العدد 854 - الخميس 06 يناير 2005م الموافق 25 ذي القعدة 1425هـ

بوش يدشن ولايته الثانية بكوارث سياسية وطبيعية

يؤدي الرئيس الأميركي جورج بوش في العشرين من الشهر الجاري اليمين الدستورية لفترة ولاية ثانية ولديه خطط كبيرة تمتد إلى ما بعد سنواته الأربع المقبلة في البيت الأبيض. ويرى محللون سياسيون أنه يعتزم إعادة صوغ أميركا والعالم لأجيال مقبلة. ففي داخل الولايات المتحدة يريد إقامة "مجتمع ملكية" يقوم على الخصخصة بالكامل ويتخلص من الأساليب التقليدية للضمان الاجتماعي والضرائب الفيدرالية ودور الحكومة. وفي الخارج يريد تحويل العراق إلى "خزانة عرض للديمقراطية" وتسوية الصراع العربي الإسرائيلي وقيادة المنطقة العربية بأسرها باتجاه ديمقراطية على النمط الغربي في وقت يحارب فيه ما تسميه حكومته "الإرهاب الدولي" ويتعامل مع برامج التسلح النووية لدى الدول التي يضعها على قائمة الإرهاب.

ويقول رئيس تحرير تقرير "روتينبيرغ" السياسي، ستو روتينبيرغ: "إن هذا الرجل "بوش" يجب أن يفكر بأمور كبيرة، وهو يريد أن يقضم أكبر ما يستطيع ويرى إن كان يستطيع مضغه". ويتساءل حتى أشد مؤيدي بوش عن مقدرته على تنفيذ رؤيته الكبيرة، فهو مع كل حديثه عن رأس المال السياسي، فإنه يدخل فترة ولايته الثانية باحتمالات يمكن أن تقوض تطلعاته. ويقول الخبير في شئون الرئاسة الأميركية، تشارلس جونز: "إن بوش هو في أضعف وضع سياسي لأي رئيس أميركي في فترة ولايته الثانية منذ ودرو ويلسون في العام 1918"، مشيرا إلى أن فوز بوش بنسبة 51 في المئة في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني الماضية تعتبر باهتة بالمقارنة مع النسبة التي حصل عليها غالبية الرؤساء السابقين في فترات ولاياتهم الثانية. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الأميركيين متشككون بصورة متزايدة إزاء الحرب الأميركية على العراق، وهي حرب قد تصبح "فيتنام بوش"، وأن غالبية كبيرة من الأميركيين الآن لا يعتقدون أن الحرب كانت تستحق شنها. وما من شيء كهذا قد يردع بوش الذي يعتبر تصميمه على البقاء في مساره علامة مميزة لشخصيته ورئاسته. ويرى مؤيدوه أن تمسكه بهذا الموقف علامة على قوة داخلية بينما يعتبر منتقدوه أن ذلك شكل خطير من أشكال التعنت أو العناد.

ويقول جونز: "سواء أحببت ما يقوم به أم لا، فإن لديه مفهوما حقيقيا للزعامة، فلديه واحد من أوضح المفاهيم للرئاسة كما رأيت في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية". وكل سياسات بوش الداخلية متماسكة بسبب رؤية طاغية تنبع من فلسفته المحافظة العاطفية. وتقول صحيفة "واشنطن بوست" إن بوش يواجه سلسلة من التحديات المثبطة للعزائم في مختلف أنحاء العالم زادتها تعقيدا كارثة تسونامي، وهو ما سيكون تحديا مركزيا في تقرير مدى قوة الدفع التي يستطيع توليدها لأجندته الطموحة لولايته الثانية. ويقول العضو الجمهوري البارز في مجلس الشيوخ تشاك هاغل: "إنه ما من شك في أن حكومة بوش ستتعامل مع تحد ضخم فيما يتعلق بالموازنة، وإن الضغوط الناجمة عن الصعوبات في الموازنة ستتيح لحكومة بوش هوامش محدودة جدا في السياسة الخارجية والداخلية على حد سواء، وكيفية مواجهة ذلك يعتبر واحدا من أكبر التحديات في عصرنا". والتعهد بتقديم 350 مليون دولار لإغاثة تسونامي سيأتي فعلا على كل الموازنة الأميركية الخاصة بإغاثة الكوارث، وهو ما دفع بوش الى القول ان الأمر يحتاج إلى مزيد من المساهمات الأميركية الخاصة. وتعتزم حكومة بوش الطلب من الكونغرس تخصيص مزيد من الأموال لبرنامج إغاثة الكوارث للعام الجاري وبرامج الحرب على العراق وإعادة إعماره التي قد تصل كما يقول خبراء إلى مئة مليار دولار. وقال جيفري كمب من مركز نيكسون في واشنطن: "إننا لا نستطيع أن تكون لدينا حرب لم يتم كسبها في هذه المرحلة بكلفة باهظة وجيش يحتاج بصورة ماسة إلى مزيد من الدعم، وهذا يعني زيادة مفتوحة في موازنة الدفاع، ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك في الوقت الذي يكون فيه لدينا خفض في الضرائب وإصلاح الضمان الاجتماعي من دون أن ندفع ثمنا لذلك". وبسبب وتيرة الحوادث الساحقة في المنطقة وروسيا وأوروبا وآسيا فإن بوش لا يستطيع الانتظار إلى حين حفل تنصيبه لكي يفصح عن جدول أعماله للسياسة الخارجية، فهناك انتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية يوم التاسع من الشهر الجاري، وتصاعد العنف والمقاومة في العراق الذي قد يرغم سلطة الاحتلال وحكومتها العراقية في اللحظة الأخيرة على تأجيل الانتخابات العراقية المقررة في 30 يناير الجاري، وسيتوجه إلى أوروبا لعقد لقاءات مع زعمائها في الشهر المقبل ومع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقال مسئول أميركي كبير: "إن انتخابات الشرق الأوسط ورحلات بوش إلى أوروبا ستحدد لهجة الحكومة وتوجد قوة الدفع فيها".

وسيكون للانتخابات الفلسطينية والعراقية تأثير كبير بشأن ما إذا كان بوش يستطيع السير قدما في أكثر المناطق اضطرابا في العالم وذلك بإحياء عملية التسوية ومن ثم فرض الاستقرار في العراق حتى تستطيع الولايات المتحدة البدء بإعداد استراتيجية الخروج من العراق.

لكن رئيس مركز العلاقات الخارجية الأميركي ريتشارد هاس يقول انه لضمان بدء جهود التسوية سيتعين على بوش أن يوضح مجددا ما الذي يعنيه بدولة فلسطينية لكي يمد رئيس السلطة الفلسطينية الجديد الذي يراهن على أن يكون محمود عباس "أبومازن" بـ "شيء يشتغل به لمواجهة المقاومة وتقديم تنازلات على طاولة المفاوضات". ويضيف هاس الذي كان يتولى منصب مدير التخطيط السياسي في الخارجية الأميركية "يتعين على بوش أيضا أن يعمل مع الإسرائيليين لضمان ألا تكون أعمالهم محدودة بانتظار الانسحاب من قطاع غزة". وفيما يتعلق بالعراق فإن بوش قد تراجع عن جهوده بالضغط على حلفائه الأوروبيين للانضمام إلى قوات الاحتلال في العراق، وبدلا من ذلك فإنه يعمل على إقناعهم بالمشاركة في مبادرات أخرى في المنطقة، وخصوصا بعد أن أعلنت دول الاتحاد الأوروبي بما فيها الدول التي لها قوات في العراق أنها ستخفض وجودها في العراق تمهيدا للانسحاب نهائيا.

وفيما يقول أحد منظري الحرب على العراق من تيار المحافظين الجدد، وهو ويليام كريستول انه "إذا سارت الأمور في المنطقة بصورة سيئة فإن الأمور تختلف كليا، وعندها سنحتاج إلى إعادة النظر في الاستراتيجية العسكرية ومستويات القوات ونفعل كل ما يحتاج إليه، ولكن عندها ننتهي بأن نكون منشغلين طيلة العام المقبل في العراق وسيكون من الصعب إحداث تقدم على جبهات أخرى". فإن المعلق البارز في صحيفة "واشنطن بوست" ويليام روزبيري تساءل يوم الاثنين الماضي "هل حان الوقت للانسحاب من العراق؟"، وقال في معرض إجابته ان كثيرا من الذين اطلعوا على الفوضى الحالية في العراق يرون أن البديل الأفضل هو بكل بساطة الانسحاب. وقالت محررة مجلة "ذي نيشين" الأميركية نعومي كلين "لقد دمرنا العراق واستمرار وجودنا فيه لن يساهم في إصلاحه، فعلينا أن نعترف بما فعلناه ونعوض عنه ثم ننسحب"

العدد 854 - الخميس 06 يناير 2005م الموافق 25 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً