رونالدو دي أسيس مورايرا المعروف أكثر باسم رونالدينهو، لا يحتاج إلى النوم ساعات طويلة كلما عاد إلى اسبانيا من رحلة سفر بعيدة لاميركا الجنوبية ويكون شارك في واحدة من مباريات منتخب بلاده البرازيل. يكفيه أحيانا النوم ثلاث ساعات لينهض بعد ذلك وينضم إلى زملائه لاعبي فريق برشلونة متصدر الدوري الاسباني وصاحب أقوى فرصة للفوز ببطولته هذا الموسم، للتدرب على أرض ملعب لامسيا الصغير المتاخم إلى استاد كامب ناو حصن فريق برشلونة. في الفترة الأخيرة تميز أداء فريق برشلونة لمجرد أن زاد رونالدينهو إبداعا على أرض الملعب واستحق بجدارة لقب أفضل لاعب كرة في العالم للعام الماضي.
وقال كابتن الفريق كارليس بيول: إننا نلعب كرة عصرية. خلال التدريب يحصل المراقب على تأكيد لهذا الرأي. في سياق التدريب على اللياقة البدنية يدعو مدرب الفريق فرانك رايكارد البالغ 42 عاما من العمر اللاعبين لممارسة لعبة كرة المضرب بالقدم والرأس من دون الحاجة إلى مضرب. يسمح للاعب لمس الكرة مرة واحدة وكل فريق يتألف من أربعة لاعبين. يعشق رونالدينهو طريقة التدريب هذه وهو يتقنها بصورة لا يجاريه فيها لاعب آخر لأن الكرة تتجاوب معه وكأنها غارقة في حبه. في الغضون يصور التلفزيون الاسباني طريقة التدريب هذه ويبث مقتطفات منها في نشراته الإخبارية وكأنه يبث مشاهد لمباراة مثيرة. أما مشجعو الفريق فيقبلون بأعداد كبيرة على مشاهدة التدريب وتغص بهم زوايا الملعب المخصص للتدريب.
لا يذكر مدير القسم الرياضي في التلفزيون الاسباني عدد المرات التي تم فيها بث مقاطع من مباراة برشلونة أمام ميلانو الإيطالي في إطار بطولة أبطال أوروبا Champions League والتي انتهت بفوز برشلونة 2/.1 فقد تمكن رونالدينهو بحركة ساحرة وبمهارة عالية من خداع أكثر من مدافع وسدد كرة صاروخية انفجرت في شباك حارس مرمى ميلانو واهتزت مدرجات الملعب. وكتبت صحيفة أسبانية تقول: لن ينس مشجعو فريق برشلونة هذا الهدف على مدى سنوات طويلة.
يتفق المراقبون بالرأي على أن فريق برشلونة أفضل فريق في أوروبا في الوقت الحالي وأحدث صيحة كروية في العالم. انه يلعب كرة عصرية يحسده عليها نجوم العالم وأصحاب الأسماء الكبيرة في فريق ريال مدريد مثل رونالدو وزيدان وفيغو وبيكهام وروبيرتو كارلوس وغيرهم. بينما يجري وصف تشكيلة النجوم في ريال مدريد بأنها عبارة عن مشروع تعرض للفشل، يلعب منافسه اللدود فريق برشلونة كرة القرن الواحد والعشرين، والتي تجمع بين الفن والمهارة والسرعة وبروح جماعية.
في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي لم تشك كبريات المجلات الكروية في أوروبا مثل "فرانس فوتبول" و"بالون دو أور" في أن رونالدينهو يستحق الفوز بلقب أفضل لاعب كرة في العالم للعام .2004 كما تم طرح اسم زميله في الفريق ديكو الذي انضم إلى صفوف برشلونة في الصيف الماضي بعد خيبة أمله بفوز منتخب بلاده البرتغال ببطولة الأمم الأوروبية. لكن ديكو حصل على تعويض بفوزه بدوري أبطال أوروبا مع فريقه السابق بورتو. وتغطي مجموعة من الصحف الرياضية اليومية التي تصدر في برشلونة أخبار فريق برشلونة أولا بأول. بعد الفوز على ميلانو نشرت صحيفة "موندو ديبورتيفو" صورة مصطنعة لرونالدينهو في شخصية الشخصية السينمائية وهو يحمل الكرة الأرضية في إشارة إلى أن مهارة لاعب الوسط في منتخب البرازيل تدل على أنه نجم قادم من كوكب آخر.
في المقابل يتفرج العالم على المشروع الفاشل في ريال مدريد وكتبت صحيفة "موندو ديبورتيفو" بطريقة لا تخفي شماتتها: فريق برشلونة هو الذي يلعب كرة جميلة وليس المصفحات القديمة في ريال مدريد. عانى مشجعو فريق برشلونة في السنوات الأخيرة ما فيه الكفاية. يبلغ عدد أعضاء النادي 130 ألف عضو يجعله أكبر نادي كرة في العالم. خلال السنوات الخمس الماضية لم يحصل برشلونة على أي لقب محليا أو دوليا. لكن هذا الموسم تختلف الصورة كليا وكل شيء ممكن بالتعويض عن الفشل في السنوات الأخيرة. إضافة إلى تصدره قائمة الدوري الاسباني بفارق واضح من النقاط عن منافسيه فقد تأهل لدور الثمانية في مسابقة دوري أبطال أوروبا.
