العدد 854 - الخميس 06 يناير 2005م الموافق 25 ذي القعدة 1425هـ

الإسلام وحقوق الإنسان... موازين إنسانية

لو تأملنا بعمق في قضية حقوق الإنسان وما يتعلق بها من واجب الرعاية من جهة وعدم الانتهاك من جهة أخرى، لوجدنا أن الأصل في رعايتها يعتمد على قيمتين أساسيتين، متى ما توافرتا في شخص أو جهة أو سلطة ضمنا الرعاية، وهما قيمتا العدل والإحسان. فمتى ما مورس العدل بمعناه المطلق مع شخص فستتحقق له حقوقه. لأن العدل أساسا هو إعطاء كل ذي حق حقه. ومتى ما مورس معه العدل بشكل لائق وحضاري فقد أحسنا لذلك الإنسان. ثم ان أكبر خطر على حقوق الإنسان هو عملية الاعتداء والظلم على ذلك الإنسان سواء بمضايقته، أو بحرمانه من الحقوق المكفولة له والتي تسالم العقلاء في العالم على تمتعه بها.

فمثلا الإنسان الفاقد للوظيفة، حين نرى مؤهلاته تتساوى مع مؤهلات شخص آخر ينتمي إلى طائفة أخرى، فإن رعاية حقوقه كإنسان، هي تكافؤ الفرص أمامه بالمستوى نفسه مع من ينتمي إلى طائفة أخرى. فإن حصل على وظيفة تناسب مؤهلاته، فقد حققنا له العدل الخاص به، ولكن إذا وظفناه ونحن نحترمه أيضا فقد مارسنا الإحسان إليه، لأننا احترمنا كرامته. أما إذا أعرضنا عنه، ومنعنا توظيفه تحت أي مسمى وبأية ذريعة فقد ظلمناه وانتهكنا حقه.

فإذا؛ جوهر حقوق الإنسان هو التعامل العادل والكريم معه بما يحقق له إنسانيته وكرامته، بعيدا عن الظلم والإجحاف. هذا هو التأصيل الجذري الأساسي للرعاية والانتهاك. والإسلام أساسا جاء لتحقيق العدالة والإحسان ومنع الظلم، واستفاضت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، وسيرة الرسول الأعظم، والأئمة الهداة من بعده في النضال والسعي الحثيث لتحقيق العدالة والإحسان للبشر، والدفاع عن المظلومين، ومعاداة الظالمين.

ففي قضية العدل والإحسان، فقد أوصلها الله إلى درجة الوجوب. قال تعالى: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" "النحل:90"، وليس العدل مطلوبا مع الأحبة والأصدقاء فحسب، بل مع الأعداء أيضا، قال تعالى: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى" "المائدة: 8". ثم إن الإسلام حرم الظلم والاعتداء بجميع ألوانه وأشكاله، وتوعد الظالمين بعذاب الدنيا والآخرة. قال تعالى: "ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين" "المائدة: 87"، وقال أيضا: "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" "الشعراء: 227". بل ان جوهر الإسلام هو تخليص البشرية من أغلال الظالمين والمستبدين، ومن الأغلال النفسية والعقد والخرافات الجاهلية، وتوجيههم إلى عبادة ربهم في أجواء العدالة والحرية والمحبة والعزة. قال تعالى في توصيف مهمة الرسول الأعظم "ص" بأنه "يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم" "الأعراف: 157".

ونرى أن الرسول "ص" يضمن لكل شخص أن يتحدث معه بما يشاء. وحتى ذلك الاعرابي حين أغلظ القول على الرسول، وحز جسده الطاهر وهو يسحب ثوبه يريد تنبيه الرسول "ص"، وهو يقول: اعدل يا محمد. فقد عفا عنه الرسول، ورفض أي تعنيف له. ثم نرى السيرة ذاتها في خلفائه والأئمة من بعده، فها هو الحسين "ع" ينهض بنفسه، ويثور حين يرى ميزان العدل اختل واستفحل الظلم الفاحش، وساد الأمة حاكم ظالم قاتل للنفس المحترمة. ونرى الإمام زين العابدين علي بن الحسين "ع"، يكتب رسالة الحقوق، التي تعد من أفضل ما كتب في مجال الحقوق، ليستعرض حقوق جميع الناس من حولك، كحق الوالدين، وحق الأخ، والجار والشريك، والصديق والعدو

العدد 854 - الخميس 06 يناير 2005م الموافق 25 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً