العدد 982 - السبت 14 مايو 2005م الموافق 05 ربيع الثاني 1426هـ

قاموس أبجدي أولي للدخول إلى عوالم "كان" المعقدة

بعد انتصارات سينمائية عدة حققها في وطنه بالتبني، المانيا، ومنها فوزه بالدب الذهبي في مهرجان برلين قبل عامين، يعود فاتح أكين إلى وطنه الأم تركيا، ليقدم في فيلمه الجديد "عبور الجسر" صورة مفاجئة لمدينة اسطنبول.

هنا على مدى ساعة ونصف الساعة يجد المتفرج على الفيلم نفسه على ابواب الشرق ولا سيما من خلال الموسيقى إذ يخبره المخرج انه سيسمع اسطنبول وهو مغمض العينين "نقلا عن قصيدة تركية شهيرة" لكن لن يكون مغمض العينين وهو يشاهد أفلام المهرجان، فهو عضو في لجنة التحكيم، تحت رئاسة امير كوستوريتسا: تركي تحت إمرة بلقاني! من كان يحلم بهذا لقرون خلت؟

أفلام أولى

في المسابقة الرسمية، وفي نظرة ما "... أعداد لا تحصى من الافلام الأولى، في ظاهرة تبدو هذا العام استثنائية تماما كما لو أن مهرجان "كان" الذي كان قدم خلال العقود الماضية أول أفلام من اصبحوا اليوم مخضرمين، بدأ يستعد للعقود المقبلة: 11 فيلما هي أول نتاجات أصحابها في التظاهرات الأساسية فأي مهرجان آخر في العالم يمكنه ان ينافس هنا؟ اي مهرجان يجرؤ على مثل هذا؟

تكريم

أخيرا حان دور جان رينوار "مخرج النصف الأول من القرن العشرين في فرنسا" من ناحية، وجيمس دين "أول اسطورة شبابية في القرن نفسه من ناحية أخرى". الاثنان حاضران في "كان" هذا العام بقوة... بأفلامهما وبصور عن حياتهما. الهوة بينهما واسعة طبعا. واذ يبدو رينوار بطلته واسلوبه السينمائي وموضوعاته منتميا إلى عوالم صارت بعيدة بعيدة... يبدو جيمس دين حديثا جدا. ومع هذا - ويا للعجب - مات جيمس دين قبل رينوار بعشرين سنة. اوليست هذه معجزة سينمائية اخرى؟ التكريم أيضا لمايكل باول، ولسيتاجين راي "الهندي" وللسينما المكسيكية ولكن... عبر الاسباني لويس بونويل.

جيمس دين

لو لم تكن هناك جنازة رودولف فالنتينو قبل جنازة جيمس دين بعقدين لكان يصح ان نقول إن جنازة فتى هوليود المشاكس،إذ قتل في حادث سيارة العام 5591، اكبر حدث في تاريخ عاصمة السينما وعلى هذا فإن فالنتينو عاش حياته السينمائية طويلا ومثل عشرات الأفلام. أما جيمس دين فلم تعرف يطولته سوى ثلاثة أفلام: "ثائر من دون قضية"، "شرقي عدن" و"العملاق"، ومع هذا فإن جيمس دين حي. يشهد على هذا تدفق "الكانيون" إلى قراءة كل ما يكتب الآن عنه. إلى مشاهدة فيلمين له على الأقل، معروضين وإلى الحديث عنه كأنه لايزال حيا. هل نتحدث ايضا عن معجزة السينما؟

حرب النجوم

هل يفعلها أو لا يفعلها؟ هل تكون الحلقة الجديدة من "حرب النجوم" آخر أعمال جورج لوكاست عن تلك "الصراعات المدمرة" التي بدأ يحدثنا عنها، منذ السبعينات في أفلام، بلغ عددها ستة... وعائداتها ما يساوي الموازنة السنوية لثلاث وعشرين دولة إفريقية؟ سواء اكان الفيلم الذي يفتتح عروضه الآن في "كان" الأخير أو لم يكن، واضح أنه واحد من الحوادث السينمائية الاكبر هنا في المهرجان، أو على الاقل هذا ما توحي به اللوحات الإعلانية العملاقة، حتى لو ان كبار النقاد وأهل السينما يؤكدون أنهم ليسوا... على عجلة من أمرهم لمشاهدته وانه "قد لا يليق بكان"!

درس السينما

من جديد يمكن للمهتمين في المهرجان أن يستفيدوا من دروس سينمائية مجانية... والاستاذ هذه المرة هو المخرج الافريقي - السنغالي الكبير سمبان عثمان، الذي يقف ليقول أمام "الطلاب" كلاما كثيرا عن إفريقيا والسينما. ويقول لهم خصوصا "لا أعرف ابدا لماذا أحقق افلاما، لكني أعرف جيدا ان ثمة شيئا يسكنني وعلي ان اشهد على ما يحدث في زمني". في المقابل اعطت كاترين دونوف درس التمثيل مؤكدة للحضور "لا ريب ان هذا ليس درسا... لكنه حوار عن السينما، وعن الناس الذين يعشقونها. عن الذين في النور والذين في العتمة".

روك اند رول

من قمة الهرم، وصولا إلى الموسيقى المنتشرة في شوارع "كان" وأزقتها يحضر الروك اند رول بقوة... وقمة الهرم هي هنا أمير كوستورينسا، المخرج البوسني "رئيس لجنة التحكيم الذي يفتخر دائما بأنه حين لا يحقق فيلما، يعزف ضمن فرقة روك خاصة به، وتضم ابنيه إلى جانبه واسمها "سموكنغ" لكن الروك بشكل أكثر جدية، موجود في الفيلم الحدث "آخر الأيام" لفاس فان سانت، ذلك ان الفيلم يتحدث تحديدا عن انتحار مغني الروك كورث كوبين، من فرقة الشرفانا. مع هذا الفيلم عادت فجأة إلى الواجهة أمور كثيرة، الروك والمخدرات، والانتحار... انها سمات العصر بامتياز، وصورها فان سانت بقوة. جاعلا من الروك اساسا لها... ترى، ألم يكن التزاوج خلافا دائما بين السينما والروك؟

سلمى حايك

بقامتها القصيرة ولونها البرونزي، بنظرتها الحادة وابتسامتها الغامضة. سلمى حايك المكسيكية ذات الاصول اللبنانية الجيدة، تمشي في الشارع في "كان" مسرورة بأن يبادلها الناس الابتسامة. لكنها ترفض اي كلام، انها هنا في مهمة رسمية حتى وان كانت لها افلام تعرض. هي عضو في لجنة تحكيم المسابقة الرسمية. اذا، شيء من الصمت... فالسيدة تحب السينما وكانت وعدت من قبل وصولها بأن تبرهن مع لجنة التحكيم، على هذا الحب.

العراق

هل لأن ثمة حربا في العراق؟ وهل لأن القضية الكردية هي واحدة من القضايا التي تحرك الغرب في هذه الأيام؟ وهل لأن الأكراد اكتشفوا من جديد بعد وصول زعيم سياسي كردي إلى سدة الرئاسة في العراق؟ ربما لكل هذا، ولكن ليس بالتأكيد، لأن الفيلم المقدم باسم العراق تحفة تستأهل أن تشارك في المسابقة الرسمية "الحضور العربي الوحيد فيها". المهم أن اسما جديدا يطل الآن على الساحة السينمائية العربية من خلال فيلم - كيلومتر صفر - أقلنا العربية؟ عفوا... المخرج واسمه هاينر سليم لا يريد هذا لو أراد لبدا متناقضا مع نفسه، ففي فيلمه كم من العنصرية ضد العرب، لو كان موجودا في فيلم فرنسي أو ألماني لانتفض الناس أجمعون! قيل لنا ان مخرجه كان يود تقديمه باسم كردستان، ولكن المهرجان رفض لأن كردستان لا وجود لها كدولة رسمية، مسكين المخرج؟

عنف سياسي

حسنا، هناك أفلام عنيفة، وهناك عنف في الحياة الواقعية، وعلى شاشات التلفزة يفوق كل ما يمكن للسينما أن تقدمه، ولكن هناك في كان هذا العام فيلما استثنائيا لا يحدثنا عن العنف "السياسي" الذي نعيشه وعشناه منذ أفغانستان إلى العراق وفلسطين مرورا بالحادي عشر من سبتمبر/أيلول، بل يحدثنا عن جذوره.

غاص في التاريخ الراهن ليطلع بشخصيتين، هما بالنسبة إليه متكاملتان ومتشابهتان، سيد قطب أحد أقطاب التفكير المتطرف الإسلامي، وليو ستراوس، معلم أصحاب الفكر المحافظ الجديد في أميركا، معركة الاثنين، كما يقول الفيلم، واحدة يريدان تطهير المجتمع من كل الموبقات، ولو كلف ذلك ملايين الأرواح، وقدرا كبيرا من الدمار ورعبا حارا وباردا، الحار فيها كل مكان في أيامنا هذه، والبارد في اوصال الذين شاهدوا الفيلم طوال ما يزيد على ساعتين ونصف الساعة.

فلسطين

خلال السنوات الفائتة كان لفلسطين حضور طيب في الكثير من دورات "كان"، بل ان فلسطينيا هو إيليا سليمان فاز بجائزة أساسية عن "يد إلهية" قبل سنوات مسجلا بذلك أكبر انتصار سينمائي لفلسطين في تاريخها. من بعده خيل إلينا أن الحركة ستتصاعد، ولكن اليوم لاشيء. السينما الفلسطينية غائبة ومع هذا ففلسطين نفسها حاضرة، وكما يجب إلى حد ما في أفلام... إسرائيلية وخصوصا لدى آفي مغرني وعاموس غيتاي. الأول من خلال شريط وثائقي يصور معاناة الفلسطينيين تحت سلطة الاحتلال، والثاني من خلال فيلم روائي عن لقاء بين نساء ثلاث "واحدة فلسطينية وثانية يهودية وثالثة مسيحية" يقول مأساة الهوية المتضاربة، وليس الاثنان منشقين تماما، ولكنها بفكر حر، ورصد موضوعي يدنوان من الحقيقة. فيلماهما يذكراننا كم أن الهوة عميقة بين السياسيين والمثقفين المبدعين في "إسرائيل"، وخصوصا إذا علمنا أن عددا كبيرا من الأفلام التي تنتج سنويا في الدولة العبرية، ليبرالي يتعاطى مع القضية الفسطينية من موقع ليبرالي.

كوستوريتسا

أمير كوستوريتسا بوسني، ولكنه كان إلى فترة قريبة يفضل أن يقول أنه "آخر اليوغوسلافيين". والمواطن الوحيد لبلد لم يعد موجودا بعد ذلك سكت عن الموضوع في حواراته على الأقل، وراح يركز على عمله السينمائي - الذي يقول في أعماقه الشيء نفسه على أية حال - فمن يفز مرتين بالسعفة الذهبية، ومرة بجائزة النقاد الكبرى، يجب عليه أن يستوعب وضعيته السينمائية أكثر. ومن هنا، منذ اختير كوستوريتسا ليرأس لجنة تحكيم "كان" لهذا العام قالها بوضوح: البعد السينمائي سيكون معياري الأول والأخير، إذا! آه لو كان هو رئيس لجنة التحكيم في العام الفائت، لكان أمل مايكل مور بالسعفة اختفى تماما، المهم، هل ينفذ كوستوريتسا وعده ويعطينا يوم الختام نتائج مدهشة كما يقول؟ سنرى.

لارس فون تراير

لارس لا يقل سينمائية عن امير وهو بدوره كرم في "كان" مرات كثيرة. هذه المرة يعود بغرابة أطواره المعتادة، ولكن بفنه السينمائي الكبير، يحمل إلينا هذه المرة الجزء الثاني من ثلاثيته "الولايات المتحدة" فيلمه "ماندرلاي" يأتي تاليا لتحفته السابقة "دوغفيل". "دوغفيل" ناله ظلم كبير في "كان" قبل الماضي. وهو يومها زعل كثيرا، فهل يعوضه كوستوريتسا ويعطيه جائزة كبرى هذا العام؟ سواء أحدث هذا أو لم يحدث بات مؤكدا أن الجزء الثالث من الثلاثية لن يحقق قريبا، ذلك أن تراير أعلن أنه قبل الشروع فيه سيعود إلى "دوغما 59" ليحقق فيلما بسيطا زهيد الكلفة يستريح فيه بعض الشيء. لسنتين خلتا كنا اعتقدنا أن سينما "دوغما 59" الزهيدة صارت من الماضي! ألم نقل لكم أنه غريب الأطوار هذا الدنماركي المشاكس؟

نيكي كريمي

الممثلة الإيرانية الحسناء نيكي كريمي لا أطوار غريبة لديها، عقلانية حتى النخاع، يسمونها في إيران "مارلين مونرو" الإيرانية، وهي استاءت من هذا اللقب كثيرا، إلى درجة أنها قررت أن تؤكد لهم أنها فنانة مبدعة وليست جسدا وجمالا. فكان فيلمها الأول المعروض اليوم في تظاهرة "نظرة ما" وعنوانه: "ذات ليلة" نيكي لا تمثل في هذا الفيلم، للأسف، بل تكتفي بالوقوف وراء الكاميرا لتروي لنا ثلاث حكايات من خلال حكاية واحدة، فتاة تتجول ليلا في طهران وتلتقي ثلاثة رجال لكل منهم حكاية، وكاميرا كريمي تصور هذا كله.

وودي ألن

وودي بدوره لا يمثل في فيلمه الجديد "ضريبة المباراة"، ولكن ليس هذا هو السبب الوحيد الذي يجعل من هذا الفيلم تحفة استثنائية في "كان" وفي مسار وودي ألن أيضا، هنا أمامنا حكاية ولغة كلاسيكية وفيلم كبير، لن نقول المزيد هنا، فنتوقف عنده لكي نعود إليه

العدد 982 - السبت 14 مايو 2005م الموافق 05 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً