العدد 2934 - الجمعة 17 سبتمبر 2010م الموافق 08 شوال 1431هـ

المنغروف في خطر

تتناقص غابات المنغروف النادرة بمعدل أعلى ثلاثة الى أربعة أضعاف من خسارة الغابات البرية، على رغم الجهود التي تبذلها بعض البلدان لاستعادتها. وقد زال نحو خُـمس هذه الغابات منذ ثمانينات القرن العشرين. هذا ما أظهره «الأطلس العالمي للمنغـروف» الصادر حديثاً بجهد مشترك من منظمات دولية وباحثين عالميين. وعلى رغم أن الخسائر تتباطأ بنسبة 0,7 في المئة سنوياً، يحذر واضعو الأطلس من أن أي تدمير إضافي لغابات المنغروف، بتحويلها الى مزارع لتربية الروبيان (الجمبري) وتنفيذ مشاريع التنمية الساحلية، يسبب تـراجعاً اقتصادياً وايكولوجياً جوهرياً.

تقدر التقييمات الاقتصادية أن غابات المنغـروف تولد ما بين 2000 و9000 دولار للهكتار سنوياً، أي ما يزيد كثيراً على استعمالات بديلة مثل تربية الأسماك وثمار البحر والزراعة والسياحة المكثفة. ولكن ثمة اتجاهات ايجابية. فجهود استعادة غابات المنغـروف تشمل حالياً نحو 400 ألف هكتـار، حيث البلدان البعيدة النظر تربط بين هذه الغابات الساحلية وخدمات مهمة اقتصادياً، من دفاعات ضد الفيضانات وموائل لنمو الأسماك الى تخزين الكربون لمكافحة تغير المناخ.

يشير الأطلس الى أن مساحة غابات المنغـروف في العالم تبلـغ 150 ألف كيلومتر مربع، ما يقل بعض الشيء عن مساحة سورية. وهي تنتشر بـراً وبحـراً في 123 بلـداً ضـمن مناطق استوائية وشبه استوائية. وتتوافر أكبر المساحات في بلدان مثل إندونيسيا التي تملك 21 في المئة من غابات المنغروف العالمية، والبرازيل (9 في المئة)، وأستراليا (7 في المئة)، والمكسيك (5 في المئة)، ونيجيريا (5 في المئة).

أكبر عوامل خسـارة غابات المنغـروف هي تحويلهـا المباشـر الى استعمالات مثل تربيـة الأحياء المائية والزراعة والتوسع المُدني. وغالباً ما تكون المناطق الساحلية مكتظة بالسكان ويكون الضغط على الأراضي قوياً فيزحف العمران عليها. وحيثما تبقى غابات المنغـروف، فهي غالباً ما تكون متدهورة بسبب الحصاد الجائر. وحيثما تتم تعرية بقع كبيرة لتربية الروبيان، غالباً ما تتـرك الأرباح السريعة إرثاً من الديون الطويلة الأجل والفقر يصعب عكسه.

وترى منظمة الأغذية والزراعة (فاو) أن خسائر غابات المنغروف كبيرة ومستمرة، فقد فُقد نحـو 35,600 كيلومتر مربع بين العامين 1980 و2005. وفيما لا تتوافر تقديرات دقيقة للغطاء الأصلي، هناك اجماع على أنه كان يزيد على 200 ألف كيلومتر مربع، وفقد منه أكثر من 50 ألف كيلومتر مربع نتيجة تدخل بشري. ويتم حالياً غرس أشجار المنغـروف والتشجيع على تنميتهـا من خلال نشاطات مثل تنظيف المواقع وتأهيلها وإزالة النفايات. ومن الأمثلة على ذلك ما يحدث في أستراليا وبنغلاديش وبنين والبرازيل وكوبا والهند واندونيسيا وباكستان والفلبين وتايلنـد وفيتنام. وقد بدأت بعض دول الخليج العربية تبذل جهوداً في هذا المضمار.


حزام أخضر ودفاع بحري

تساهم أشجار المنغروف في تأمين سبل العيش محلياً وعالمياً من خلال توفير موارد غابية، مثل الاخشاب وحطب الوقود ومواد البناء ومنتجات غير خشبية. وهي تشكل حزاماً أخضر ونظاماً لاحتجار الكربون، يحمي المناطق الساحلية من كوارث طبيعية مثل أمواج المد العاتية (تسونامي) والأعاصير والتآكل الناتج من ارتفاع مستوى البحر، وخصوصاً في البلدان القائمة على جزر صغيرة. وهناك دلائل جيدة على أن المنغروف خفف أثر تسونامي المحيط الهندي العام 2004 في عدد من المواقع.

ويحدث تخزين كبير للكربون العضوي في أتربة المنغروف، ما يعني دوراً كبيراً في عملية تخفيف أثر تغير المناخ. وتشير تقديرات أولية الى أن اجمالي الكتلة الحيوية فوق الأرض لغابات المنغروف في العالم يزيد على 3700 مليون طن من الكربون، وأن عزل الكربون مباشرة في رسوبيات المنغروف قد يصل الى 17 مليون طن في السنة.

وأشجار المنغروف هي أيضاً من أهم الموائل الواقعة ضمن نطاق المد والجزر لمصايد الأسماك البحرية والساحلية. وقُدر أنها تدعم 30 في المئة من محصول صيد الأسماك ونحو 100 في المئة من محصول صيد الروبيان في بلدان جنوب شرق آسيا، فيما يدعم المنغروف والموائل المرتبطة به في ولاية كوينزلاند الأوسترالية 75 في المئة من أنواع أسماك المصايد التجارية.

لكن اتجاهات الربح أو الخسارة المتعلقة بالمنغروف يمكن عكسها بشكل سريع وفعال. وقد ساهمت سياسات ومشاريع جديدة في زرع المنغـروف على نطاق واسع في الفلبين. وأدت سياسات جديدة الى تعويض خسارة المنغروف من خلال اعادة الزرع أو التجديد، كما حصل في ولاية فلوريدا الأميركية وأستراليا. وعمدت بلدان مثل المكسيك وبيليز وتنزانيا وموزمبيق الى تكريس حماية قانونية لغابات المنغروف، بهدف ضبط النشاطات التدميرية عبر فرض نظم صارمة للتراخيص. أما في ماليزيا، فتسود ملكية الدولة للمنغروف، ما يتيح إمكانات أكبر لحمايته ووقف تدهوره. وتبقى مساحات كبيرة منه في محميات غابية، تدار من أجل انتاج الخشب والفحم، مع ما يرافقها من فوائد للمصايد.

يبقى أن تعمد البلدان العربية التي ما زالت تملك بعض الثروة من غابات المنغروف الى بذل جهود أكبر لحمايتها وتجديدها، فتكسب قيمة مضافة لبيئتها البحرية واقتصادها الوطني.

العدد 2934 - الجمعة 17 سبتمبر 2010م الموافق 08 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً