نبيل المالح أشهر المخرجين السوريين وفي سجله عشرات من الأفلام الروائية والوثائقية التي قدمها على مدار أكثر من ثلاثين عاما من السينما السورية، عمل خلالها مع نجوم من السينما السورية والعربية والأجنبية.
في لقاء سريع توقفت "الوسط" مع نبيل المالح في دمشق ليقول ويشرح بعض آرائه ليس عن عمله في السينما فقط، وانما عن شخصه وحياته، فكان هذا الحوار:
إذا أردنا الاختصار، كيف يقدم نبيل المالح نفسه...؟
- لا يحضرني في هذه اللحظة سوى مقطع شعري لبابلو نيرودا يقول فيه:
مثل كل حياة عابرة
لعل حياتي قد اختلطت بوهم
سفاكو الدماء قتلوا حلمي
وبمثابة ميراث أخلف جراحي.
ما الذي أردت قوله من خلال عملك السينمائي...؟
- "لا" كبيرة، لقد شكل هذان الحرفان محور حياتي وعملي السينمائي ومشروع أحلامي وكلمتي الأخيرة. إنها "لا" للظلم، لامتهان الكرامة الإنسانية، للكراهية، للتهميش، للعسكر، للاستبداد، للخنوع، للتسلط، لقتل الأحلام، للاستغلال، وكل ما يتبع ويتفرع عن ذلك.
بقناعتي أن كلمة "لا" الصغيرة والبسيطة كانت وستكون الفعل الأكبر للإنسان والإنسانية، وهي محرك التاريخ والثقافة والحضارات، وهي التي ترتقي بنا عن أن نكون مجرد آلات أو حيوانات أليفة، بينما نجد أن الـ "نعم" هي التي أوصلت العرب إلى ما هم عليه الآن.
هل ميزت في التعاطي بين الرجال والنساء في أعمالك السينمائية...؟
- إن البشر الذين يحيطون بي، وأتعامل معهم وأحبهم، هم في الغالبية من معذبي هذه الأرض رجالا ونساء، حالمون بسطاء، ولكنني أخشى أنني تعاطفت أكثر مع المرأة وعن غير قصد، ربما لقناعتي بأن الضغوط على المرأة مضاعفة، إضافة إلى إحساسي بأن المرأة هي القطب الذي يشيع الكهرباء في الأشياء والحياة والأفكار.
كيف ترتب عناصر العمل السينمائي قبل الدخول فيه...؟
- ببساطة، فأنا قبل الشروع في وضع السيناريو والتصوير أرى الفيلم الذي سأخرجه كاملا في مخيلتي، أراه بزواياه، أحجام لقطاته، ترتيبها، حركة الكاميرا، الإضاءة، وأسمع موسيقاه ومؤثراته الصوتية... أرى حركة الممثل وإيماءاته... والضوء الساقط على وجهه وتعابير أصابعه.
عندما أحب الفيلم الذي تستعرضه لي مخيلتي أبدأ بالتنفيذ. وبصراحة، فإن أفضل أفلامي هي تلك التي شاهدتها قبل أن أبدأ بها، وأما أفلامي التي قد لا أحبها فهي التي كانت صورتها ضبابية في مخيلتي.
ومن ناحية أخرى، يجب الاعتراف أنه ليس من عناصر أولى وثانية في الفيلم، إنه موزايك هائل مؤلف من مئات العناصر التي تتكامل. وهذا يعود بنا إلى اشكال متداولة، تدور حول الحكاية ومكانها في العمل الفني. لقد توصلت إلى قناعة تقول إن الحكاية في الفيلم لا تعدو كونها عنصرا من عناصر الحالة، الفيلم "حالة"، وهذا ما يجعله مختلفا عن الدراما التلفزيونية، إذ للحكاية أولويتها، وكما نجد اليوم أن التلفزيون هو "حكواتي" عالمنا المعاصر.
تبدو خياراتك في السينما خليطا بين الماضي والحاضر، ما هو السر في هذا الخلط...؟
- ليس هنالك من سر، وكل ما في الأمر هو تطور لطريقة تفكيري، وطريقة رؤيتي لأسباب ورؤى كل عمل على حدة. من حيث المبدأ، أنا ضد التاريخ بالطريقة التي نشاهدها على شاشاتنا، لقناعتي بأنه يحمل الكثير من التزييف والتزوير "مع استثناء عدد من الأعمال المهمة"، كما أنه سند للاتكاء عليه لإخفاء الصورة الهزيلة لعالمنا العربي المعاصر.
