سلطت الصحف العبرية والغربية الضوء على وضعية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والقيادة الفلسطينية في ظل الهجوم العنيف الذي تشنه "إسرائيل" على رئيس السلطة محمود عباس "أبومازن" الذي تتهمه بالعمل على "تقوية" فصائل المقاومة الفلسطينية بدلا من تفكيكها، والفشل في اتخاذ خطوات جذرية لوضع حد "للإرهاب" ونقض عباس التزاماته في شرم الشيخ، فيما تروج معلومات إسرائيلية أن بلدات كثيرة ستطالها صواريخ الفلسطينيين بعد الجلاء عن غزة، على رغم وجود تقارير تفيد أن الأمن الإسرائيلي يتحسن باطراد. كما عرجت الصحف على الجولة الثانية من الانتخابات البلدية الفلسطينية متوقعة أن تشهد منافسة متقاربة بين "حماس" و"فتح" وتناول أحد التقارير مشروعات تعدها مراكز أميركية للدولة الفلسطينية، لكن اللافت فيها كما يقول كاتب التقرير أنها "خرافية" ولا تمت إلى الواقع بصلة.
وأشارت مولي مور في "واشنطن بوست" في تقرير إلى أن عباس يواجه عقبة أساسية خلال محاولته القيام بإصلاحات أمنية، تتمثل في اختلاف وجهات نظر بين الفلسطينيين والإسرائيليين حيال الفصائل الفلسطينية من جهة وقوات الشرطة من جهة أخرى. ففي حين تعمل السلطة على دمج عناصر المقاومة في صفوف قوات الأمن، تنظر "إسرائيل" إليهم على أنهم "إرهابيون". وهي إذ تريد من قوات الأمن الفلسطينية أن تضع حدا للعمليات المسلحة وأن تعتقل "الانتحاريين"، ترفض أي اقتراح بدمج هؤلاء العناصر في صفوف الأمن الفلسطيني يسمح لهم بالحفاظ على أسلحتهم. في حين أن الفلسطينيين الذين يرغبون أيضا من الشرطة حمايتهم من الجرائم من جهة ومن الاجتياحات الإسرائيلية من جهة أخرى، يؤيدون هذا الدمج. ورأت أن هذا الخلاف عرقل تقدم مشروعات عباس الإصلاحية الأمر الذي أتاح للإسرائيليين اتهامه بأنه لم يقم بما يكفي من أجل مكافحة "الإرهاب"، لافتة في هذا السياق إلى أن الإصلاحات الأمنية هي مسألة ملحة جدا وخصوصا أن الحكومة الإسرائيلية تخطط للانسحاب من غزة وشمال الضفة الغربية هذا الصيف. من جهة أخرى أشارت مور، إلى أن الإسرائيليين لا يميزون أيضا بين قوات الأمن الفلسطينية وعناصر الفصائل، وهو ما تبلور بشكل واضح عندما توغلت القوات الإسرائيلية في مدينة نابلس وأطلقت النار على مركز للشرطة الفلسطينية، لافتة إلى أن المسئولين الإسرائيليين أعلنوا في وقت لاحق أن القوات الإسرائيلية دخلت نابلس بقصد توقيف مطلوبين. وذكرت أنه خلال أعوام الانتفاضة الثانية قام الجيش الإسرائيلي بقصف وتدمير مراكز الشرطة الفلسطينية ومنع عناصرها من حمل السلاح، وأن الإسرائيليين يواصلون اتهام عناصر الشرطة الفلسطينية بالمشاركة في تنفيذ هجمات ضد الإسرائيليين. إلا أن مور، حاولت تبرير التصرف الإسرائيلي بالإشارة إلى أنه في ديسمبر/ كانون الثاني الماضي فجر شرطي فلسطيني نفسه في حافلة إسرائيلية، ما أدى إلى سقوط 11 إسرائيليا. واستنتجت في الختام أن رفض الحكومة الإسرائيلية تزويد عناصر الشرطة الفلسطينيين بالسلاح ساواهم بـ "الإرهابيين" في نظر الجمهور الإسرائيلي. من جانبه، اعتبر هنري سيغمان في "هيرالد تريبيون" البريطانية، في مقال تحت عنوان: "السؤال الصحيح في الشرق الأوسط" أن السؤال الذي يجب أن يطرح في المنطقة ليس ما إذا كانت خطة الانسحاب من غزة ستمهد الطريق لإقامة دولة فلسطينية وإنما ما إذا كان من الممكن المحافظة على ديمومة "إسرائيل". فأوضح أنه يستحيل بقاء "إسرائيل" من دون إقامة دولة فلسطينية آمنة وقابلة للحياة. ورأى أن كيان "إسرائيل" بات مهددا الآن وذلك يعود لعدة عوامل. أولا، احتمال اتحاد الدول العربية من البحر المتوسط وصولا إلى نهر الأردن في وجه "إسرائيل" وخصوصا أن الفلسطينيين لن يتنازلوا عن الأراضي التي هي ضمن حدود العام 1967 ولا عن القدس عاصمة للدولة الفلسطينية. ثانيا، الاعتقاد الخاطئ لدى بعض الإسرائيليين بأن أميركا حليفة "إسرائيل" الأقوى، ستواصل دعم الدولة العبرية التي تمارس سياسات اقتصادية وأمنية قمعية ضد الفلسطينيين. وثالثا، الخطر الديمغرافي الذي يهدد "إسرائيل" بسبب ارتفاع معدلات الولادة لدى الفلسطينيين والعرب الإسرائيليين وهو ما يهدد بتحويل اليهود إلى أقلية والقضاء على الطابع اليهودي لـ "إسرائيل". من جهة أخرى، كشف ميرون بنفنستي في "هآرتس" أن منظمة "راند" الأميركية للأبحاث نشرت تقريرين الأسبوع الماضي يتضمنان توصيات وخططا لتعزيز فرص نجاح الدولة الفلسطينية بعد قيامها. وأضاف أن المنظمة أكدت أن التقريرين لا يتطرقان إلى مسائل تفاوضية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، بل يتضمنان خططا لفترة ما بعد قيام الدولة الفلسطينية فحسب. غير أنه رأى أن التقريرين يشبهان القصص الخرافية إذ إنهما يقترحان إقامة ممر جديد من شمال الضفة إلى غزة من خلال بناء خط للسكك الحديد وطريق عام وبنية تحتية تربط الضفة والقطاع، لافتا إلى أن أحد التقريرين ويحمل عنوان: "القوس: بنية منهجية لدولة فلسطينية"، يوصي ببناء خط سريع للسكك الحديد بين الضفة والقطاع يبلغ طوله 365 كلم وطريق عام بطول 230 كلم وقناة لجر المياه وشبكة للطاقة وخط من أسلاك الألياف البصرية. وعبر بنفنستي عن دهشته خصوصا لتوصيات المنظمة بإقامة حدائق ومحميات طبيعية حول مسار "القوس"، منتقدا المشروع لأنه لا يأخذ في الاعتبار أن كلما يتعلق بالأراضي الفلسطينية يعتمد على خيارات استراتيجية يتخذها صناع السياسة على الجانبين وخصوصا بشأن مسائل حساسة تتعلق بالتواصل الجغرافي للدولة الفلسطينية والمساحة التي ستمنح للفلسطينيين. وأضاف أن المنظمة وضعت توصياتها متجاهلة وجود مستوطنات يهودية في الأراضي الفلسطينية من شأنها أن تعوق تنفيذ مشروع "القوس"، الأمر الذي يحول المشروع إلى مجرد قصة خرافية لا تمت إلى الواقع بأية صلة.
واعتبرت "يديعوت أحرونوت" أن المفروض أن يخفف الانفصال من حدة الاحتكاك مع الفلسطينيين، لكن يبدو ان الأمر لن يكون على هذا النحو. لكن إسرائيل هاريل في "هآرتس" توقع في مقال تحت عنوان: "هل حقا لم نتعلم شيئا؟" أن تشهد "إسرائيل" بعد تنفيذ خطة الفصل تحسنا ملحوظا على مستوى علاقاتها الخارجية إلى جانب تعزيز التماسك الداخلي وضمان حماية أمن "إسرائيل". ولفت إلى أن وزارة الدفاع تعمل بكل الوسائل لضمان حماية الإسرائيليين وها هي اليوم تتجه لإقامة جدار فصل جديد مواز للجدار الذي يحيط بغزة "في إشارة إلى الجدار الذي تنوي "إسرائيل" بناءه في الخليل". وأضاف أن المسئولين الأمنيين يؤكدون أن ثمة احتمالات ضئيلة جدا لاندلاع أعمال عنف في الضفة بعد الانسحاب من غزة على عكس ما يروج له. فقد قرر الجيش الإسرائيلي إعلان الحدود مع مصر منطقة أمنية مقفلة، لأن مصر تشكل المصدر الرئيسي للأسلحة والمواد المتفجرة للفلسطينيين لضرب مناطق حيوية ومكتظة مثل مطار بن غوريون. كما سيتم إرسال أعداد كبيرة من القوات إلى منطقة الحدود مع مصر ومن بينها وحدات النخبة. وعبر عن تأييده لخطة الانسحاب من غزة ولجدار الفصل باعتبار أنهما الوسيلتان الأفضل لحماية الإسرائيليين والسماح لهم بالعيش من دون خوف، مشيرا إلى أنه يبدو أن الإسرائيليين تعلموا من التاريخ وخصوصا المحارق التي تعرضوا لها على أيدي القوات النازية واختاروا أن يحموا أنفسهم بأنفسهم من دون طلب أية مساعدة خارجية
العدد 974 - الجمعة 06 مايو 2005م الموافق 27 ربيع الاول 1426هـ