في طريق تتقاسمه الجبال والأشجار الخضراء، مساحات من الأراضي تظل عليك بين الجهات الأربع المزروعة بأشجار التفاح والاجاص والزيتون، ومن أروع ما رأيناه في طريقنا تلك المناطق الخلابة والآثار القيمة.

فمن بيروت شدينا الرحال إلى محمية أرز الشوف الطبيعية التي أنشئت في العام بمنطقة الباروك على مسافة ارتفاع 1800 من سطح البحر، المحمية تقع على جزء من جبال لبنان، وتشكل الجزء الجنوبي من سلسلة غابات الأرز الممتدة من تركيا عبر الساحل السوري إلى لبنان.

وتحتوي المحمية على 4 أنواع من الأرز، وتقع على مساحة 630 هكتاراً، وتحتوي على 3 ملايين شجرة تقريباً.

تعد محمية أرز الشوف الطبيعية أكبر المحميات الطبيعية في لبنان، وأكثر ماتشتهر به هو غابات الأرز الثلاث الرائعة وهي: غابة أرز معاصر الشوف، غابة أرز الباروك وغابة عين زحلتا بمهرية، والتي تقدر نسبة مساحتها ربع ماتبقى من غابات الأرز في لبنان.

وتتميز المحمية بتباهي سكان القرى المحيطة بها، بحيث أصبحت جزءاً من حياتهم اليومية.

أخطار عديدة

من جهته، قال المنسق العلمي للمحمية نزار الهاني، إن هناك تخوف من تأثير الحرائق على محمية أشجار الأرز، واضاف ان 90 في المئة تقريباً، من أسباب الحرائق مفتعلة. وسببها أن معظم المزارعين يتفقدون مزارعهم في العطلات الاسبوعية وهي: يوم الأحد والاثنين، وعندما يخرجون لا يتأكدون من إطفاء بعض المواقد مما يسبب الحريق.

ومن ناحية أخرى فإن تغير المناخ وما يصاحبه في المستقبل من عواصف وجفاف وارتفاع مطرد في درجات الحرارة سوف يؤدي إلى زيادة في الأوبئة والحشرات التي تهدد الغابات إلى درجة أن معظم غابات لبنان سوف تختفي وتحل مكانها أراض عشبية.

كما ستتجه العديد من أصناف الأشجار نحو الشمال وإلى مرتفعات أعلى لتعديل هذا التغير في الحرارة، مما قد يؤدي إلى تحويل لبنان إلى بلد صحراوي، وهو ما سيؤثر مباشرة على محمية أشجار الارز.

واضاف نزار: منذ أعوام اجتاحت حشرة اسمها سيفالسيا تانوريننسيس غابات الأرز وكادت تقضي عليها تماماً، وعندما قامت الجامعة الأميركية في بيروت بدراسة عن الموضوع وجدت أن هذه الحشرة تفشت بسبب ارتفاع الحرارة من جراء تغير المناخ.

كما إن بذرة الأرز في حاجة إلى ان تغطى بالثلوج لكي تنبت، لكن ارتفاع الحرارة سوف يؤدي إلى فقدان الثلج في لبنان مما سوف يؤثر على غابات الأرز.

واكد نزار أن المشكلة ان حرائق الغابات لا تزداد بالكمية والحدة فقط، لكن موسم الحرائق في توسع مستمر.

القانون لا يطبق

وهناك قوانين للحد من الحرائق وهي الابتعاد عن اشعال اي شيء يسبب للحرائق، إلا انه للأسف بأن القانون لايطبق، والمشكلة في لبنان بأن القانون لايطبق من قبل وزارة البيئة، والمسئول هو وزارة الزراعة.

و قبل 20 عاماً كانت الأماكن المرتفعة كلها مزروعة بشجرة الأرز، ولكن لإهمال المزارعين حلت محلها اشجار الصنوبر، وقد أدى ذلك لزيادة معدل الحرائق لأن هذه الاشجار لها دورة للحياة كل 10 سنوات تكون قابلة للاشتعال.

إنذار مبكر

وللحد من الحرائق بدأ منذ عامين عمل برنامج انذار مبكر لمكافحة مخاطر المحمية من خلال مشروع بالتوأمة مع ايطاليا، يقوم على وضع محطات بالمحمية لدراسة الطقس لمعرفة الحرارة والرطوبة وسرعة الرياح، وتعطينا إشعاراً عندما ترتفع الحرارة والرطوبة وتنذر بالحرائق قبل وقوعها.

كما أن هناك برنامج مراقبة للحياة البرية، تقوم به مجموعة من الباحثين من الجامعة الاميركية واليسوعية وغيرها من الجامعات اللبنانية.

ويرافقنا الآن - كما يقول نزار - باحث من النرويج يقوم بدراسة علاقة الناس بالمحمية وكيف تطورت هذه العلاقة.

وهناك توقعات بأن تجف الينابيع قبل 10 سنوات وهذا دليل على قلة الأمطار وقلة الثلوج، وهذا ينعكس بشكل كبير على الينابيع المحيطة شرقاً وغرباً بالمحمية، مما يؤثر تأثيراً مباشراً على نمو شجر الأرز.

وقال نزار، ان في لبنان محمية واحدة هي طبيعية، وعند اليونيسكو تعرف باسم محمية المدى الحيوي، وهي تعني المحافظة على الاشجار وهي المنطقة التي يعتني بها الاشخاص المحيطون بالمحمية، وكل الابنية المحيطة بالبيئة تعتبر صديقة للبيئة، وان الهدف من وجود محمية شجرة الارز هي السياحة البيئية.

وهناك منتجات للمحمية تنتجها سيدات في القرى المجاورة للمحمية، وأكثر العائدات ترجع لهن .

اما بالنسبة للفوائد التي نجنيها من هذه المحمية قال نزار، ان شجرة الارز هي أكثر من شجرة للبنانيين فهي ثقافة وهي موجودة على العلم اللبناني، اي هي رمز و ارث حضاري.

عائد سياحي

اما عن الارباح التي جنيناها من السياحة فهي 100 مليون دولار في العام الماضي ونأمل بأن تصل إلى 200 مليون دولار هذه العام.

ويقوم بإدارة المحمية لجنة بالتعاون مع جمعية أرز الشوف وتحت إشراف وزارة البيئة، اما دور المنسقين في المحمية فإنه يقوم على مراقبة التنوع البيولوجي، والتركيز على المتغيرات المناخية لأنها تؤثر تأثيراً مباشراً على شجرة الأرز.

وتحوي المحمية أيضاً عددا كبيرا من الثدييات (نحو سبع وعشرين نوعاً)، ومن الطيور (نحو 50 نوعاً مستوطناً من الطيور، منها 19 نوعاً نادراً)، ويمر عبرها 320 نوعاً من طيور العالم، وتعد لبنان حسب التنصيف العالمي ممر مهم للطيور المهاجرة وذلك لوجود جزء أساسي للمحمية رطبة، وهو مستنقع عميق موجود في شرق المحمية، وتعتبر أكثر الطيور المهاجرة هي، الحجل العقبان والهدهد.

وتحتوي المحمية على 31 نوعاً من الحيوانات منها، الثعلب والخنزير البري والحرباء والفئران.

وتضم المحمية بين جنباتها تنوعاً حيوياً كبيراً من الأشجار (السنديان والأرز والغبيراء والبلوط... الخ)، فيوجد فيها ربع أشجار الأرز في لبنان، وعدد من أشجار السنديان النادرة وغير الموجودة إلا في هذه المنطقة، إضافة لأصناف متنوعة من الشجيرات والنباتات المتوسطة نحو 524 نوعاً من النباتات والأشجار (16 شجرة نادرة على المستوى المحلي وست شجرات نادرة على المستوى العالمي)، وفيها أقدم ثلاث شجرات أرز لبناني في العالم، حيث قدر عمرها بثلاثة آلاف عام.