أفلامي التي كان يمكن تسميتها بأنها تاريخية "على رغم أنها تعود لتاريخ قريب" وهي "الفهد" و"بقايا صور"، لم تتجاوز الحقبة الزمنية للحدث أن تكون "إكسسوارا"، ولم يكن زمن الحدث مشكلتي أو موضوع الفيلم، بل البشر ومصائرهم وأحلامهم. وبالمناسبة، أغتنم فرصة هذا الحوار لأعبر عن قناعة غدت أكثر حضورا وإصرارا في ضميري وطريقة رؤيتي، هنالك من يدافع عن الأعمال الكبرى، الحافلة بالحوادث والشخصيات والمتناثرة في المكان والزمان، وأنا لست في مجال سجال عن ضرورة أو عدم ضرورة مثل هذه الأعمال، ولكنني أعتقد أن مثل هذه الأعمال هي بشكل أو بآخر، تعبير عن منظور سلطوي، ترى في الأفراد جزءا من آلية أكبر، يقودها بطل ما، ضمن مؤامرات وأطماع وقرارات الكبار، إذ يتم تكريس البشر العاديين كتفاصيل ثانوية لملء المشهد الكبير.
لعلني أسير في اتجاه آخر، فأنا أحاول الاقتراب أكثر فأكثر نحو الإنسان نفسه، إذ أراه مركز الكون، وأقارب كونه الداخلي الحافل بالألوان والأضواء والذي يؤثر ويتأثر بالعالم الخارجي، إنها محاولة للخروج بالإنسان من كونه عددا إحصائيا أو لاعبا هامشيا لأن يكون حجرة خفية قادرة على الإشعاع.
الوسط الفني مميز لعلاقاته، كيف تنظر إلى الصداقة في هذا الوسط؟
- مضحكة وحزينة. فهي في الغالبية حال شلل ومصالح آنية حافلة بالتنافس والغيرة والتقاتل على الفرص، ولا يمكن أن ترتقي بالأفراد إلى حال الصداقة. لقد استطاعت الصداقة والاحترام للآخر أن تصنع اتجاهات فكرية وفنية ومدارس في الكثير من بلدان العالم المتقدم، ولكننا هنا جزر معزولة تلتقي بعضها بعضا عند وجود الوليمة. لا أدري كيف يستطيع الفنان أن يتحدث عن الأفكار الكبيرة وهو صغير في ممارساته اليومية.
لو لم تذهب في السينما إلى ما ذهبت... ماذا كنت تحب أن تكون...؟
- لقد بدأت أنشر كتاباتي وشعري ورسومي وأنا في الثالثة عشرة من عمري ولكنني سافرت لدراسة الفيزياء النووية، بينما كان حلمي أن أكون طيارا، تركت الفيزياء النووية لأدرس الإخراج، وتركت فكرة الطيران بسبب"النظارات"، ولم يبق لدي الآن سوى الطيور لأحسدها، ولكنني لا أتصور نفسي إلا مخرجا.
على قاعدة الحب والكراهية، ماذا تحب وماذا تكره؟
- أنا اكره كلمة "الكراهية"، ولكنها تبدو أحيانا وكأنها واحدة من عناصر عالمنا المعاصر المرسوم بالقتل، والعنصرية، وإلغاء الآخر، والهيمنة، أما الحب، فهو سر الأشياء والحياة.
هذا الكون هو حالة عشق مستمرة، قد تمثله في لحظة ما امرأة، أو قد تكون نسمة عليلة في نهار صيفي، أو موجة بحر تائهة، أو نقطة ندى في صحراء لا نهائية.
لو توليت منصب وزير التكنولوجيا، ما أول شيء تفعله؟
- لو توليت أية وزارة، لبدأت في تعلم المستقبل وتوقفت عن اجترار الماضي.
ما الأسئلة التي كنت تحب أن نسألك إياها ولم نفعل؟
- أولا، أعجبني هذا السؤال. وكنت أتمنى أسئلة ما، ولكن ذلك لا يعني أنني املك إجابتها بالكامل، مثلا: كم حققت من مشروع حياتك؟ ما الأعمال التي تمنيت أن تحققها ولم تتحقق حتى الآن؟ ما أحلامك المكسورة أو الضائعة؟ ما منعطفات حياتك التي تتمنى لو لم تسر بها؟ من أين يأتي النور؟
العدد 887 - الثلثاء 08 فبراير 2005م الموافق 28 ذي الحجة 1425هـ