تقع قلعــة البحرين على شاطئ البحر في الجهة الشمالية من جزيرة البحرين وهي محصورة بين قرية كرباباد من الشرق وقرية حلة العبدالصالح من الجنوب والغرب. وموقع القلعة يشكل في الواقع المركز الرئيسي لحضارة دلمون ويتمثل ذلك في هضبة القلعة إذ يحيط بها سور المدينة الضخم ويضم هذا الموقع قلعة البحرين، القصر الإسلامي، المدن الدلمونية وميناء دلمون. وبالنسبة إلى البناء الأول من القلعة، فقد تم بناؤه من قبل حكام عرب محليين في القرن الرابع عشر الميلادي على مبان تعود لفترات مختلفة وتتكون من أربعة أبراج دائرية في كل زاوية برج وبعض الغرف الخاصة بالذخيرة والغرف الخاصة بالجند.
أما البناء الثاني فقد تم فيه تجديد البناء الأول من قبل حكام عرب محليين وتم توسعة القلعة من الخارج وذلك ببناء سور خارجي خلف السور الأصلي مع إضافة أبراج جديدة دائرية الشكل "برجين في وسط الجدار الغربي وبرجين في وسط الجدارين الشمالي والجنوبي".
وبعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح قام البرتغاليون باحتلال الساحل الممتد من رأس الرجاء الصالح إلى الهند بقيادة الأدميرال "الفونسو البوكيرك"، واستولوا على البحرين في الفترة من 1521 - 1602م. وفي تلك الفترة لفت انتباههم موقع قلعة البحرين الاستراتيجي واستخدموها قاعدة عسكرية لهم.
وأثناء الاحتلال قرروا بناء إضافات جديدة في وسطها مثل بناء مقر خاص للقائد كما قاموا بتوسيع سور القلعة وأضافوا أربعة أبراج مربعة الشكل. شكلت البناء الثالث في القلعة.
القصر الإسلامي
يقع في الجهة الشمالية شمالي سور المدينة ويعود تاريخه إلى الفترة من 100م إلى 1400م مبني على جدران تعود لفترة تايلوس، وهو على شكل مربع طول كل ضلع من أضلاعه 52 مترا وفي كل زاوية يوجد برج دائري وفي منتصف كل جدار برج على شكل نصف دائرة، ما عدا الجدار الغربي فإنه يتوسط برجين على شكل ربع دائرة، إذ يشكلان معا المدخل الرئيسي وفي كل برج فتحات للرماية ويتوسطه فناء مربع وفيه أربعة ممرات تتعامد وتنفتح على الفناء وتوجد به مجموعة كبيرة من الغرف ومدبسة لتخزين التمور.
الميناء الدلموني
يقع هذا الميناء في الجهة الشمالية من سور المدينة والذي يعتبر في الواقع البوابة الرئيسية لدلمون، إذ إن السفن التجارية القادمة من الشرق والشمال والغرب لابد أن تمر بهذا الميناء المتصل بقناة عميقة تمتد إلى وسط البحر. ولقد وصلت إلى هذا الميناء السفن الشراعية القادمة من بلاد وادي السند وفارس وبلاد ما بين النهرين وعمان والكويت والمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية.
في هذا الميناء تم اكتشاف مجموعة من الأوزان والأختام المستخدمة في ختم البضائع وفي الجهة الجنوبية من البوابة توجد مكاتب الجمارك وغرف التخزين ومواقف خاصة للنقل وبئر المياه.
ونظرا إلى أهمية هذا الميناء فإنه جدد وأضيفت إليه بعض التعديلات وهو يعاصر المدن الدلمونية.
المدن الدلمونية
تشكل هضبة قلعة البحرين مجموعة من المدن مبنية فوق بعضها بعضا ويحيط بها سور ضخم. طول الجدار من الشرق إلى الغرب 750 مترا وطوله من الشمال إلى الجنوب 360 مترا وتبلغ أقصى نقطة ارتفاع عن مستوى سطح البحر حوالي 12 مترا. وتعتبر في الواقع إحدى عجائب الدنيا لما تحتويه من مبان ضخمة مبنية فوق بعضها بعضا. ولقد تمكن علماء الآثار من خلال دراسة الطبقات ومقارنة الفخار المكتشف بفخار وادي الرافدين من تمييز خمس مدن تعود لست فترات تاريخية.
المدينة الأولى
تضم هذه المدينة المبنية على الأرض البكر فترتين زمنيتين هما الفترة المبكرة والتي يرجع تاريخها من 2800 ق. م - 2300 ق. م إذ تم اكتشاف مجموعة من الكسر الفخارية ربما أن الجزء المنقب لم يكتشف فيه بقايا المباني أو أنها كانت مبنية بسعف النخيل.
أما الفترة الأخرى فهي دلمون الأولى التي يرجع تاريخها للفترة المحصورة ما بين 2300 ق. م - 1800 ق.م ولقد تم العثور على كسر فخارية مختلفة وبعض الجدران المبنية بالحجارة والطين.
