة هم مجموعة من المتسولين! قد نتفق على أننا كلنا نعاني من غياب الحقوق والحريات، لكن حتماً التعامل اللاإنساني والتمييز لا تبرير له سوى أننا نعيش أزمة قيم ومبادئ.

كما أتوجه إلى هيئة الطرق والمواصلات لتأخذ بعين الحسبان في منظومة النقل كل ما من شأنه أن يوفر الاستخدام السلس من ممرات خاصة وحافلات مزوّدة بمدخل خاص، ومساحة للمقعدين وعلامات وأزرار خاصة بالمكفوفين، وكل ما من شأنه تخفيف العراقيل والصعوبات عنا، لنتمكن من قضاء حاجاتنا بأنفسنا ونؤدي دورنا بشكل لا تصبح معه الإعاقة هي التغييب أو الانعزال.

إن معظم الدول العربية لها اهتمام محدود بذوي الاحتياجات الخاصة، نظراً لانعدام الحريات وحقوق الإنسان وانتشار الفساد، وأيضاً اعتبار الحكومات لمواطنيها بأنهم رعايا لا قيمة إنسانية لهم، وتغاضيها عن تنفيذ برامج تنموية وصحية بحجة ضعف الموارد والإمكانات المالية. ونظراً للتحولات السريعة اليوم في المجالات الطبية والتربوية والاجتماعية لابدّ من دعم الجهود الجادة وتوحيدها من أجل الاتفاق والتنسيق للحد من هذا المشكل، وتوفير مناخ من العدل الاجتماعي والإنساني ليحصل كل فرد على حقوقه المشروعة دون تمييز ونقصان.

العدد 2859 - الأحد 04 يوليو 2010م الموافق 21 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً