العدد 1053 - الأحد 24 يوليو 2005م الموافق 17 جمادى الآخرة 1426هـ

المجالس البلدية... طموح بلا حدود وواقع طريقه مسدود

كثيرا ما أثير الحديث في الآونة الأخيرة عن قدرة المجالس البلدية على تحقيق طموح منتخبيهم، فماذا حققت لنا المجالس البلدية؟ وهل أثبت الأعضاء المنتخبون جدارتهم؟ أسئلة كثيرة تشوب التجربة البلدية بحاجة إلى إجابات مطولة، ولكن المتتبع للعمل البلدي يجد هذه الإجابات في الواقع الذي يفرض نفسه على البلديين ويقلص من صلاحياتهم، ومن ثم ألقى هذا الواقع بظلاله على العمل البلدي برمته فبات البلديون المتهم الأول بقصور التجربة.

عموما، وقبل الخوض فيما إذا نجح البلديون في تجربتهم التي شارفت على الانتهاء أم لا، لابد من المرور عبر عدة محطات لتكتمل الصورة.

أولا، لابد أن نطرح مشكلة الإشكال القانوني الذي عانت منه المجالس البلدية المنتخبة ولاتزال تعاني منه إلى وقتنا هذا، وستظل تعاني منه في دور الانعقاد المقبل وحتى في الانتخابات المقبلة، فالقانون بما يحويه بحاجة إلى "ترميم" لكي يتمكن العضو البلدي من التحرك بحرية وطرح رؤاه وأفكاره من دون حاجز يقف في نهاية المطاف ليقول له: "هذا ليس من اختصاصك، هذا اختصاص المحافظة، وذاك اختصاص النواب". ولذلك نرى أن الأطروحات البلدية تناقش تحت قبة البرلمان، ونشاهد المحافظات تتدخل في الشئون البلدية من دون الرجوع إلى المجالس المختصة حتى.

هذا من جانب، ومن جانب آخر نرى أن القانون يجعل وزارة البلديات والزراعة المراقب والمسئول على الأجهزة التنفيذية التي تنفذ ما تقرره المجالس، ولعل هذه النقطة أدخلت المجالس في إشكالات عدة رأيناها جلية حين احتدم الخلاف بين بعض المجالس والأجهزة التنفيذية من دون أن تتمكن هذه المجالس من حل النزاع إلا عبر الرجوع إلى وزارة شئون البلديات والزراعة ودخول هذه المجالس في محادثات ومناوشات طالت. ونقول: أليس من حق المجالس البلدية أن تختار مدير عام البلدية التي تقع تحت ظلالها؟

الموازنة... حديث ذو شجون

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لماذا لا تعطى المجالس البلدية موازنة مستقلة؟ والحديث عن الموازنة حديث ذو شجون كما يعبر عنه البلديون أنفسهم، فالموازنة "200 ألف دينار لكل مجلس للمشروعات" التي كانت مرصودة إلى المجالس لم تكن تكفي لتغطية نفقات مشروع من المشروعات الرائدة، وهذا ما دفع المجالس إلى المطالبة بزيادة هذه الموازنة، ولكن الأمور لم تتغير لحد الآن.

وهناك أمر آخر، فالكل أصبح على علم ويقين بمدى قدرة الأعضاء الذين انتخبوا وخاضوا غمار التجربة البلدية، ولم يعد من الصعب بمكان أن نحدد بأن هذا العضو يصلح لتجربة أخرى، وذاك لا يصلح البتة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، لماذا لم يتم تأهيل الأعضاء قبل دخولهم التجربة بدل زج البعض منهم في عالم لا يجده حتى في الأحلام؟ فالحق يقال، وهو أن بعض الأعضاء لا يعلمون ما هو العمل البلدي، والمتتبع لجلسات بعض المجالس يعلم أن بعض الأشخاص يجلسون من دون طائل على الكراسي في جلسات قد تطول وقد تقصر بحسب الموضوعات أحيانا، وأحيانا كثيرة بحسب الأمزجة.

ولذلك، فقد عانت بعض المجالس من غياب السياسات الواضحة التي أعاقت مسيرة العمل البلدي، والأخطر من ذلك كله أن بعض المرشحين جاءوا على حساب الآخرين الأكثر كفاءة بمجرد أنه ابن هذه المنطقة أو تلك، ولمجرد أن الغالبية يميلون إليه لا لكفاءته بل لأنه جارهم أو أو يربطهم نسب، ولمجرد أنه فتح بيته لـ "عزيمة". وأكبر دليل على فشل بعض الأعضاء في تجربتهم هو وضع المجالس التي تعثرت إلى اليوم في اكتساب ثقة الناس، وباتت الجلسات الرسمية مجرد "سوالف" جانبية، و"هوشات" و"مزحات"، حتى أن بعض المجالس تناقش جدول الأعمال نفسه عدة جلسات، لأنها وبكل بساطة مفلسة من الموضوعات المهمة.

وهناك أمر آخر عكر صفو التجربة البلدية، ألا وهو التجاهل الواضح والصريح من بعض الوزارات الخدمية لنداءات التعاون التي تطلقها المجالس، وغدت بعض المجالس تجول وتخطط من دون عون ولا رؤية واضحة، وهذا الأمر أدى إلى إعاقة طرح بعض المشروعات المهمة التي باتت معلقة لا يعرف مصيرها.

ولكي لا نكثر من اللوم على أعضاء المجالس البلدية، لابد من التطرق إلى التمييز بين أعضاء هذه المجالس وأعضاء مجلسي الشورى والنواب. فالواقع يفرض نفسه، الناس "تتمسح" بالنائب، فهذا يسلم عليه وذاك يشم "بشته" وذاك "يتعطر به" وكأنه لا إلى الأرض ولا إلى السماء. والمشهد نفسه يختلف لو تكرر مع العضو البلدي، فهذا يسأل عن "المجاري"، وذاك عن إشارة مرورية، وذاك عن شارع غير مرصوف وتبقى لعنات الأهالي تطارده أين ما حل وذهب.

ولعل السبب الرئيسي في ذلك هو التمييز بين هاتين الفئتين في عدة أمور، بدءا بالرواتب المغرية للنواب مقابل الرواتب المتواضعة لأعضاء المجالس. والأدهى من ذلك أن الحكومة توافق على تقاعد وزيادات النواب بينما لا يمتلك أعضاء المجالس البلدية هذا ولا ذاك. ولا غرو في ذلك، فالمجالس البلدية لا يحق لها مناقشة زيادة الرواتب ولا التقاعد ولا الزيادة لأن ذلك ليس من اختصاصهم.

تجاهل حكومي للتجربة البلدية

وهناك أمر آخر ألقى بظلاله على التجربة البلدية التي باتت في وضع لا تحسد عليه، فجلسات وأخبار المجالس لا نراها إلا في الصحف المقروءة، فلا الإذاعة ولا التلفزيون قاما بنقل وقائع ولو دقيقة من جلسات المجالس. حتى أن الفعاليات التي تنظمها المجالس لا تحظى باهتمام المذيعين ولا المخرجين ولا غيرهم في هيئة إذاعة وتلفزيون البحرين. وهذا ما دفع بعض رؤساء المجالس البلدية برفع الموضوع إلى سمو رئيس الوزراء والذي وجه بدوره وزير الإعلام إلى الاهتمام بتغطية جلسات المجالس البلدية، إلا ان ذلك لم يحدث إلى الآن. ولهذا، فإن الكثير من أعضاء المجالس يحملون وزارة الإعلام المسئولية كاملة عن غياب الوعي البلدي الذي يعاني منه الشارع البحريني.

ولعل هذه النقطة تقودنا إلى الحديث عن أهمية وعي الناس بالجانب البلدي، فليس من المعقول أن يحمل العضو أعباءه وأعباء الوزارات الخدمية الأخرى، والشيء بالشيء يذكر، فقد سألنا أحد الأعضاء عن سبب وجوده في البلدية في الصباح الباكر وهو يتنقل من مكتب لآخر فقال: أحد أبناء الدائرة طلب مني أن أحصل له على رخصة بناء!

وأخيرا وليس آخرا، فقد أنهكت معظم المجالس بالطلبات الشخصية التي قضت على معظم أوقات الجلسات، وتفطنت بعضها إلى أهمية حل هذا الإشكال وإن جاء هذا التفطن متأخرا جدا على حساب مهمات المجلس البلدي الأساسية.

ومهما يكن فما فات فات، ومن مات ليس بآت، ويبقى على الأعضاء أن يلملموا ما يمكن أن يفعلوا في الفترة المتبقية لهم من عمر المجالس البلدية في هذا الدور، فالأدوار الماضية كانت أدوار البناء والبحث عن الحقيقة إن صح التعبير، والدور المقبل هو دور الإنجاز والدور الذي سيرى فيه الناس ثمار جهود الأعضاء، ولكن لكل قاعدة شواذ، ونبقى ننتظر ونتطلع إلى تجربة بلدية رائدة لا يعوقها قانون مقيد، ولا وزارات لا تستجيب إلى نداءات البلديين

العدد 1053 - الأحد 24 يوليو 2005م الموافق 17 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً