أشارت الباحثة الكويتية إلى اندهاشها من التنوع الثقافي في البحرين والذي يزخر به التراث الشعبي رغم صغر مساحتها وذلك خلال مسح ميداني لأغاني المهد، أجرته في كل من «أبو صيبع والمحرق والنويدرات»، فالبحرين على صغر حجمها فيها لهجات مختلفة والأغاني تختلف من منقطة إلى منطقة مع أن ما يفصل بينها شارع واحد وكأنك منتقل إلى عالم آخر، والتنوع في البحرين بصراحة مدهش وما توقعت ذلك إلا حينما دخلتها ولأني بدأت في القرى بالتحديد في قرية أبوصيبع والنويدرات والمحرق فإن هذه الـ 3 مناطق كشفت لي الكثير».
في البداية كانت أكثر الحكايات في الكتاب مصدرها من الوالدة الله يرحمها لأنها كانت على قدر عالٍ جداً من الثقافة الشعبية وآدابها من شعر وحكايات وأغانٍ وألغاز، وكل هذا بالنسبة لهم لا يعتبر تراثاً شعبياً، ولا أنا نشأت على أنه تراث شعبي بل هذا كلامنا وهذه حياتنا التي كنا نعيشها في البيت ويومياً هناك حكايات للأطفال الذين نغني لهم طول النهار والأهل لما يتجمعون العصر أو المغرب، يتداولون الكثير من الألغاز وهذه كانت حياتنا.
تشتغلين على التراث الشعبي ولك كتاب «طرائف وحكايات نسائية من التراث الشعبي الكويتي»، هل لك أن تحدثينا عن هذا الكتاب وأهم ما جمعت ووثقت فيه من طرائف وحكايات شعبية؟
- هذا ليس الكتاب الأول الذي اشتغلت عليه، الكتاب الأول كان «من أغاني المهد في الكويت» وقد بدأت الاهتمام بالتراث منذ أيام الطفولة إذ كنت اسمع أمي تغني لأولاد أختي وبعد أن أنجبت أطفالا وصارت أمي تغني لهم، وظهرت أغاني شعبية جديدة وبدأت أجمعها، وحين عرف الناس أني أجمع التراث توسّعت الدائرة وصرت أجمع من الأهل والجيران وصرت أتلقى دعوات من الأسر، وفي هذه الفترة جمعت أغاني المهد وبعدها قمت بتحليل وشرح معاني الكلمات وغيره، وصرت أفرغ الأشرطة وتكوّنت بعد نخلها مجموعة من الحكايات لأن الراوي، يسرد الكثير خلال الرواية، وأنا أبحث عن أغاني المهد، أرى أمي تنشد أغنية ثم تستشهد عليها بحكاية بعدها تأتي بمثل شعبي وقد تكون هناك أكثر من رواية ومن هذا أنتجت كتاب «طرائف وحكايات نسائية» من خلال جمع ميداني خاص إلى أن تجمعت عندي هذه المجموعة الحلوة من الحكايات.
أشرت إلى الدراسة الميدانية والتحليل وإلى الرواة وأنك أخذت بعض الحكايات والأهازيج الشعبية وأغاني المهد من الرواة، ما المنهجية التي اعتمدتها في جمع هذه المادة وتوثيقها والاهتمام بها؟
- حين اشتغلت على هذا الموضوع بدأت أثقف نفسي في هذا المجال، وقرأت كل ما استطعت الحصول عليه من كتب عن الفلكلور الشعبي فوجدته علما مستقلا بداته بل هو محيط وأنا ألقيت نفسي فيه بحب وبخوف من عمقه أيضا، ولكن لكوني ابنة بحارة وغواصين غصت في المجال هذا والحمد لله النتائج كانت طيبة، قرأت كل الكتب التي تتعلق بعلم التراث، بدايات علم الفلكلور وأساليب الجمع الميداني الصحيحة والمتبعة، وعملية التوثيق، وأهمية التحقق من الرواية فحين أجمع بعض الحكايات وأحس أن فيها شيئاً يحتاج توضيحاً أو مفردة غريبة فأنا أتحقق منها عبر أكثر من راوٍ للتأكد من أنها محلية أو واردة.
ألم يجبرك هذا على الاشتغال على معجم تراثي شعبي أو فلكلوري؟
- نعم فهذه الأشياء كنت ألتفت إليها ومنها توثيق اسم الراوي وعمره وإذا أمكن تسجيل ما في ذلك الزمن، أنا أكلمك عما قبل 25 سنة وبعض الرواة مازالوا موجودين معنا من كبار السن ويخافون من المسجّل وأن نستخدم صوتهم في إذاعة أو غيرها، ولكنهم سرعان ما يتعودون عليها بعدما يندمجون في الجلسة إذ تتحول إلى جلسة ضحك وينسون أن هناك مسجلاً فيعطوني أكثر، وهناك من اضطر معهم أن أكتب، هذه كانت إحدى الصعوبات ولكني تغلبت عليها .
ما أهم سمات الحكاية الشعبية أو أغاني المهد التي جمعتها ما أهم سمات الصياغة الشعبية ألتي التفت إليها في هذه المواد؟
- صنفت الكتاب على حسب استخدام الأغنية، في يوم الطفل مثلاً صنفته على أساس أغاني التنويم الأغاني التي تنوم الأم عليها ابنها، وتسمونها في البحرين «تهويد» أو أن الأم «تلولي» على طفلها، بعدها أغاني الصباح وبعدها أغانٍ تستخدمها الأم وقت العناية بالطفل لما تنظفه وتغسله وتؤكله، وبعدها أغاني الأنشطة وهي الأغاني التي ترقّص عليها الأم طفلها للعب، وطبعا هذه الأغاني، أغاني الترقيص بالذات مختلفة فأغاني البنات تختلف عن أغاني الأولاد وهناك أغانٍ تستخدمها الأم لتعليم الطفل مهارات معينة منها كيف يحرّك الطفل يده وكيف يتلفّت إلى الأشياء وكذلك المشي والحركة وهناك أغانٍ لتهدئة الأطفال على هذا الأساس أنا صنّفت الأغاني في الكتاب وأشرت إلى بعض الأغاني التي كنت متأكدة من أنها واردة وليست محلية لأن المجتمع الكويتي تكون من هجرات، هجرات من الجنوب من الخليج ومن الشرق من إيران ومن الشمال من العراق ومن السعودية...
واختلاط اللهجات يكشف هذا الأمر؟
- نعم لأن بعض الكويتين تزوجوا عمانيات أومن إيران أو من البحرين وواضح هذا في بعض الأغاني.
هل لك أن تذكري لنا بعض النماذج التي وثقتها.
- هناك أغانٍ كثيرة، منها أغنية تقولها الأم للطفل عندما يلبسونه ثوباً جديداً، أو نظيفا إذا سبحته أوأثناء تبديله فتغني له.
فماذا تقول؟
- «عليش بالعافية
علي يوم يمر ملبوس العافية
عليش بالعافية ملبسش زبونج يا نجم اسهيل يا طرت أعيونش
انتي بالحوش خطارش يجونش وأنا بالدار مصكوك علي».
... هذه واحدة.
وغيرها ؟
- هناك أغنية تغنيها الأم إذ كان الجميع من قبل يعيشون في بيت واحد «الشرايك والجناين» فنراهم مثلاً يستخدمون أغنية الطفل لإثارة الغيرة أو «الحرة» أمام الشريكة أو»الجنة» الثانية مثلا إذاً أنجبت إحداهن بنتاً وأخرى أنجبت ولداً، أم الولد تغني وتسخر من أم البنت وتبيّن فرحتها والأخرى ترقص بنتها وتقصد بالكلام أنها تدعي على بنت شريكتها وعيال الزوجة الثانية «الجنة»
أيضاً اشتغلت على الأزياء الشعبية الكويتية والتقاليد والفلكور النساء والأطفال، هل كان الغرض من ذلك هو التوثيق خصوصاً أن بعض الأشياء بدأت تضمحل أو تنتهي؟
- أنا أصلاً كنت مدرسة لغة فرنسية هذا تخصصي، وأنا أدرس اللغة الفرنسية رأيت أنهم يدرسون آدابهم الشعبية ويحفظونها عن غيب، وضمن دراستي فيها وخلال البحث الميداني كنا ننزل إلى الشوارع ونجري بحوثاً ميدانية مع الناس الموجودين جميع الفئات، من المثقفين والعمال وغيرهم، وهذا طبعاً أفادني وألهمني في أن أشتغل على هذا المجال أكلمك عن قبل 25 سنة حيث الآن كل الرواة الذين جمعت منهم من ضمنهم الوالدة الله يرحمها وخالاتي وأهلي كلهم توفوا يعني أني وصلت في الوقت المناسب وجمعت هذا الكم الهائل من تراثنا الشعبي سواء من أغاني حكايات أو أهازيج ومعتقدات شعبية وأزياء، وكانت تلك أجمل مرحلة في حياتي وأفتقدهم الآن ومنذ العام 1983 أنا مسخّرة نفسي تماما للعمل في مجال التراث الشعبي والذي نشرته طبعا أقل من الذي جمعته وكتبته وإن شاء الله في الوقت المناسب أنشر بحوثاً جديدة في مجالات أخرى.
