لا نقد يمكنه أن يكون مطلعا بدوره ومفعلا لأدواته كما يجب، وهو في الوقت نفسه يشيح بنظره بعيدا عما يعتري المجتمع من خلل ومثالب وتجاوزات وظواهر تحولت الى أمراض، وما لم يدخل المجتمع ضمن المساحات التي يحق له أن يكون موجودا فيها، مفككا، فاضحا، مدلا، متوغلا، سيتحول عندها الى زائدة دودية، يصبح استئصالها أسلم من الإبقاء عليها.
بهكذا نظر إلى النقد، يظل جانب منه عاجزا عن أداء دوره المنوط به، وهو بذلك في كثير مما يصدر عنه محض انشغال بالضوضاء المخربة لحفل موسيقي، فيما النيران على الجانب الآخر من المكان تلتهم المداخل المؤدية إليه، ولا يحرك ساكنا.
وكل نقد يهمل طبيعة نظر وتعامل السلطة مع الإنسان كمصدر ومنبع للأشكال المحرضة على الجمال والخير والعدالة، هو في الصميم من التواطؤ على الإنسان نفسه وعلى القيم التي تصدر عنه.
ثمة نقد يضع قدما ويؤجل أخرى في طريق ممارسة دوره، ولن يكون من المفاجئ أن يلقي بالمسئولية - وببلاغة كاذبة - على أشكال تعبيرية ليس ذلك دورها، إذ في مرحلة الخراب لا يجدي أن تكلم الخراب رمزا، لان من طبيعته الغباء، وكل خراب غباء، وكل شكل تعبيري - عدا النقد - يتوهم القدرة على القيام بذلك الدور، هو في العمق من ذلك الغباء، وما لم يضع النقد سبابته في عين ذلك الخراب، هازا لمفاصله، يصبح من الأفضل له التفرغ لكتابة أناشيد طابور الصباح.
نقد مساحة المسكوت عنه، والمؤجل على أجندته أضعاف ما يقترب منه، لا يتجاوز كونه مقاتلا أحيل إلى التقاعد من دون أن يطلق رصاصة واحدة حتى في الهواء
العدد 1083 - الثلثاء 23 أغسطس 2005م الموافق 18 رجب 1426هـ