باستثناء إشارة خجولة في شكل فقرة وردت في أسفل العمود الأول من ص 10 حملت عنوانا فرعيا مثيرا "الإقصاء المزدوج، المرأة" وعبارات متناثرة مبتورة تكاد تحصى على أصابع اليد الواحدة توزعت على صفحات تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2004 والموسوم "نحو الحرية في الوطن العربي". لا يجد القارئ ما يبحث عنه بشأن حيز الحرية الحقيقي الذي تتمتع به المرأة في بلادنا العربية. ومن ثم فلا حديث ملموس عن دورها في التنمية والأعمال.
ومن هنا لا يستطيع من يقرأ التقرير أن يصل إلى رأي قاطع عن دور المرأة العربية في التنمية الإنسانية، طالما أن التقرير بالكاد جاء على ذكره. بل يحق للمرء بعد الانتهاء من قراءة ذلك التقرير أن يتساءل: هل تستحق المرأة، ناهيك عن العربية منها، أن تولى العناية التي يعطيها لها البعض؟ وهل تمتلك من المؤهلات الذهنية والبدنية ما يؤهلها للمساهمة في اقتصاد بلدها وتنميتها وخصوصا في قطاع المال والأعمال؟
على النقيض من ذلك تماما هو التقرير الصادر في العام 1998 عن مكتب قياس الرأي الأميركي لإدارة الأعمال الصغيرة. فقد لاحظ ذلك التقرير الإحصائي بشأن الأعمال المملوكة كليا من قبل سيدات، فرص العمل الكثيرة التي يتجاوز عددها الملايين التي توفرها مثل تلك الأعمال، كما رصد المداخيل الضخمة التي تتجاوز الترليونات التي تولدها تلك الأعمال أيضا. وعلى رغم صدور التقرير في العام 1998 "أي قبل ما يزيد على نصف عقد من الزمان" لكنه يحتوي على بعض الاستقراءات المستقبلية من جهة، كما أنه يعكس حال نمو متوقعة خلال السنوات العشر التي تلت العام 1998 من جهة ثانية. كما أن التحولات التي طرأت على الاقتصاد الأميركي كانت لصالح المرأة وليس ضدها. ونورد أدناه بعض ما ورد في ذلك التقرير ذي الــ 35 صفحة من أرقام:
- لقد ازداد عدد الأعمال التي تملكها سيدات ملكية مطلقة بمعدل 89 في المئة خلال العقد "1987 - 1997" كي يصل إلى ما يقارب من 8,5 ملايين عمل.
- ولدت تلك الأعمال التي تملكها سيدات دخلا وصل إلى 3,1 ترليونات دولار أميركي، بزيادة قدرها 209 في المئة خلال الفترة "1987 - 1997"، بعد احتساب معدلات التضخم.
- عمل ما يزيد على 23,8 مليون موظف لدى المؤسسات التي تملكها سيدات، وعرفت تلك الأعمال زيادة قدرها 262 في المئة خلال الفترة ذاتها.
- 1,4 مليون مؤسسة التي تملكها سيدات يعمل فيها موطفون ولدت دخلا قيمته 2,8 ترليون دولار. وشهد ذلك القطاع نموا في التوظيف قدره 46 في المئة خلال الفترة "1987 - 1997".
- ولد 1,4 مليون مؤسسة تملكها نساء والموظفون العاملون فيها دخلا قدر بنحو 2,8 ترليون دولار. وحقق ذلك القطاع زيادة في عدد الموظفين وصلت إلى 46 في المئة خلال الفترة "1987 - 1997" .
- وصلت زيادة الدخل المتأتي من شركات تملكها سيدات إلى 221 في المئة خلال الفترة "1987 - 1997"، عندما يحتسب التضخم.
- بحلول العام 2000 كانت التوقعات حينها تشير إلى أن الأعمال ذات الملكية الفردية "يملكها شخص واحد فقط" وتعود ملكيتها بالكامل إلى سيدة ستصل إلى 7,1 ملايين شركة، أي نحو 35 في المئة من كل الشركات الفردية. وكانت التوقعات حينها ستشهد نموا خلال الفترة من العام 1990 إلى العام 2000 يقدر بنحو 35 في المئة مقارنة مع مثيلاتها على مستوى الولايات المتحدة والتي لم يتوقع التقرير أن يتجاوز نموها 23 في المئة.
- توقعت الدراسة أنه بحلول العام 2005 سيصل عدد الشركات التي توظف مالكاتها أنفسهن self-employed إلى 4,7 ملايين شركة، بزيادة معدلها 77 في المئة منذ العام ،1983 وهي تزيد على مثيلاتها من التي تعود ملكيتها إلى رجال والتي لن تشهد سوى زيادة قدرها 6 في المئة خلال الفترة ذاتها.
- ما يزيد على 70 في المئة من تلك الأعمال تنشط في نطاق أعمال الخدمات وتجارة التجزئة. وتحتل المؤسسات المملوكة من قبل سيدات موقعا متميزا في هذه القطاعات وتشكل قوة مهمة لا يستهان بها تصل إلى ما يزيد على 40 في المئة في كل منها على حدة.
- ثلاثة أرباع تلك الأعمال حصلت على نوع من التسهيلات في العام ،1993 ونصفها تقريبا نجح في نيل قروض وفق الطرق التقليدية، في حين حظي 60 في المئة منها على مصادر غير تقليدية من التمويل إما عن طريق شركات تمويلية أو بطاقات ائتمانية شخصية.
- على رغم أن المصارف التجارية هي المصدر الرئيسي لتمويل تلك المشروعات، فإن 32 في المئة فقط من تلك المشروعات اضطرت إلى اللجوء إلى تلك المصارف خلال العام .1993
والتقرير مليء بالكثير من الأرقام الأخرى التي تؤكد جميعها دور المرأة الأميركية المميز والمهم في الاقتصاد الأميركي، وخصوصا في نطاق المؤسسات الصغيرة وتلك التي تدار من المنازل أو توفر العمل لمالكتها.
وحينما نقول المؤسسات الصغيرة، لا ينبغي أن نستهين بها ولا بالحيز الذي تحتله مثل تلك المؤسسسات في الاقتصاد الأميركي. فمن حيث الحجم، وبالمقياس الأميركي، ربما نجد أن الكثير من تلك الشركات المصنفة صغيرة تولد دخولا وأرباحا وعوائد على الاستثمار أعلى وأفضل بكثير من شركات متوسطة وربما كبيرة بالمعيار العربي، كما أنها تشكل ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الأميركي، وخصوصا بعد التغيرات النوعية التي طرأت عليه وحولته إلى اقتصاد يعتمد بنسبة عالية على الخدمات بدلا من حصر نموه وتطوره في قطاع المنتجات.
هذه الحال هي التي جعلت المرأة الأميركية، برضا الرجل أو على رغم أنفه، تحتل المناصب التي تطمح إلى تبوئها، بمساعدة الرجل أو من دون مساهمته.
المقارنة بين التقريرين تفسر الفرق بين ذهنيتين الأولى الأميركية وهي التي تعاطت مع المرأة على أنها كائن عاقل قبل أن تكون أنثى، فأعطتها حقوقها، وعندما رفضت إعطاءها كان في وسع تلك المرأة انتزاعها، دونما ضجيج إعلامي ولا احتفالات فلكلورية. الثانية تلك العربية التي لا تكف في كل الأنشطة الرسمية وغير الرسمية عن رفع الأصوات العالية التي لا تتوقف عن الحديث عن تمكين المرأة، حتى بات تمكين المرأة وفتح الأبواب أمام مساهمتها هي أقوى الأوراق للنجاح في الانتخابات، برلمانية كانت أم بلدية بل وحتى لبعض مؤسسات المجتمع المدني. وكأنما هناك إصرار - بوعي أو من دون وعي - على الاستمرار في استغلال المرأة وإن تعددت تلك الصور، أو تطورت وفقا لتطور المجتمع.
ولعل هذا التوجه الاستغلالي البشع تجاه المرأة هو الذي يعطينا التفسير العلمي لعدم خلو برنامج مؤسسة حاكمة أو معارضة من فصل يتحدث بنبرة حادة وبصوت عال عن جهوده في تمكين المرأة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر ما جاء في برنامج الحزب الوطني الديمقراطي الذي تحتضن شعاره عبارة "فكر جديد" ما يأتي:
وفى ضوء الرؤية السابقة تسعى سياسات تمكين المرأة إلى تحقيق الأهداف الآتية:
1- إدماج مكون المرأة في كل السياسات العامة ذات الصلة.
2- تمكين المرأة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.
3- توسيع مشاركة المرأة في الحياة العامة.
4- القضاء على أي صور للتمييز ضد المرأة.
ولربما حان الوقت الذي نغادر فيه، كعرب، مواقع الضجيج الإعلامي بشأن المرأة وتمكينها إلى مقاعد الدراسات الميدانية عن مساهماتها الفعلية في الاقتصاد والتنمية. فدراسة جادة وصادقة قائمة على معلومات حقيقية مستقاة من الواقع ربما تكون أكثر جدوى من عشرات المؤتمرات الإعلامية والبرامج الإعلانية. ولذلك وبدلا من صرف الأموال على تقارير تنمية عامة وتعالج الأمور بشكل أفقي خجول، آن لنا أن ننطلق نحو دراسات ميدانية عمودية وجريئة تضع الأمور في نصابها وتضع أقدامنا على الطريق الصحيحة والقصيرة والمباشرة.
وإلى أن نشهد ذلك اليوم، لا يمكن لأي من كان أن ينكر دور المرأة العربية على رغم كل محاولات النفي المقصودة أو غير المقصودة لتلك المرأة، أو برامج المصادرة لإنجازاتها وتضحياتها وحقوقها المدروسة أو العفوية
العدد 972 - الأربعاء 04 مايو 2005م الموافق 25 ربيع الاول 1426هـ