المدينة الثانية
تضم هذه المدينة فترة دلمون المتوسطة وتؤرخ في الفترة المحصورة ما بين 1800 ق. م 750 ق. م. وفي هذه الفترة وصلت حضارة دلمون إلى قمة ذروتها في الازدهار ولعبت دورا نشطا في التجارة والعلاقات الخارجية مع الحضارات الأخرى العريقة وتركت لنا بصمات هذا النمو الحضاري واضحا على المباني الضخمة التي استخدمت في بنائها الحجارة الكبيرة جدا والمقطوعة على شكل قوالب والمصفوفة بشكل منتظم والممسوحة بمادة الجص، ولقد تم اكتشاف معبد له بوابة روعة في فن البناء ويتوسطه قاعة في وسطها قاعدتان لعمودين وبعض الغرف بالإضافة إلى مدبسة لتخزين التمور.
المدينة الثالثة
بنيت هذه المدينة في فترة دلمون المتأخرة التي تؤرخ في الفترة المحصورة ما بين 750 ق.م 325 ق.م ولقد تم اكتشاف مجموعة من المباني الممسوحة جيدا بالجص وأهم المباني هو قصر يسمى "قصر اوبيرى" كما تم اكتشاف مجموعة من الأواني الفخارية التي تضم عظام أو هياكل الأفاعي وهي مدفونة في أرضيات الغرف. هذا بالإضافة إلى بعض الغرف والحمامات. كما تم العثور على مجموعة من التوابيت المستخدمة كمدافن.
المدينة الرابعة
بنيت هذه المدينة في فترة تايلوس التي تؤرخ في الفترة المحصورة ما بين 325 ق. م - 622 م وهي تعتبر مزج لمجموعة من الحضارات الشرقية والحضارة الغربية والحضارة المحلية ولقد تم اكتشاف مجموعة من الغرف المبنية بالحجارة والممسوحة بمادة الجص كما تم اكتشاف مجموعة من العملات الفضية التي تعود للإسكندر المقدوني.
المدينة الخامسة
هذه المدينة تعود للفترة الإسلامية التي تؤرخ في الفترة المحصورة ما بين 622 - 1400م. واكتشف في هذه المدينة مجموعة من المباني المبنية بالحجارة الصغيرة والممسوحة بمادة الجص وتمثل هذه المباني منازل صغيرة يتكون كل منزل من غرفتين وحمام ومدبسة وفناء، كما تم اكتشاف سوق مركزي يضم مجموعة من الدكاكين المتقابلة التي تمتد من الشرق إلى الغرب.
ويؤكد المؤرخون أن عدد سكان مدينة قلعة البحرين الرئيسية وصل إلى سبعة آلاف نسمة في أوج حضارة دلمون التي استمرت من نحو "2250 - 1800" قبل الميلاد. وتم اكتشاف نحو 150 ألف مدفن بنيت في الجزيرة خلال فترة 500 عام، ودلت اللقى الأثرية من أختام حجرية وفخارات ومقتنيات، على وجود روابط قوية بين دلمون والقطيف والظهران في المملكة العربية السعودية الحالية، وفيلكا في الكويت، وأم النار في دولة الإمارات العربية المتحدة.
"أرض الفردوس"....
وتشير الرسائل وآثار المعاملات التجارية التي اكتشفها علماء الآثار في مناطق أخرى من الشرق الاوسط إلى أن هذه البلاد كانت أحد المراكز التجارية البارزة، فقد كان يأتي إليها التجار من بلاد ما بين النهرين للحصول على كل انواع البضائع التي كانت توجد في دلمون وكانت تشمل أبسط أنواع البضائع الاساسية مثل النحاس والأخشاب إلى البضائع الكمالية الفاخرة مثل الاحجار الثمينة. هذا وكانت الأساطير القديمة تصف دلمون بأنها أرض الفردوس التي كان الله يحبوها بوجود الماء العذب بوفرة.
وطوال مدة الفين وخمسمئة عام فإن كل ذكر لدلمون قد اختفى حتى العام 1860 عندما اكتشفت أول إشارة إلى هذا الاسم. وفيها أصبحت هناك معلومات أكثر عن هذه الحضارة فقد اختلف العلماء على الموقع الذي كانت توجد فيه دلمون، واستمر الوضع على هذا الحال حتى تمت الحفريات الدنماركية في الخمسينات إذ اتضح بعدها بشكل أكيد أن البحرين كانت هي دلمون القديمة.
فقد عثر الفريق الأثري الدنماركي برئاسة بيتر جلوب وجيفري بيبي على الدليل على وجود مستوطنة كان عمرها أربعة آلاف سنة في منطقة قلعة البحرين واتضح منها أيضا أن غالبية التلال الأثرية المخصصة كمدافن والتي يصل عددها إلى عدة آلاف كانت تنتمي إلى حضارة أصيلة ازدهرت وانتعشت في حوالي العام 2000 قبل الميلاد. وفيما بعد ذلك فإن حفرياتهم الأثرية امتدت لكي تشمل بعض المناطق المجاورة، وكانت هذه بداية علم الآثار في منطقة الخليج. وقد كشفت البعثة الأثرية الدنماركية في موقع قلعة البحرين عن ست مدن اقيمت الواحدة فوق الأخرى وقد تمكن الخبراء من خلال تحليل اللقى الأثرية والدراسة المقارنة لبعض الآثار وخصوصا تلك التي وجدت في موقع معابد باربار وعدد من تلال المدافن الأثرية من أن يحددوا أربع مدن رئيسية لدلمون حصرت تاريخيا في الفترة ما بين 2800 و 323 ق.م
العدد 902 - الأربعاء 23 فبراير 2005م الموافق 14 محرم 1426هـ