فريق برشلونة لم يحسن نتائجه فحسب، بل يحتفل بعروض ممتعة تشبع نهم عشاقه ومشجعيه داخل اسبانيا وخارجها. وهو يلعب كرة هجومية بحتة. أعجوبة كروية تشبه أسطورة فريق هارلم الاميركي في كرة السلة. عشاق الكرة داخل وخارج اسبانيا لا تفوتهم متابعة واحدة من مباريات فريق برشلونة. ويعترف أريغو ساكي أبرز مدربي إيطاليا بأنه مفتون بفريق برشلونة حاليا. وهو يعترف في ذلك بالجهد الذي يقوم به لاعبه السابق رايكارد الذي لعب في عقد الثمانينات لفريق ميلانو تحت إشراف المدرب ساكي. شغل رايكارد حينها مركز المدافع القشاش لكنه مدمن كمدرب على اللعب الهجومي وهذه غريزة معروفة عند اللاعبين الهولنديين. بعد الفشل الذي واجهه رايكارد حين شغل فترة قصيرة منصب مدرب المنتخب الهولندي في العام 2000 وخرج من بطولة الأمم الأوروبية التي جرت في هولندا وبلجيكا بخفي حنين، ثم درب فريق سبارتا روتردام، يعوض عنه النتائج المثيرة لفريقه برشلونة.
يقع مكتب رايكارد في الطبقة تحت منصة الشرف في استاد كامب ناو. غرفة من دون نوافذ تنبعث منها رائحة السجائر. لا يدخن رايكارد في العلن لكنه يدخن سيجارة تلو الأخرى مجرد دخوله مكتبه ويبدأ يعصر أفكاره ويدون ملاحظاته على الورق وعلى صنبورة أمامه. يفهم رايكارد العبء الكبير على كاهله كلما مر جانب متحف الفريق الذي يحتوي على مئات الكؤوس والتذكاريات. على العكس من غيره من مدربي الفرق الأوروبية الكبيرة لا يكثر رايكارد المواود بمدينة أمستردام الكلام ويكتفي بالإشارة إلى أنه يضع ثقته بلاعبيه. الثقة باللاعبين أهم مبدأ بالنسبة إلى رايكارد. كانت البداية صعبة للغاية وكادت أن تقود به إلى الهاوية. في صيف العام 2003 تسلم رايكارد منصبه لإنقاذ فريق برشلونة من السقوط وكل ما تم كان تعرض فريقه لهزيمة تلو الأخرى. تقدم ريال مدريد عليه بفارق 18 نقطة. فعل رايكارد ما يصعب على مدرب آخر عمله في مثل هذا الوضع. راح يدافع عن لاعبيه بوجه المنتقدين وعقد صفقة مع اللاعبين مشترطا عليهم تنفيذ تعليماته على أرض الملعب. بدأ مسلسل النجاحات يتحقق. الثقة المتبادلة والرابطة الودية بين المدرب ولاعبيه شدت عزم الفريق. لم يحصل رايكارد الذي تحتفي به الصحافة الاسبانية هذه الأيام كما كانت تحتفي باللاعب الأسباني الكبير دي ستيفانو، على ترحيب واسع حين اختير لتدريب فريق برشلونة. قالت الصحف وقتذاك انه فاز كلاعب بألقاب عدة لكنه لم يحقق أي نجاح يذكر كمدرب. لكن وقف رجل مهم جدا إلى جانبه: يوهان كرويف الهولندي الطائر في السبعينات البالغ اليوم 57 عاما من العمر والذي يعامل معاملة العظماء في اسبانيا. لعب كرويف في السبعينات في صفوف برشلونة قبل أن يدرب الفريق مدة 8 سنوات حصد خلالها مجموعة من الألقاب المحلية والأوروبية. كان كرويف هو الذي نصح إدارة الفريق بالتعاقد مع المدرب رايكارد. في هذا الوقت تسلم المحامي خوان لابورتا منصب رئيس النادي وهو صديق حميم لكرويف، وذلك قبل وقت قصير من تعيين رايكارد. ساهم لابورتا في تحقيق ما يشبه ثورة ثقافية في فريق برشلونة. تم إبعاد مجموعة المسئولين العجائز كما بدأت عملية سداد ديون النادي وكان حجمها 200 مليون يورو. حلت مكان العجائز كوادر شابة منحت الفريق قلبا جديدا، تسلم ساندرو روسيل "42 سنة" منصب نائب الرئيس وكان مديرا كبيرا في شركة مستلزمات الرياضة نايك وحلت كوادر شابة أخرى في مراكز القيادة. اتفق المسئولون الجدد على انطلاقة جديدة ووعدوا أعضاء النادي بصورة خاصة بأن يعملوا بنهج جديد والبدء بسداد ديون النادي التي كادت أن تتسبب في إفلاسه وتشكيل مجموعة جديدة من اللاعبين ترفع الفريق إلى مصاف أبرز الفرق الأوروبية. سعى الإصلاحيون إلى الاستعانة بعنصر القومية. برشلونة عاصمة إقليم كاتالونيا، لها لغة مستقلة عن سائر البقاع الاسبانية هي اللغة الكاتالونية. أصبحت هذه لغة النادي كما راح المسئولون الجدد يزورون مراكز مشجعي الفريق ومصارحتهم بما يقومون به من نشاطات ويطلعونهم على النتائج ويأخذون بآرائهم. مازال الفريق يرزح تحت ديون كبيرة لكنه بدأ حملة توفير واسعة. فقد تخلى عن لاعبين كانوا يحصلون على رواتب عالية مثل الهولنديين الثلاثة فيليب كوكو، مايكل رايسيكر وإدجار ديفيدز ثم زاد مدخول الفريق ليصل إلى 170 مليون يورو. لتقديم الدليل على أن الإدارة الجديدة حلت الكثير من مشكلات النادي تم الإيعاز إلى مخرجين للأفلام هما جاستين ويبستر ودانييل هرنانديز لتصوير عملية نفض الفريق وكانت النتيجة وضع فيلم وثائقي تحت عنوان "اف سي برشلونة... سري للغاية" سيجرى عرضه قريبا في عدد من محطات التلفزيون الأوروبية.
