العدد 1049 - الأربعاء 20 يوليو 2005م الموافق 13 جمادى الآخرة 1426هـ

مأساة بمعنى الكلمة ضحاياها عاملات مصانع الملابس الجاهزة

حين تستغل الحاجة وتنتهك الحقوق

هكذا هي أحوالهن في مصانع الملابس الجاهزة والنسيج، معاناة إثر معاناة، بدءا بالأجور المتدنية وانتهاء بالبيئة غير الصحية التي أثرت سلبا على عدد كبير من العاملات. .. فيا ترى، ما الذي يحدث في مصانع النسيج؟ وما هي حكاية العاملات المسرحات؟

بعض العاملات فتحن الملف وكشفن المستور بعد تسريحهن من بعض المصانع، تجمعن في مقر اتحاد نقابات العمال في العدلية وأخذن يروين ما حل بهن وما يواجهنه في المصانع... قصص جعلت الحاضرين تشخص أبصارهم ليحدقوا بالمتحدثات ربما غير مصدقين ما تره أعينهم وما تسمعه آذانهم.

تسريح العاملات وبداية المأساة

أم قاسم بدأت الحديث المـأسوي قائلة: "أنا امرأة متزوجة، وزوجي رجل عاطل عن العمل منذ سنتين، ولدي أولاد وكان الراتب المتدني والذي يصل إلى 105 دنانير يسد الشيء القليل، ولكن باب القليل سد بعد أن تم تسريحنا من المصنع... أين نذهب ومن أين نصرف على أولادنا، وحتى لو كان الأزواج يعملون فراتبهم لا يكفي للأسرة ولذلك تجشمنا العناء وعملنا في عمل لا يقبل به أي أحد والآن يتم تسريحنا...".

تتوقف أم قاسم عند هذه النقطة، تلوح في عينيها دمعة خجولة، تعصر حزنها المدفون وشجوها وتأبى أن تضعف أمام الحضور لينتقل الحديث إلى الأختين اليتيمتين وردة وأمينة.

تقول وردة: "نحن نعيش من دون الوالدين، ونصرف على 10 من أخواتنا في المنزل، وكان العمل يمثل لنا الكثير لأنه المصدر الوحيد لرزق هذه العائلة، لدينا أخ يسكن خارج المنزل، وأخت مطلقة مع أولادها تسكن معنا في المنزل"... تتحدر دموع وردة على وجنتيها، تحاول جاهدة أن تمسك نفسها ولكن عظم ما فيها يجبرها على ذلك "من يمد لنا يد العون، من يصرف على أخواتنا العشر".

زهراء، وهي إحدى العاملات في مصانع النسيج، تروي حكايتها "كنا نعمل 8 ساعات في اليوم، وطوال هذه الساعات نكون واقفات، ونظرا إلى ذلك سقطت أحشاء من الحوض، ولم يعد الجنين يثبت في محله لأعيش وأنا محرومة من نعمة رؤية الأطفال. وعلى رغم من ارتباطي بجمعيات وقروض، إلا إنني قررت ترك العمل من غير رجعة قبل أن تتضاعف الحالة".

وتأخذ مريم زمام الحديث "أنا متزوجة وأساعد زوجي في تدبير شئون المنزل، لدي بنت في الجامعة في كلية العلوم، وابن يدرس في بغداد ونحن ندفع تكاليف الدراسة لكليهما، وبعد تسريحنا من المصنع لم يعد دخلنا يكفي حتى للمنزل فكيف بتدبر مصروفات الدراسة لبنائنا".

وتنقل زينب عبدالله قصتها مع مسئول المصنع الذي كانت تعمل فيه وأغلق أخيرا، مشيرة إلى أن المسئول الآسيوي ضربها مرتين، على رغم أنها تعمل على الانتهاء من 1600 قطعة في الساعة الواحدة وذلك بمفردها، وحين تغيب يتكدس العمل ولا تكلف أية واحدة أخرى بإنجازه، وتقول: "تصوروا أننا ننهي هذا العمل ولكامل الدوام من دون الجلوس على الكرسي، وحجتهم أن العمل يتطلب الوقوف"... تختنق بعبرتها ويذهب الحديث إلى معاناة أخرى.

فقدت أصابعها في العمل...

كأن ساعات الزمن توقفت حين بدأت إحدى الموظفات المسرحات تروي مأساتها التي أبكت الحضور، كانت تعمل في قسم من أقسام المصنع والعمل يسير على ما يرام على رغم الصعاب والمذلة التي تلاقيها العاملات في كل يوم بحسب كلامها. وفي يوم مشئوم، تقرر نقلها إلى قسم آخر، قسم توضع فيه الملابس على الأرض لتقطع بواسطة آلة تمر وتقطع كل ما في طريقها، نسيت يدها على الملابس في لحظة، ولم تشعر إلا وهي ترى أربع أصابع من يدها على الأرض وتقع مغشيا عليها. العاملات فررن وذعرن بالمنظر، واتصلن مباشرة بالإسعاف ليحضر، ولكنهم نسوا وضع الأصابع في البراد أو الثلج لتموت الخلايا، ولتعيش زميلتهم ما تبقى لها من عمر وهي تتذكر هذا الموقف الأليم.

وتعلق رئيسة النقابة العامة للعاملين بمصانع الملابس الجاهزة والنسيج خديجة عطية قائلة: "إن خسران هذه الزميلة لأصابعها جاء نتيجة عدم وجود الاحترازات التي تقي وقوع مثل هذه الحوادث من جهة، ونتيجة لغياب التدريب الصحيح - إن كان هناك تدريب - للعاملات".

العاملات وهن يروين قصصهن، يجعلنك تسبح في خيال لا حدود له، فكيف ولماذا يتركن لوحدهن من دون أن تدافع عنهن الجهات المختصة. ألا توجد شروط للعمل في البحرين، ألا توجد احترازات صحية وأمنية في هذه الأماكن، ألا توجد رقابة على المسئولين والمصانع، أليست العاملات بشرا لهن دم ولحم، فكيف يتركن واقفات طوال 8 ساعات!

وتنقلنا عطية معها في أجواء العاملات في مصانع الملابس الجاهزة، لتروي لنا حكاية النقابة ومآسي العمل في هذه المصانع فتقول: "يحتوي هذا القطاع على 13 ألف عامل. طبعا لقد جاءت أهمية تأسيس نقابة عامة للعاملين في هذا القطاع نتيجة طبيعية لحجم المعاناة التي يتعرض لها العاملون والعاملات من اضطهاد وحرمان من ابسط المقومات الإنسانية حيث ساعات العمل الطويلة، ظروف العمل القاسية، يقابلهما تدن شديد في الرواتب... الأمر الذي دفع بوفد الاتحاد الدولي للغزل والنسيج بالقيام بزيارة للاتحاد العام للنقابات في البحرين، وعقد لقاء مع النقابة العامة نظرا إلى الأوضاع السيئة وسوء المعاملة".

وعرجت على أساس مشروع المصانع وتدهوره، موضحة أن هذه المصانع جاءت على خلفية نظام المساعدات أو "الكوتة" بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، ولتحقق هذه الشروط صدر قانون لتنظيم هذا القطاع، وكان يؤمل أن تساهم هذه الشركات في استيعاب عدد العاطلين البحرينيين برواتب مجزية، ولكن الواقع تحول إلى شيء آخر عندما جرى تشغيل آلاف العمال الأجانب وبنسب تفوق المواطنين وبرواتب متدنية وأوضاع وظروف سيئة، ما أدى إلى ربطهم بالعامل البحريني وتدهور ظروفه المهنية داخل المنشأة من دون مراعاة لحقوقه.

وتدعو عطية إلى مراعاة ظروف المرأة العاملة، مشيرة إلى أنها تعاني من أوضاع فسيولوجية إذ تتعرض العاملة لتعب مضاعف عند حدوث الدورة الشهرية ويؤثر ذلك على كيانها الجسماني والنفسي ويكون فيها الجسم في حال هبوط تام. هذا إلى جانب الأمراض المهنية الأخرى التي يتسبب بها جو العمل ومنها أمراض الرئة والالتهابات الجلدية، والدوار نظرا إلى الوقوف لمدة طويلة والقدم والمفرطحة وسقوط أحشاء الحوض ما يؤدي إلى تزايد حالات الإجهاض وهو ما يحدث فعلا للعاملات في المصانع.

وتقول: "تعيش العاملات في مصانع الملابس الجاهزة مأساة أكبر من الأمس القريب، وفي المقابل تواجه النقابة تحديها الكبير في ظل مشوارها البدائي حيث كان نظام الكوتة موجودا وهو تقسيم الصادرات من قطع الملابس الجاهزة لمركز القوى الشرائية الأميركية على حساب أسس عددية المصانع وانتشارها في كل دولة يحددها الأخطبوط التسويقي - الولايات المتحدة - لجميع الدول المصدرة للقطع الجاهزة من الملاس على أسس بنود وشروط معينة".

فئران وحشرات وأمراض

وتنقلنا عطية معها إلى المشكلات الصحية في العمل، بما تحتويه من فئران لا تعد ولا تحصى، والحشرات الكثيرة التي تتسبب في الحك الدائم، بعضها يتطاير على الرؤوس والبعض الآخر مخبأ في قطع الملابس. هذا إلى جانب الوقوف الإجباري الذي يتسبب في الإجهاض للمتزوجات، وأوجاع الظهر فنسبة 99 في المئة يعانين من الآلام. ومن المشكلات الصحية بحسب عطية التهاب الرئة، والربو والكحة، وعدم توافر الماء البارد والنظيف ولذلك تضطر العاملات إلى جلب عدتهن من بيوتهن استعدادا ليوم شاق وطويل، ولا تغفل عطية ذكر المرافق الصحية المهملة التي تشرف عليها العاملات بأنفسهن نظرا إلى إهمال الإدارة بحجة أنهن فتيات ولا يحتجن إلى أحد لتنظيف المرافق.

وفيما يتعلق بالمشكلات القانونية تقول عطية: "يمكننا أن ندرج المشكلات القانونية في الآتية: انتقاص حقوق العاملات، استغلال حاجتهن للعمل في اتخاذ إجراءات جبرية كساعات العمل الطوال، استغلال عدم فهم العاملات للقانون في غرس مفاهيم جديدة كقطع ساعات العمل ومن ثم نسبة الرواتب بحجة نقص الإنتاجية، استسلام العاملات للإجراءات الظالمة، وتأخير الرواتب لمدة شهر أو أكثر. هذا بالإضافة إلى المعاملة السيئة التي هي أساس الاختلاف والمشكلات، إذ يتعامل المسئولون - الأجانب منهم والمواطنون - مع العاملات كأنهن آلات فيطلب منهن العمل المتواصل من دون راحة، حتى أن بعض المصانع تغلق غرف الراحة التي تحوي خزانات العاملات وحاجياتهن الشخصية".

واختتمت رئيسة النقابة العامة للعاملين بمصانع الملابس الجاهزة والنسيج خديجة عطية حديثها لـ "الوسط" بقولها: "ويأتي اليوم الثاني من مايو / أيار الماضي حاملا في طياته بداية مأساة عاملات المصانع الجاهزة لفصل تعسفي أنهى خدمات 70 عاملة، وتوالت الاعتصامات أمام المصانع لكساد تجارتها وتدني الأجور، ومن ثم مباشرة مصانع أخرى في الإغلاق الأمر الذي ترك العاملات من دون عمل".

هل لنا أن نسأل...؟

واخيرا هل لنا أن نسأل: لماذا غابت الرقابة عن مسئولي المصانع؟ ولماذا تعامل العاملات بهذه القسوة على مرأى ومسمع وزارة العمل والشئون الاجتماعية؟ فهذه فقدت أصابع يدها، وتلك لم تعد تحلم حتى برؤية أطفالها! والمأساة تستمر... ثم هل يعقل ان تمر فصول هذه المأساة هكذا؟! معاناة إنسانية كنا نقرأ عن شبيهاتها في العصور الوسطى ولا ندري كيف شاءت الاقدار ان يتسرب فصل منقح منها إلى القرن الحادي والعشرين.

العدد 1049 - الأربعاء 20 يوليو 2005م الموافق 13 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 9:40 ص

      الى متى

      صبرا جميل وبالله المستعان الى متى ايها الشعب الصابر
      حسبنا الله ونعم الوكيل

اقرأ ايضاً