العدد 2928 - السبت 11 سبتمبر 2010م الموافق 02 شوال 1431هـ

باكستان: أقل ما في الأمر أن يأتي أحد للاستماع لشكوانا

علت شوارع مدينة تاتا الواقعة على بعد 200 كلم شرق كراتشي صيحات تنذر بوصول المياه، وهرع أصحاب المتاجر لإقفالها في الوقت الذي ازدحمت فيه النساء والأطفال وبعض الممتلكات القليلة في شاحنات متجهة إلى منطقة ماكلي على التلال المجاورة التي تبعد نوعاً ما عن المدينة المهددة. أغلق التجار محالهم وعملوا ما في وسعهم لتعزيز أبوابها ضد الماء واللصوص.

ففي 28 أغسطس/ آب الماضي، تدفقت المياه عبر إحدى الفتحات الناجمة عن انهيار أجزاء من السد الواقع على نهر الإندوس لتغمر إحدى ضواحي تاتا، وهي بلدة يقطنها نحو 200,000 شخص وتشكل ميناءً كبيراً على بحر العرب حيث يصب النهر.

وبحلول المساء كان الهدوء يعم المدينة التي لم تكن تجوبها سوى قلة قليلة فقط من الناس. كان شيخان جالسين يتحدثان وكلهما ثقة في أن منسوب مياه نهر الإندوس لن يرتفع بشكل ينذر بالخطر. وفي الصباح، كان تدفق الماء قد تباطأ بالفعل بعد أن تم تحويل مجراه، ولكن لم يكن أحد على يقين تام بزوال الخطر.

مأساة أكبر

في غضون ذلك، كانت مأساة أكبر تتكشف في ماكلي التي تأوي نحو 30,000 شخص. استقبلت المدينة مئات الآلاف الذين قدموا إليها من تاتا بحثاً عن المأوى لدى الأقارب والأصدقاء. كما فر ما بين 100,000 و150,000 شخص من قراهم المغمورة بالمياه لينتهي بهم المطاف في كل جزء من أجزاء المدينة.

وفي تقرير لوكالة (إيرين)، ذكرت الوكالة أن كل الوافدين يحتاجون للماء والغذاء ولذلك يصطف المئات منهم على طول الطرق الرئيسية في انتظار قدوم سيارة محملة بالمعونات يحصلون منها على الدقيق أو الماء. ويتسابق الجميع للحصول على الأكياس القليلة التي ترميها السيارات باتجاههم ليتحول المشهد سريعاً إلى مشهد عنيف. ويعلق أحد النازحين على ما يحصل وقد اغرورقت عيناه بالدموع قائلاً: «لقد أصبحنا مثل الحيوانات، فالجوع يبرز الجانب الأسوأ في الكائنات».

ويدخل المتضررون في مواجهات حول كل قارورة ماء أو كيس غذاء، ويتعرض الناس للأذى في كل يوم. ففي الأسبوع الماضي، لقيت امرأة مصرعها بعد إحدى هذه المواجهات. ويقول رحيم دينو، الذي أصيب بجرح بليغ في رأسه بعد أن خسر كيس الدقيق الذي كان قد حصل عليه: «لا أحب ما أقوم به ولكن لابد لي من القيام بذلك، فسينفذ ما لدينا من دقيق في غضون يومين وعلي أن أتدبر الطعام لأطفالي». وتقوم سيارات المانحين برمي قوارير المياه ورزم الغذاء أثناء عبورها، ويلحق بها اليائسون من المتضررين أملاً في الحصول على المساعدات. ويعلق الله رخاء، الذي فر من قريته قبل ثلاثة أيام، على ذلك بقوله: «نحن لسنا كلاباً. آمر أطفالي بعدم الخروج إلى الطريق وأفضل الموت على القيام بذلك».

ويأتي السياسيون، يتأملون الوضع قليلاً ثم يغادرون في سياراتهم. وهناك عدد قليل فقط من الخيام بعضها مقدمة من بعض الأحزاب السياسية. ويراقب رجال الشرطة والجنود الحشد ولكن لا يبدو أن أحداً منهم مسئول عما يحدث. يجلس الرجال والنساء والأطفال والرضع على الأرض في العراء تحت المطر، ويقع العديد منهم ضحية الحرارة التي تتجاوز 30 درجة مئوية.

لم يشهد سكان ماكلي هذا العدد الهائل من الناس الذي تعج بهم ساحات المستشفى والحديقة العامة وحتى المقبرة. ويعلق أحد كبار السن من سكان المنطقة على ذلك بقوله: «هذا شبيه بما كان عليه الوضع وقت تقسيم باكستان والهند ووفود اللاجئين إلى هنا». ويقول زهار خان، سائق سيارة الأجرة التي أقلتني من كراتشي إنه لم يشهد مثل هذا العوز من قبل. ويتعجب وكأنه لا يصدق ما يرى قائلاً: «إنها النهاية»، فهناك 15 شخصاً من قريته يقيمون في منزله المكون من غرفة واحدة في كراتشي. وفي طريقنا إلى ماكلي، شاهدنا رجلاً وامرأة فاقدا الوعي على جانب الطريق في الوقت الذي تحاول الأسر التي تخيم بالقرب من هناك جمع القليل مما تبقى لديها من سكر وملح لصنع محلول لإعادة إماهة المرأة. قمنا أنا وزهار وأصغر علي، وهو مسؤول من منظمة سند راديانت غير الحكومية، بمساعدتهما ونقلناهما بسيارة الأجرة إلى أقرب عيادة متنقلة على بعد بضعة كيلومترات من المكان.

وفي هذا السياق، أفاد فواد حسين، من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (أوتشا)، الذي يتولى تنسيق استجابة المنظمات غير الحكومية في إقليم السند في جنوب باكستان: «لقد اندلعت الأزمة في إقليم السند الجنوبي (حيث تقع مدينة تاتا) ولا تزال تتكشف حتى الآن. ولكننا تمكنا، بالرغم من محدودية الموارد، من تحقيق استقرار في الوضع في الشمال».

الحسرة والأسى

وأوضح حسين أنه يفتقر للموارد الضرورية للاستجابة، مشيراً إلى أن منظمات الأمم المتحدة تعمل فوق طاقتها. وأخبر شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنه تمكن من تأمين10,000 خيمة، معلقاً على ذلك بقوله: «أدرك أنه عدد قليل جداً ولكنه يستطيع توفير المأوى لما لا يقل عن50,000 شخص. لا بد من توصيل الخيام إلى هناك ماكلي] في غضون يوم أو يومين».

كما قال أن تسييس المساعدات قضية أخرى ينبغي معالجتها. «فوفقاً لمبادئ المساعدات الإنسانية، إذا رغبت جهات سياسية بالإسهام في جهود الإغاثة، فلا بد أن تقوم بذلك «لأسباب غير سياسية»

العدد 2928 - السبت 11 سبتمبر 2010م الموافق 02 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:31 ص

      نحن اخوانكم

      ان النسان لا يعرف لماذا أتت هاذه الفيضانات لان غضب الله لا يأخر

اقرأ ايضاً