لم يسبق أن كان الكشف عن أسرار نادي كرة أوروبي بمثل الصراحة التي قام بها الإصلاحيون في نادي برشلونة. كانت الكاميرا موجودة عند مناقشات قضايا خطيرة جدا وشهدت اتخاذ قرارات مصيرية كما كانت الكاميرا موجودة عند مناقشة عقود اللاعبين وخلال المناقشات بين كبار الإداريين وممثلي مشجعي النادي وكذلك خلال المباحثات مع مستشاري اللاعبين إذ يظهر رئيس النادي وهو يقول لمدير أعمال المهاجم الهولندي باتريك كلويفارت انه لم يعد بالإمكان دفع راتب قدره ستة ملايين يورو سنويا. انفصل كلويفارت على الأثر عن برشلونة في الصيف الماضي ومعه 13 من المحترفين أيضا.
يوضح الفيلم أيضا أن الإدارة الجديدة في برشلونة تتجنب الوقوع في الأخطاء التي وقعت فيها إدارة فريق ريال مدريد. كانت إدارة مدريد تصبو إلى أن يصبح الفريق أكبر بعبع كروي في أوروبا والعالم. تم إنفاق مبالغ خيالية من الأموال. رئيس الفريق فلورونتينو بيريز الذي صنع ثروة طائلة بصفته مقاول عقارات وأراضي، كان يستأثر ولايزال بكامل النفوذ في إدارة نادي ريال مدريد. وحده يتخذ قرار شراء وبيع النجوم. في برشلونة يجري العمل بنهج آخر. يجري الحكم على اللاعب من خلال مستواه الرياضي. ويتفق نائب الرئيس ومدير الأعمال بيغرستيان الذي لعب سابقا في صفوف برشلونة ومدرب الفريق رايكارد على النهج وكل واحد يقوم بعمل متمم للآخر ويقدم في السياق أقصى جهوده.
بذلك لا يعتمد الفريق على لاعب واحد كما هو الحال في ريال مدريد، في حال أصيب رونالدو أو تغيب عن مباراة يصر على إعلان حال طوارئ. في موسم 2004/2005 تعاقد برشلونة مع 7 لاعبين جدد لقاء 61 مليون يورو هم هنريك لارسون من سلتيك جلاسكو وسلفينهو من سيلتا فيغو وجوليانو بيليتي من اف سي فيلاريل ولودفيغ غيلي من موناكو وإدميلسون من أولمبيك ليون وديكو من بورتو وأخيرا مع صموئيل أيتو من مايوركا. وتعاقد ريال مدريد مع 5 لاعبين لقاء 57 مليون يورو. في الغضون اندمج اللاعبون الجدد في برشلونة وبرز بينهم بصورة خاصة المهاجم ايتو الذي أصبح محبوب جمهور برشلونة. المثير أن ريال مدريد كان على وشك التعاقد مع ايتو لكنه تراجع وتركه يوقع كشوف برشلونة لأن رئيس ريال مدريد لم يؤمن بقدرة هذا اللاعب. كان هذا خطأ فادحا. بعد أن لعب ايتو عشر مباريات في صفوف فريقه الجديد سجل 9 أهداف وحصل على رصيد من الأهداف يقل بهدف واحد عن كامل عدد الأهداف التي سجلها جميع لاعبي ريال مدريد، والأنكى من ذلك أنه هز شباك ريال مدريد في آخر لقاء تم في حصن برشلونة بكامب ناو
العدد 863 - السبت 15 يناير 2005م الموافق 04 ذي الحجة 1425هـ