قال مدير مجلة "الكلمة" الكاتب الصحافي السعودي محمد محفوظ ان "الدول العربية والاسلامية يمكنها تجنب الويلات والكوارث التي تحدق بها من خلال ترسيخ مبدأ المواطنة وتدعيم المجتمع المدني لخلق دولة القانون والمؤسسات على أن يكون الاصلاح حقيقيا وشاملا لا شكليا متذبذبا". جاء ذلك في الملتقى الاسبوعي بمجلس الشيخ الجمري مساء الاثنين الماضي.
وأشار محفوظ - الذي يكتب في صحيفة "الرياض" السعودية - الى أنه "بات من الضروري بمكان توافر تأسيس فعلي متواصل للسلوك الديمقراطي في مختلف المجالات بعيد تداعيات حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول، لكي نتمكن من مجاراة التحولات الكبرى التي يشهدها العالم ومنطقتنا تحديدا".
وواصل محفوظ حديثه عن طرق الوقاية من افرازات هذه التحولات العالمية قائلا: "ان هذه التحولات بتأثيراتها العميقة على واقعنا ومسارنا الخاص والعام، لابد أن تساهم في خلق ذهنية جديدة قوامها الديمقراطية والانفتاح والتواصل مع الآخر واحترام الآراء والتعبيرات المتعددة، وفسح المجال للحوار المتعدد والمفتوح على كل القضايا والأمور للوصول إلى نهايته المنطقية".
وحذر محفوظ أنه من دون إرساء قواعد وتقاليد السلوك الديمقراطي في واقعنا وفي مختلف الدوائر "فلن نتمكن من استيعاب الفرص المتوافرة، ومواجهة التحديات الضخمة التي تواجهنا "..." هذا السلوك الديمقراطي الذي يجعل الدولة دولة لكل مواطنيها، ويجعل المجتمع متحدا مع تنوعه ومتوافقا مع اختلافه ومتصالحا مع نفسه، من دون أن يعني هذا الجمود والترهل".
وأوضح محفوظ أن الاصلاح لابد له ألا يستثني أحدا من معادلة الواقع "بحيث يشترك الجميع في الحياة العامة، فلا يظل طرف خارج عملية البناء الوطني، ولا يشعر أحد بالغبن والحيف، وعندها سيقتنع الجميع، وعلى نحو فعلي وواقعي، بأن الوطن لهم جميعا على حد سواء، وأن التفاوت والتمييز والحقائق المضادة لمفهوم الوحدة، والتي أثارت العقد والضغائن والتوترات بين مكنونات الوطن الواحد قد انتهت ومن دون رجعة".
وشدد محفوظ على ضرورة خلق شرعية وطنية جديدة لحماية الاستقرار السياسي في ظل الظروف والتحولات المعاصرة عبر خلق شرعية وطنية جديدة، تولد من جراء الانخراط في مخاض الإصلاحات وتوسيع المشاركة السياسية وتثبيت حقائق ومؤسسات ديمقراطية في العلاقة بين السلطة والمجتمع والإدارة العامة للوطن.
ونبه محفوظ الى أن تأسيس واقع جديد وفق نظريات متقدمة ليس أمرا سهلا في نظم سياسية لم تعر وفرا كافيا لقضايا التعددية، ورأى أن "هذا المشروع الجبار بحاجة إلى نواة صلبة، تأخذ على عاتقها ترجمة هذه التطلعات والعمل على تجسيدها في الحياة السياسية والوطنية "..." وفي تقديرنا أن هذه النواة هي المواطن الممتلئ وعيا وحركة وحرية. وهذا لا يتم إلا بإعادة الاعتبار السياسي والحقوقي للمواطن في بلادنا ومناطقنا".
وخصص محفوظ مجالا كبيرا من محاضرته للحديث عن مفهوم المواطنة الحقيقية وكيفية ترسيخها كثقافة سلوكية يومية، ورأى أن الوصول إلى مبدأ المواطنة، وتجسيد مقتضياتها ومتطلباتها في الحياة الاجتماعية والسياسية، يتطلب الكثير من العمل والكفاح للتحرر من كل الدوائر والممارسات التي تحول دون الوصول إلى هذا المبدأ الجامع. مؤكدا أن "الكثير من المعطيات والتداعيات ولدت كنتاج لتراخي الإرادة السياسية في أوطاننا تجاه هذه القيم".
وعن الركائز التي تقود الى المواطنة الحقيقية أجاب محفوظ "إن العدالة في مجالات الحياة المختلفة هي سبيل إنجاز مفهوم المواطنة في الواقع الاجتماعي، لأن المواطنة لا تعني التجاور المادي والجغرافي، وإنما هي بناء نفسي وروحي وثقافي يتجاوز كل عوامل التباغض والتناحر والشكوك المتبادلة".
من جانب آخر أكد الكاتب السعودي "ان المجتمعات الإنسانية ومن بينها العربية بحاجة إلى وجود الدولة الدستورية ذات النظم والمؤسسات في ظل دستور ينظم حياتها في شئونها ويحدد المسئوليات ويجعل كل مؤسسات الدولة خاضعة لهذه القوانين الدستورية".
وحذر محفوظ من أن الاصلاح الشكلي لا يولد مجتمعا نابضا بالحياة، طارحا نماذج من واقعنا العربي "وإن الإصلاح السياسي لا يمكن أن يكون بمجرد التصريحات المناسبة أو الخطوات التكتيكية المقبولة شعبيا، وإنما هو بحاجة إلى دستور يترجم إرادة الإصلاح ويجعل مؤسسة الدولة في إرادتها منسجمة والإرادة العامة للأمة. فالإصلاح السياسي بحاجة دائما إلى قاعدة قانونية، وهذه القاعدة هي الدستور الوطني الذي ينظم العلاقات ويحدد المسئوليات، فالدستور حصانة ضد تكرار أخطاء ومآسي الماضي، كما هو مطلب وطني عميق ينسجم ومقتضيات العصر الحديث وأصالة المجتمع".
وأكد محفوظ "أننا بحاجة الى فضاء سياسي جديد قائم على التعددية وحفظ الخصوصيات فالمواطنة كمبدأ ومرجعية دستورية وسياسية، لا تلغي عملية التدافع والتنافس في الفضاء الاجتماعي، بل تضبطها بضوابط الوطن ووحدته القائمة على احترام التنوع وليس على نفيه، والساعية بوسائل قانونية وسلمية للإفادة من هذا التنوع في تمتين قاعدة الوحدة الوطنية، لذلك فإن المواطنة وفق هذا المنظور هي قوام الحياة السياسية من مقتضيات ومتطلبات المواطنة، تتحول إلى حياة مليئة بالنزاعات والانقسامات وتكريس مضامين التخلف والانحطاط المجتمعي".
وأسف محفوظ لـ "وجود بعض المنابر الإعلامية ووسائط الثقافة في المجتمع التي تشترك في عملية تفتيت مضمون المواطنة عن طريق نشر ثقافة الكراهية والدعوة إلى المفاصلة والقطيعة مع بعض شرائح المجتمع، فينتشر التمزيق، وتتعاظم مظاهر التهميش وأشكال التمييز، وتهدد الوحدة الوطنية في أهم مقوماتها ومرتكزاتها وهي المواطن".
واختتم محفوظ كلمته بتأكيد دور الاشتراك في صوغ مستقبل أكثر عدالة من ذي قبل، "ليس أمامنا جميعا شعوبا وحكومات إلا الانخراط في مشروع الإصلاحات السياسية والوطنية المتجهة صوب إرساء دعائم المواطنة ومؤسسات المجتمع المدني والدولة المدنية الملتحمة في خياراتها الاستراتيجية مع خيارات مجتمعها، والساعية نحو إزالة كل رواسب الدولة التسلطية من واقعها ومؤسساتها وهياكلها المختلفة"
العدد 853 - الأربعاء 05 يناير 2005م الموافق 24 ذي القعدة 1425هـ