اختفاء بعض الأسماك من سواحل البحرين مشكلة تؤرق الكثير من الناس، فإذا كانت الدراسات تؤكد أن أكثر من نصف سكان البلدان النامية يعتمدون على الأسماك البحرية للحصول على 30 في المئة أو أكثر من مجموع استهلاكهم من البروتين الحيواني، وظل حجم البحار وتكوينها مستقرين طوال فترات جيولوجية طويلة من خلال توازن الدورات الأرضية الكيماوية فإن أنشطة الإنسان سواء في البر أو البحر أحدثت اختلالا في هذا التوازن وغيرت من تركيبة مياه البحر ويظهر ذلك بشكل ملموس في المناطق الساحلية أو القريبة من الشواطئ باعتبارها من أكثر مناطق الأرض استخداما فيعيش 60 في المئة من سكان العالم وزهاء 3 مليارات نسمة على السواحل أو على مساحة 100 كيلومتر من الخط الساحلي.
وقدرت دراسة أجراها مركز البحرين للدراسات والبحوث أن مجموع الإنتاج السمكي العام 2002 بلغ 37,6 ألف طن، قدر بنحو 35,6 مليون دينار بحريني، بينما شاركت السفن الصغيرة في هذا الإنتاج بحوالي 30,6 مليون دينار وهو ما يعادل 86 في المئة من المجموع، وكما شاركت السفن الكبيرة نحو 5 ملايين دينار بحريني، وهو ما يعادل 14 في المئة من مجموع الإنتاج، وبحسب قيمة الإنتاج السمكي، بينت الدراسة أن أهم عشرة مواقع إنزال هي بالترتيب: فرضة سترة والدير وشرق الحد وفرضة المحرق القديمة وسماهيج والبديع وبين الجسرين والسنابس وعسكر والدور.
ماذا قال الصيادون في سوق سترة للأسماك؟
- ما ان طرحنا عليهم السؤال حتى عبروا عن استيائهم لاختفاء بعض الأسماك، وقالوا: "اختفت الكثير من الأسماك التي كان يقبل على شرائها سكان البحرين في الأعوام السابقة، مثل "الصنيفي والسمان والبرطام والخضر والعنقد والكين"، حتى عندما نجد بعض أسماك "الكين" تكون نادرة، هل تصدقون أن سعر كيلو "الكين" أصبح دينارين بعد أن كان لا يتجاوز الخمسمئة فلس، هذا إذا وجد".
ولماذا انخفضت كمية الأسماك؟
- دفان البحر هو السبب الرئيسي في اختفاء بعض الأسماك، كانت هذه الأسماك أفضل من الأسماك الحالية من حيث المذاق، وصل سعر "الكنعد" إلى 3 دنانير، وبدأ "الهامور" يتناقص وكلما استمر دفان البحر، ستختفي الأسماك شيئا فشيئا، على سبيل المثال لو تم دفن فشت الديب، وفشت العظم فستختفي الأسماك كليا، ويستورد أهل البحرين الأسماك من البلدان الأخرى، ونفقد أرزاقنا فهل هذا يعقل؟
واقترح بعض الصيادين من مناطق مختلفة بطلب دعم من الحكومة، وإثراء الثروة السمكية من خلال إصدار إصبعيات الأسماك، وإنشاء معهد لتدريب الصيادين.
واختلف الصيادون بين المطالبة بمنع شباك النايلون والهيالى وبين عدم منعها من قبل فئة أخرى، وهذا ما جعل بعض الصيادين يطالبون بضرورة فرض النوخذه البحريني.
وأشارت الدراسات أيضا إلى أن جهد الصيد، سواء كان ممثلا بعدد القوارب، أو عدد الصيادين، أو عدد معدات الصيد، أو أطوالها، أو أحجامها، أو فترات الصيد، هو العامل الأكبر أهمية في التأثير على المخزون السمكي. بحيث يعزى انخفاض كميات الأسماك المصادرة والإنتاج من المصايد في كثير من بلدان العالم إلى تنامي جهد الصيد بشكل غير منظم لا يتناسب مع طاقة المخزون وقدرته الإنتاجية. وينتج ازدياد جهد الصيد غالبا من استمرار تنامي جهد الصيد الموجه لصيد أسماك من نوع معين، بحيث يؤدي الاستمرار في ذلك إلى صيد أعداد كبيرة من الأسماك حتى في مراحل نضوجها، وحرمانها من فرصة التكاثر وإثراء المخزون الطبيعي. ويؤدي الاستمرار في ذلك، في حال عدم وجود تنظيم لعمليات الصيد من أي نوع، إلى التأثير على صغار هذه الأسماك والبدء بصيدها حين تقل أو تختفي الأحجام الكبيرة منها، ما يؤدي لتدهور حال المخزون، إلى مستويات يصعب فيها استعادة حجمه الطبيعي بعد ذلك.
