«الدراما التركية تقترب من المشاهد العربي وتحاكي بعض قضاياه ومشاكله»، عبارة طرحها الكثيرون خلال الفترة الماضية، وخصوصا مع بدايات الأعمال التركية التي شدت ملايين المشاهدين العرب لقصة «نور ومهند» أو «يحيى ولميس» (سنوات الضياع)، إلا أن الفضائيات العربية التي تبحث عن أي شيء يجذب العيون لشاشاتها، لم تستطع أن تكتفي بجرعة أو جرعتين أو ثلاث من هذه الأعمال التي روجتها على أساس أنها مسلسلات تمثل في جزء منها الواقع العربي، وتقترب من حياتنا بقدر اختلافها. على خلاف المسلسلات المكسيكية أو الفنزويلية التي باتت محط سخرية ورفض في غالب الأحيان لدى المشاهد الذي ملّ من كثرة تكرار قصصها وبعدها عن نمط عيشه.
ولعل طرح فكرة الأسرة التي تعيش مع بعضها البعض، فيتكاتف أفرادها في السراء والضراء كما حاول مسلسل «نور» أن يطرح في بعض جوانبه، أو الحاجة للتواصل ما بين الأزواج كما هي الفكرة في مسلسل «لحظة وداع»، أو أنماط العلاقات في الريف والصراع الذي قد يدور بسبب بعض التقاليد والعادات، وهي الفكرة التي أثارت الكثير من الجدل في بعض الدول العربية، والتي قُدمت في مسلسل «لا مكان لا وطن». جميعها أفكار قد تجد سبيلا لنموذج علاقاتنا الاجتماعية العربية المحافظة. وساعدت اللهجة المدبلجة «الشامية واللبنانية» في زيادة الإقبال والمتابعة لهذه المسلسلات التركية وكأنها تريد أن تقول أنهم مثلنا تماما ويتكلمون لجهتنا أيضا.
إلا أنه على رغم اقتراب هذه الأفكار من المشاهد، فإن التفاصيل التي تقوم عليها هذه الأعمال لا تجد لها منفذ واقعي لحياتنا، فليس من الشائع أن يطارد الناس بعضهم البعض في الشوارع بالمسدسات، وتقتل العرائس وتختطف في الأعراس، ويتعرض البعض للضرب المبرح الذي لا يستثني مكانا من جسم متلقيه، ومن ثم يقف ليعود سيرا على الأقدام لمنزله، كما هو الحال في مسلسل «وتمضي الأيام». كما أننا لم نعتد في حياتنا أو على الأقل لم يسبق للكثيرين أن سمعوا عن زوجات يتركن بيوتهن وأولادهن ويصارعن المرض، ويحتجن لما يقارب 100 حلقة تلفزيونية لكي يفسرن سبب انقلاب حيات أسرتهن لأزواجهن، كما قدم مسلسل «لحظة وداع».
ويرى البعض أن العبارات التي حاولت مقاربة هذه الأعمال التي تكاد تشابه النموذج مسلسلات أميركا اللاتينية، المتمثلة بشكل أساسي بالأعمال المكسيكية، ما هي إلا وسيلة للترويج لها، ومحاولة لصنع نوع من التقارب والتواصل ما بينها وبين المشاهد العربي الذي يحظى اليوم بفرصة أن يختار وينتقد ويميز الصالح من الطالح، بفضل تنوع وتعدد الخيارات على الشاشات والمحطات التي تصل لبيته. وأنه على رغم كون الضرورة الدرامية لتطور أحداث العمل قد تؤدي لبعض التركيز والمبالغة في بعض الأحداث، إلا أن ما تصل به مجريات الأمور، أو ما تقوم عليه بعض هذه المسلسلات من أفكار، قد يحتوي على الكثير من الجموح والمبالغة والبعد بشكل خاص عن واقعنا.
من الأمور التي تنقد بشدة أيضا بشأن هذه الأعمال، أنها لم تعد مجرد مسلسلات تبث لساعة على الفضائيات، فلقد تحول الممثلون الأتراك الذين اعترف بعضهم بأنهم لا يمتلكون هذه الشهرة الكبيرة في بلادهم، إلى مشاهير عرب و أصحاب مثل عليا وشخصيات تحتشد لها المئات، في الساحات لانتظار قدومها. ولوجوه تسعى الفنانات لاستضافتهم في «فيديو كليباتهن» كما هو الحال مع الفنانة اللبنانية رولا سعد التي شاركت «مهند» في أحد أغانيها، والفنانة الأردنية ديانا كرزون التي تمثل فيديو كليب أغنيتها الجديد مع بطل مسلسل «وتمضي الأيام» (أسمر). و ليست هذه هي النهاية فقد دخل النجوم الأتراك إلى ساحة الإعلانات التجارية وصارت تركيا محط مسابقات وجوائز تقتاد منها بعض المحطات العربية.
وسواء أكانت هذه الأعمال تلقى نجاحا حقيقيا على الشاشات، أو أنها تعالج بعض المواضيع المهمة في مجتمعاتنا، تبقى أعمال لا تنتمي للمشاهد العربي، إما من جهة اختلاف البيئة الاجتماعية في كثير من تفاصيلها أو من ناحية اختلاف الرؤية الدرامية التركية عن الدراما العربية. ومهما كان الاختلاف فإن موضة المسلسلات التركية تبقى مرهونة إلى قانون العرض والطلب الذي يتحكم في سوق التلفزيون وشاشته الجاذبة وقدوم البرامج الجديدة والمختلفة.
العدد 2416 - الجمعة 17 أبريل 2009م الموافق 21 ربيع الثاني 1430هـ