كانت بداياتي بالخليج ثم انتقلت للبحث في دول الخليج والحمد الله أنا من سنتين تم تكليفي من قبل الديوان الملكي في البحرين لجمع أغاني المهد في البحرين وتمت المرحلة الأولى منه وقمت بنشر ما جمعته في المرحلة الأولى وكان ذلك خلال 10 أيام فقط الحمد الله جمعت كمّاً هائلا ونشر في العدد التاسع من مجلة الثقافة الشعبية في 50 صفحة الحمد لله وإن شاء الله مستعدة للتعاون مع كل دول مجلس التعاون.
ما الخلاصة التي خرجت بها وأبرز ما لفت نظرك في أغاني المهد في البحرين بعد هذا الجمع؟
- في البحرين ثمة تفاوت فالبحرين على صغر حجمها فيها لهجات مختلفة والأغاني تختلف من منقطة إلى منطقة مع أن ما يفصل بينها سوى شارع واحد وكأنك منتقل إلى عالم آخر والتنوع في البحرين بصراحة لم أتوقع ذلك إلا حينما دخلتها ولأني بدأت في القرى في قرية أبوصيبع ونويدرات والمحرق هذه الـ 3 مناطق كشفت لي الكثير.
هذه المناطق كشفت لك الكثير ؟
- نعم كان ذلك شيء مذهل بصراحة وقد التقيت بأناس من مناطق ثانية ولكن الجمع الأكبر من الأغاني أخذته من المناطق الـ 3 هذه وقد لاحظت أن أغاني منطقة المحرق تكاد تتطابق مع أغاني المهد في الكويت كأنها نفس الكلمات نفس اللحن نفس الشيء ولكن أبوصيبع مختلفة تماماً أول مرة اسمعها ومنها ما نقوله في الكويت وأحيانا تتغير كلمة أو كلمتين.
إلى ماذا ترجعين هذا الاختلاف برأيك كباحثة؟
- هذا شيء مدهش في البحرين أنت لا تتوقعها، الكويت دولة صغيرة لكن لا يوجد عندنا ذاك التنوع الواضح مثل الذي عندكم انتم، لأن البيئة مختلفة، مثلا المحرق بيئة بحر غوص وسفر وغيره لكن في القرى طبعا هناك المزارع والنخل وأنا أتمنى أن أبحث أكثر ولكن خلال 10 أيام لم نستطع أن نتوسع أكثر وفريق البحث كلهم طلبة، كانوا ملتهين طبعا بدراساتهم والبحث الذي نشرته هو الأغاني التي جمعتها بنفسي وهذا التنوع في مجالات العمل والبيئة القروية المزارع تظهر في الأغاني.
مثلا أبوصيبع فيها ذكر النخل والبساتين «والميوة» والطماطم والجزر بينما الأغاني التي في المحرق تلقى البحر واللؤلؤ والمحار والذهب وهذا مختلف تماما وهذا يدل على غنى، يعني أن البحرين ما شاء الله غنية بتراثها وبأهلها.
في نهاية هذا اللقاء وفي نهاية جولتك البحثية في مناطق البحرين ورصدك للتراث الشعبي هل لك من كلمة أخيرة تقولينها؟
- والله كانت أياماً ممتعة تلك الأيام التي بدأت فيها البحث الميداني في البحرين وعوضتني عن حنينني للأيام القديمة وللرويات التي افتقدتها وإن نشاء الله اتمنى أن أبدأ المرحلة الثانية بتوسع أكثر حتى أغطي كل المناطق في البحرين، فالبحرين مدهشة في كل شيء وكل يوم تدهشني أكثر بجمال وحلاوة أهلها.
العدد 2883 - الأربعاء 28 يوليو 2010م الموافق 15 شعبان 1431هـ