وعلى رغم أن الثروة السمكية من الثروات الحية المتجددة، فإنه وعلى رغم أن هذه الموارد تستغل من قديم الزمان، فإنها استمرت في التجدد عاما بعد الآخر. ويتم تجديد الموارد السمكية عن طريق عاملين اثنين: تكاثر الأسماك في مواسمها وإنتاجها لأفراد جدد في التجمعات السمكية. ونمو الأسماك عاما تلو الآخر بشكل طبيعي بحيث يزدادا وزن الأسماك وكتلتها الحيوية في المحيط المائي الذي تعيش فيه.
وللحفاظ على الثروة السمكية، تسعى الإدارات المعنية بالثروة السمكية، وبناء على دراسات مستفيضة للمخزون السمكي، وعن طريق توافر البيانات المختلفة المتعلقة بهذا القطاع، إلى تحقيق التوازن بين حجم المخزون، وجهد الصيد الذي يمارس عليه، بحيث يتم صيد الأعداد أو الوزن الزائد في كل عام.
وبالنسبة إلى البحرين ما الأسباب الحقيقية لاختفاء هذه الأسماك؟ قال مدير إدارة الثروة السمكية جاسم القصير: "إن بعض الأسماك انخفض وجودها في سواحل البحرين انخفاضا كبيرا، من هذه الأسماك "البرطام والكين والصافي والحاقول"، وبعض هذه الأسماك ساحلية والبعض الآخر يعيش في عمق البحر، ولكن معظم الأسماك المختفية تعيش في المناطق الصخرية المرجانية، وهذا النوع انخفض بشكل ملحوظ، ولم تعد هناك سوى كميات قليلة.
والسبب في ذلك...؟
- هذا راجع إلى تأثير البيئة القاعية "الصخرية المرجانية" على هذه الأسماك فهذه المواقع تمت إزالتها أو تدمير جزء كبير منها بسبب عدة عوامل منها طبيعية، كوجود الشعب المرجانية أو تغير المناخ، وترجع الأسباب إلى عوامل من صنع الإنسان مثل الجرف البحري لاستخراج الرمل وفقا لمتطلبات التطوير والبناء والمشروعات الإسكانية، ولأهمية مادة الرمل وعدم توافرها على اليابسة، ولذلك وجب البحث عنها وتحديدا في مواقع وجودها، هذا بالإضافة إلى الجرف بشباك الجر، وهي التي تستخدم لصيد الأسماك، وعند مرور الشبكة على مواقع الصخور لصيد الأسماك الكبيرة والصغيرة، يتم تدمير بعض المواقع، وهذا بالتالي يؤثر على مخزون الأسماك والسلسلة الغذائية البيولوجية للأحياء البحرية.
والحل...؟
- هذه الطريقة تم توقيفها في الخليج منذ العام 1997 إلا أن هذه النوعية من الشباك تستخدم في صيد الروبيان في مناطق معينة، ولهذه الطريقة عيوب سلبية فهي تؤدي إلى اختفاء بعض الأسماك، كما أن هناك طريقة الصيد الجائر وهي وجود عدد كبير من القوارب والبوانيش يغطون مساحات كبيرة من وجود الروبيان، وتهجم هذه القوارب على مواقع الروبيان، ما يؤدي إلى الصيد المحدود للروبيان نتيجة كثرة القوارب.
وهل هناك طرق أخرى للصيد أدت إلى اختفاء بعض الأسماك؟
- هناك طريقة صيد "الهيالى" وهي طريقة الشبك العائم، وفيها يمتد الشبك لمسافات تصل إلى حوالي 2 كيلومتر أو ،3 ويتم فيها الصيد بشكل كبير ولمسافات كبيرة وخصوصا الأسماك التي تعيش في المياه الضحلة مثل "الكنعد والسردين"، وهذا النوع من الصيد يتم في الظلمة، إذ تتلقى الشباك علامات بوجود الأسماك، ويتم سحب "القراقير" إلى مناطق أخرى، وخلال السحب تقطع العلامات وتموت الأسماك داخل "القراقير"، وتصبح هذه "القراقير" كالقبور، وتصبح المنطقة موبوءة، وتبتعد عنها الأسماك، وهناك أيضا طرق الصيد بالشباك النايلون، فمن طبيعة النايلون أنه بعد استخدامه ورميه من قبل الصيادين لا يغطس ويظل عائما، وتعلق فيه الأسماك وتكون شبيهة "بالقرقور" وعدم تحلل النايلون يؤدي إلى موت الأسماك، وخصوصا عند استخدامه في المياه الضحلة والساحلية، تعود لتصبح المنطقة موبوءة.
المطلوب هو حل السريع قبل هروب أسماك أخرى من مياهنا وعدم عودتها إلينا إلى الأبد
العدد 927 - الأحد 20 مارس 2005م الموافق 09 صفر 1426هـ