رعى عاهل البلاد المفدى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، بحضور سمو رئيس الوزراء صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، عصر أمس، الاحتفال الذي نظمته وزارة الإعلام في قلعة البحرين بمناسبة مرور خمسين عاما على اكتشاف حضارة دلمون في مملكة البحرين، وأقيم الاحتفال بحضور دوق يورك الأمير أندرو، ونحو مئة شخصية عالمية من علماء الآثار والتاريخ والخبراء والمنقبين، من بينهم مدير البعثة الدنماركية فليمينغ هويلميند ومدير البعثة الفرنسية بيير لومبارد ومدير البعثة البريطانية روبرت كليك. وألقى وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي كلمة نيابة عن وزير الإعلام وزير الدولة للشئون الخارجية محمد عبدالغفار، أكد فيها أن التزام المملكة بالحفاظ على حضارة دلمون بكل أبعادها، يتم في إطار برنامج شامل لتأهيل وتطوير المواقع الأثرية، وتشجيع الكوادر البحرينية المبدعة في مجال التنقيب عن الآثار وصيانتها وترميمها والمحافظة عليها. واعتبر محافظ الشمالية أحمد بن سلوم أن الزيارة، تأتي في مرحلة تحول تاريخي لهذه البقعة من المحافظة، إلى منطقة جذب سياحي يتوقع لها أن تتحول إلى موقع اقتصادي مهم ومؤثر في اقتصاد المملكة.
احتفالا بافتتاح قلعة البحرين
جولة مع فناني الجداريات... هكذا تصنع قلائد الوطن
القلعة - قاسم حسين
حماس كبير كنت تلمسه على وجوه هؤلاء الفنانين والفنانات، الذين جاءوا من مناطق شتى، إلى هذه القرية الصغيرة التي تعيش على طرف قلعة البحرين، في هدوء وسكينة، في صف واحد من البيوت التي لا يزيد عددها عن العشرين، فيها مسجد واحد، ومأتم واحد، ومبنى صغير للصندوق الخيري في نهاية القرية، التي لا يزيد تعدادها عن 250 نسمة.
50 فنانا وفنانة، من أعمار ومناطق ومدارس وجمعيات فنية متنوعة، 37 منهم من المنتسبين لجمعية المرسم الحسيني للفنون الاسلامية، كلهم جاءوا للمشاركة في تزيين الشارع الرئيسي بقرية "القلعة" التي استعارت اسمها من قلعة البحرين، ومعهم كانت هذه اللقاءات الخاطفة.
كان من المشاركين الفنان عمر الراشد، وهو بالمناسبة المسئول عن الفنون التشكيلية بوزارة الإعلام، ولكننا تحدثنا معه كفنان يقف أمام جداريته فقال: "حاولنا إبراز فكرة الجداريات بالتعاون مع الجمعيات الفنية والتشكيلية المختلفة في البحرين. وفن الجداريات في السنوات الأخيرة أخذ يلعب دورا في إبرازها كواجهة سياحية، ومثل هذا المشروع السياحي بلاشك يخدم البلد، ونرى ان جميع الفنانين والأهالي يساهمون في خدمة المشروع بما فيهم أبناء هذه القرية "القلعة" وأطفالها".
وعما قدمته المؤسسات الرسمية قال: "حاولت وزارة الإعلام توفير كل المستلزمات والمواد الغذائية للفنانين المشاركين في رسم الجداريات، على مدار ثلاثة أيام، واعتاد الفنانون على مثل هذه الفعاليات التي تظهر وجه البلد الحضاري، ويحاولون تجميل وجه البحرين بصورة متواصلة". وفي كلمته الأخيرة آثر أن يوجه الشكر للجنة المنظمة ولزملائه الفنانين وللجمعيات الفنية.
الفنان عادل الذوادي، من جمعية البحرين للفن المعاصر، سبق أن شارك في معارض فنية سابقة، ويشارك في هذه الفعالية بجدارية تتحدث عن التراث في البحرين، ملتقطا مفرداتها من البيئة الشعبية. وأوضح قائلا: "ان هذه الفعالية الجماعية تشجع الفنان على العطاء".
وقال عن أبناء القرية التي استضافتهم: "أبناء المنطقة متفاعلون، وهم اناس محترمون ويعرفون حق الفنان، حتى أطفالهم أخذوا يعملون معنا".
فاطمة المختار، من المنامة، طالبة جامعية، سنة أخيرة، فن وتصميم، وهي فنانة "مزدوجة"، تعمل مع جمعية الاسكافي وجمعية المرسم الحسيني، وعضو أيضا في جمعية الفنون التشكيلية، تقول: "رسمت جدارية تتحدث عن تراث البحرين، ممزوج بها شيء من الحضارة".
ومع انها أم وعاملة وطالبة جامعية مشغولة بالدراسة، إلا أنها أصرت على المشاركة، فاصطحبت طفلها الصغير في عربته المتنقلة بينما كانت ترسم جداريتها.
أحمد وحيد، "15 عاما"، طالب في الصف الأول الثانوي، وهو فنان صغير موهوب كان يرسم منذ نعومة أظفاره. جاء من جزيرة المحرق ليشارك مع أعضاء المرسم الحسيني الذين اتصلوا بأبيه فرتب حضوره، إذ سبق أن شارك معهم في معرض "عن حقوق الإنسان" في مجمع البحرين، وفاز بجائزة في مسابقة عن حماية المستهلك. لوحته تعبر عن التراث القديم والقرية البحرينية، بما تحتوي من منائر وأبواب قديمة.
الفنانة ندى العرادي، طالبة جامعية سنة أولى، من العاصمة المنامة، شاركت مع المرسم الحسيني، تقول: "هذه أول مرة في حياتي أنفذ جدارية، وتحتوي على منظر لنساء من القرية في بيئة زراعية وهن يسرن بين الحقول".
عبدالجليل الحايكي، فني هندسة بوزارة الصحة، ومن مؤسسي المرسم الحسيني، شارك برسم جداريتين، الأولى عن القلعة، والثانية عن طبيعة صامتة، يقول: "اننا كفنانين لم نظهر إلا بعد المرسم الحسيني، فهو الذي احتضننا وأبرز مواهبنا"، ولم يسبق له أن شارك في معارض فنية سابقة.
من بين اللوحات التي شدت الانتباه، جدارية اجتمعت على إنجازها ثلاث فنانات، أختان وخالتهما، اشتركت ريشاتهن على إكمالها في الموعد قبل أن يحل الغروب.
الفنانة الأولى فاطمة أبوسهيل، من منطقة عالي، طالبة بكلية العلوم الصحية، فنية أسنان، سنة ثالثة تتخرج هذا العام، سبق أن شاركت في المرسم الحسيني، وتشارك اليوم معه في رسم الجداريات، تقول: "اعتبر نفسي مبتدئة، والمرسم وفر لنا فرصة للحصول على الخبرة وصقل الموهبة، فقد كنت أرسم بالقلم الرصاص وبالفحم، ولكني كنت أتخوف من الألوان، واستمر ذلك معي لعدم وجود إرشاد، وهو ما قام به المرسم، فتلقيت المساعدة من الاخوان، ولمست احترامهم لجميع الآراء بما فيها آراء المبتدئين، ونحن نشارك هنا لنطور موهبتنا، فكلنا نعمل لخدمة هذا البلد".
وعن تجربتها الفنية تقول: "لم أشارك في جمعيات فنية أخرى، وشاركت هنا بسبب ما نلقاه من تشجيع لنا بالمرسم، فهم يتابعوننا ويتصلون بنا للمشاركة في المناسبات المختلفة".
إلى جانب فاطمة كانت تقف أختها الأصغر زهراء أبوسهيل، طالبة بالصف الأول الثانوي، تقول: "تعرفنا على المرسم عن طريق الإعلانات وما ينشر في الصحف، والرسم بالنسبة إلينا هواية، وجئت إلى هنا للمشاهدة، ولكن وجدت نفسي أشارك أختي في رسم هذه الجدارية".
إلى جانب الأختين كانت تقف خالتهما فضيلة الصايغ، التي شاركت في موسم عاشوراء قبل شهرين بلوحتين من وحي واقعة كربلاء التاريخية، وفي ذكرى الأربعين شاركت بلوحة ثالثة عن قبر الشهيد وشمعة كبيرة تضيء فوقه. كما شاركت في معرض فنون القنص أيضا قبل أسبوع، برسم بندقية وشاهين، ولكن لعدم تفرغها ولضيق الوقت في هذه المناسبة شاركت ابنتي اختها في إكمال الجدارية الكبيرة لإنجازها في الموعد المحدد.
فضيلة الصايغ من خريجات الثانوية العامة، وتمارس الرسم كهواية، وترسم في المنزل باستخدام القلم الرصاص والفحم، ولوحاتها الأولى كانت زيتية، تقول: "المرسم الحسيني نمى موهبتنا والأساتذة هنا يوجهوننا ويعلموننا، وإذا استمر المرسم على هذا المنوال من النشاط فسيصل إلى مستوى متقدم من الأعمال، فهناك الكثيرون يأتون برغبة كبيرة للمشاركة في فعالياته".
الفنانة زهراء أحمد ابراهيم طالبة جامعية سنة ثالثة، خدمة اجتماعية، من منطقة كرباباد المجاورة للقلعة، وهي أم لولدين وبنت واحدة، حضرت مع ابنتها وطفلها للمشاركة، تقول: "أحب الرسم وأبحث عن أية فرصة للتعلم، وتوقفت عنه لفترة، وبالمصادفة أتت إحدى قريباتي لتخبرني بأنشطة المرسم الحسيني، فجئت لأرسم هذه الجدارية التي تصور الالعاب الشعبية القديمة".
الفنان البشوش مهدي البناي، خزاف من جمعية البحرين للفنون التشكيلية من منطقة جدعلي، كان يعمل جدارية خاصة يتداخل فيها الرسم وقطع صغيرة من البلاط كالمنمنمات، وكان معه سبعة أطفال، بناتا وأولادا، كانوا منهمكين في تركيب القطع الصغيرة على الجدار وتثبيتها بالاسمنت اللاصق، سألته: "هؤلاء كلهم أبناؤك"، فضحك وقال: "وين يا اخوك، هؤلاء أولادي وأولاد أختي". سألته: وهل كلهم فنانون؟ ضحك مرة أخرى وقال: "أليس ابن الوز عوام؟ انهم عموما يقومون بأعمال فنية في مطبخ البيت".
عند نهاية الجولة عدت مرة أخرى إلى جدارية الفنان البناي، فوجدت طاقما جديدا من العاملين معه، ثمانية اطفال آخرين، كلهم من أبناء قرية القلعة، الذين كانوا منهمكين في عملهم الجميل، فالجميع جاء لتجميل البحرين.
حضور متواضع لخبراء الآثار في احتفالية "دلمون"
"اليونسكو" تعلن قرارها بتسجيل قلعة البحرين بعد ثلاثة شهور
قلعة البحرين & ريم خليفة
أعلن خبير الآثار الفرنسي بيير لو مبارد لـ "الوسط" أن التقرير النهائي لتسجيل موقع قلعة البحرين لدى اليونسكو سيعلن في يوليو/ تموز المقبل.
ويأمل لو مبارد أن يسجل الموقع في حال استأنفت البحرين شروط اليونسكو كاستملاك الأراضي وإقامة حزام أخضر. مبديا تحفظاته على تلوين قرية القلعة وجدرانها برسوم غير متناغمة مع طبيعة الموقع. إلى ذلك أكد الباحث ورئيس جمعية الصداقة البريطانية - البحرينية مايكل رايس أن تسجيل الموقع يعد مكسبا للجميع كونه من أقدم المواقع التاريخية في شبه الجزيرة العربية.
وأضاف لـ "الوسط" أن التسجيل سيفتح مجالات أخرى للبحرينيين وخصوصا لسكان القرى المجاورة للقلعة كون الموقع يتمتع بمقومات تاريخية وجمالية "وان لم يتسم بالكمال مع ترميمه وهذه معضلة غالبية المواقع الأثرية".
من جهة أخرى أبدت مصادر مطلعة أمس استياءها من عدم تقديم أو ذكر دور الجانبين الفرنسي والبريطاني في تنقيبات موقعي قلعة البحرين ومستوطنة سار، مشيرة إلى أن الاحتفالية اشتملت على كلمة من الجانب الدنماركي من دون الإشارة إلى دور البعثات الأخرى.
وأضافت تلك المصادر لـ "الوسط" قائلة: "لقد فعلنا كل ما في وسعنا لحماية آثار مواقع مهمة وليس من العدل تجاهل دورنا وخصوصا ان أصابع التخريب وطمر المواقع لايزالان مستمرين" مؤكدين حرصهم على تسجيل هذه المواقع على قائمة التراث الإنساني لليونسكو وحمايتها بشكل كامل.
يذكر أن الاحتفال بمرور خمسين عاما على اكتشاف حضارة دلمون الذي نظم أمس "الأربعاء" في داخل قلعة البحرين التاريخية غاب عنه عدد من منقبي الآثار الدنماركيين والفرنسيين مثل مونيك كارفان التي قادت حملة مع "الوسط" في العام 2002 لوقف ردم الساحل المقابل للقلعة وحماية الموقع من الاندثار. بينما لم يكرم أحد في هذه الاحتفالية من المنقبين البحرينيين أو خبراء الآثار الأجانب ممن يعود الفضل إليهم في اكتشاف هذه الحضارة المنسية التي لم يعرفها العالم إلا مع منتصف القرن الماضي
العدد 965 - الأربعاء 27 أبريل 2005م الموافق 18 ربيع الاول 1426هـ