العدد 893 - الإثنين 14 فبراير 2005م الموافق 05 محرم 1426هـ

النزاع المبرمج بين العراق وجيرانه

لم يسمع كثيرون في العراق لدعوات مقاطعة الانتخابات التي دعا الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان إلى تأجيلها. لكن هذه الانتخابات تمت وحسب التصور الذي تمناه الأميركان. الرئيس الأميركي جورج بوش الذي تابع سير الانتخابات مع زوجته عبر التلفزيون احتفل بالنبأ السعيد الذي بلغه من بغداد وكان أفضل نبأ وصله من العراق منذ سماعه اعتقال صدام حسين.

وقال بوش: "لقد قال الشعب العراقي كلمته للعالم والعالم يسمع صوت الحرية في منطقة الشرق الأوسط". سارع بوش للاتصال باثنين من أشد معارضي حرب العراق: الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الألماني غرهارد شرودر. طالب كل منهما العمل بفعالية أكثر في مساعدة العراق وخصوصا تدريب القوات المسلحة العراقية.

يعتقد بوش أنه نجح في إدارة عجلة التاريخ منذ نجاح الانتخابات في أفغانستان وفلسطين والعراق ويجد أن منطقة الشرق الأوسط تتغير... بفضل حكمته. أبلغ بوش العالم عن طريق دبلوماسييه أنه لا يخطط حاليا لحروب جديدة وأنه على ثقة أن فيروس الديمقراطية يكفي وحده للإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية العربية. في الكلمة التي وجهها للشعب الأميركي دعا بوش مصر والسعودية للقيام بإصلاحات ديمقراطية بينما اتهم سورية وإيران بممارسة الإرهاب.

لا يفهم كثير من الناس لماذا يرفع بوش صوته ابتهاجا بالانتخابات العراقية. هذه الحرب ليس لها شعبية داخل واشنطن أيضا وإذ يزداد الضغط على إدارة بوش لهدف وضع خطة انسحاب 150 ألف جندي من العراق. كما يزيد عدد أعضاء الحزب الجمهوري الحاكم الذين يطلبون من بوش وضع خطة الانسحاب. لكن هذا هدف بعيد المنال وليس هناك ما يوحي بأنه سيتحقق في المستقبل القريب. ذلك أن الحكومة العراقية الجديدة ستصر على بقاء الجنود الأميركيين. كما يرى القادة العسكريون أنه ليس بوسع بضعة آلاف من الجنود والشرطة العراقيين فرض الأمن في العراق. على رغم ذلك لم تنتصر القوات الأميركية بعد على المقاومة العراقية. كذلك تبددت الآمال بانهيار الأنظمة العربية كما تنهار حجارة الدومينو.

بعد اعتقال صدام سادت مشاعر خوف وقلق في صفوف القادة والزعماء العرب. غير أن الإرهاب وغياب دولة القانون في العراق دفعهم إلى الإطمئنان بأن العراق ليس نموذجا لسائر الدول العربية. وقابل غالبية العرب الانتخابات العراقية بريبة وشك. من جهة ساهمت هذه الانتخابات في دفع بعضهم إلى التفكير بإجراء انتخابات لكن إذا كانت تساعد في ترسيخ نفوذهم وتثبيتهم في الحكم. من المغرب إلى سلطنة عمان تم الترحيب بالانتخابات العراقية لكن لا يسمح في هذه البلدان بإجراء انتخابات حرة.

جرت أول انتخابات بلدية في السعودية الأسبوع الماضي لكن لم يسمح للنساء المشاركة كناخبات ولا كمترشحات. وفي لبنان يشتري أعضاء البرلمان الأصوات من المواطنين وفي مصر لمح الرئيس حسني مبارك أنه سيرشح نفسه لولاية خامسة. وتم اعتقال السياسي المعارض أيمن نور وكان اعتقاله رسالة تحذير موجهة ضد جميع الأحزاب المناهضة للحكومة. وقال الخبير السياسي اللبناني غسان تويني إن النموذج العراقي لم يترك أي أثر يذكر على واحدة من الدول العربية. وأضاف: قبل 200 عام كانت فرنسا مستعدة لتبني الديمقراطية بصورة تزيد عن العالم العربي اليوم.

كثير من العرب يؤيدون الرأي أن أوضاع العراقيين كانت أفضل في عهد صدام وبأي حال أفضل من الحياة الحالية في ظل الاحتلال الأميركي. هذا ما دلت عليه عملية استطلاع للرأي قامت بها مؤسسة الزغبي إنترناشيونال شارك فيها 3500 مواطن من عدد من الدول العربية.

ويعتمد نجاح الانتخابات العراقية على تحقيق الأمن في بغداد وفي مناطق المثلث السني. على الأقل هناك ثلاثة من جيران العراق ينظرون بريبة وشك إلى المستقبل. الكويت البلد الذي كان في مقدمة المتحمسين لحرب العراق ويشهد منذ أشهر صدامات مع إسلاميين متطرفين. لم تعد الكويت تخاف من صدام لكنها أصبحت تخاف امتداد العمليات الإرهابية إلى مناطقها. وتتصور سورية أن رياحا قوية مقبلة عليها بعد ازدياد الاتهامات الموجهة إليها من واشنطن و"إسرائيل" والحكومة العراقية الانتقالية بأنها تدعم الإرهاب وتخفي مسئولين عراقيين في أراضيها.

وقام الرئيس بشار الأسد بخطوة مفاجئة حين زار موسكو طلبا لإعادة مد الجسور وتعميق الصلات مع الكرملين عودة العلاقات إلى سابق عهدها حين كان والده في السلطة. وتم في السياق الاتفاق بين موسكو ودمشق على تكثيف التعاون العسكري كما أعفت موسكو قسما من ديون سورية لها. الجار الثالث تركيا المهتمة كثيرا بمعرفة النتائج النهائية للانتخابات العراقية وتراقب بحذر شديد كل خطوة يقوم بها الأكراد.

وعبر رئيس الوزراء التركي أردوغان عن قلقه حيال ما يفعله أكراد العراق للاستيلاء على مدينة كركوك التي يريدونها عاصمة لدولة كردية مستقلة. وتراقب تركيا كيف يقوم الأكراد بإبعاد العرب والتركمان من كركوك الأمر الذي مكنهم من الحصول على نسبة 70 بالمئة من الأصوات في هذه المدينة فقط بعد طرد العرب والتركمان منها. قال أردوغان موجها نقده للأميركيين: البعض يدير وجهه بعيدا كي لا يرى ما يجري من عمليات تهجير في كركوك. ولا يشك رئيس الوزراء التركي بأن الأكراد يمهدون لإعلان دولتهم الأمر الذي ستكون له نتائج على التعايش التركي الكردي داخل تركيا التي يعيش فيها 13 مليون كردي.

وكتب رئيس الوزراء التركي عبدالله غول إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان مشتكيا أن الانتخابات التي تمت في كركوك لا تتفق مع القوانين الدولية. وأبلغ غول إحدى الصحف التركية قوله إن تركيا ليس لها أطماع في البلد الجار العراق ولكن في حال أنها شعرت بخطر مداهم ستجد نفسها ملزمة بالرد والقيام بما لا ترغب في عمله. ومر وقت طويل على آخر مرة صدر فيها تهديد من تركيا ضد أحد جيرانها. هناك معلومات تقول إن تركيا وضعت خطة عسكرية منذ بضعة أشهر تقضي بغزو شمال العراق وإشراك 20 ألف جندي في العملية. ستكون علاقات تركيا مع الحكومة العراقية المنتخبة صعبة خصوصا وأن عودة الأكراد إلى كركوك مسألة مقدسة عند أكراد العراق. لا ترغب واشنطن في التجاوب مع رغبة تركيا لأنها كانت القوة الحامية للأكراد في عهد صدام ولأنها لا تريد خسارة ماء الوجه والتشكيك بصورتها كبلد ينشر الديمقراطية في الشرق الأوسط.

وقال الزعيم الكردي مسعود برازاني إن الشعب الكردي يستحق الحصول على دولة مستقلة به. ولا يرى وزير خارجية العراق هوشار زيباري وهو كردي ما هو مناهض لرأي البرزاني إنما يؤيد دولة كردية في ظل عراق فيدرالي وهذا سيان بالنسبة لتركيا التي تخشى انتفاضة كردية داخل أراضيها وستظل تراقب أكراد العراق ويدها على الزناد

العدد 893 - الإثنين 14 فبراير 2005م الموافق 05 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً