نبه عاهل البلاد المفدى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى أن "العالم وعبر عقود كثيرة من تأسيس المنظمة الدولية يعاني من آثار الحروب بين الدول وداخلها، ثم طغت عليه ثقافة غريبة تهدد القيم الإنسانية وصروح التعايش والسلام وهي ثقافة العنف والتطرف ودعاوى التحزب والتعصب العرقي والمذهبي والغلو الديني تحت مختلف الذرائع فشاعت ظاهرة الإرهاب". وقال في رسالة بمناسبة اليوم العالمي للسلام: "إن هذه الظاهرة على رغم قدمها في التاريخ أصبحت تهدد اليوم سلامة الشعوب واستقرار الدول وحرية الأفراد"، موضحا جلالته "أما السلام العالمي والأمن الدولي فتحدياته قد تعاظمت ولم تتراجع سواء كانت تحديات أمنية تتمثل في مخاطر سباق التسلح النووي وانتشار أسلحة الدمار الشامل أم في أخطار الحروب الأهلية والصراعات الإقليمية".
حمد بن عيسى آل خليفة*
شهد القرن العشرون حربين عالميتين دفعت لهما البشرية ملايين الضحايا من الرجال والنساء والأطفال، وتبددت خلالهما الموارد والطاقات، ومن وسط أهوال المعارك وويلات الصراعات المسلحة عبر خمسين عاما منذ مطلع القرن الماضي، أطل على شعوب العالم فجر جديد هو فجر السلام والأمن الذي جسدته الأمم المتحدة في ميثاقها تعبيرا عن إرادة الشعوب الحرة والمقهورة، تطلعا منها إلى عصر جديد تتحرر فيه من الخوف، ومن الحاجة ومن شبح الحروب والقتل والدمار. وإذا كان ميثاق الأمم المتحدة في نصوصه وجوهره هو ترجمة بليغة للمثل العليا والمقاصد النبيلة والمبادئ السامية لاتحاد الشعوب والأمم من أجل إقامة السلام والحفاظ عليه، وتحقيق التعاون الدولي وضمان التعايش والتآلف، فإن الاحتفال باليوم العالمي للسلام كل عام تحقيقا لدعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ سنوات قليلة، يؤكد سعي الإنسان عبر تطوره ومسيرته في كل ربوع الأرض نحو الأمن والسلام. لقد تعددت إنجازات المنظمة الدولية في سبيل إقامة السلام، والحفاظ عليه، وفي سبيل منع الحروب والوقاية من شرور الصدامات المسلحة في أعقاب الصراع، لكن ذلك كله لم يضع حدا للنزاعات والاطماع والخروج على العهود والمواثيق والشرعية التي تحرم استخدام القوة إلا طبقا لنصوص الميثاق وإطاعة ما يقضي به الاجماع الدولي المستقر. ولم يزل العالم عبر عقود كثيرة منذ تأسيس المنظمة الدولية يعاني من آثار الحروب بين الدول وداخلها، ثم طغت عليه ثقافة غريبة تهدد القيم الإنسانية وصروح التعايش والسلام، وهي ثقافة العنف والتطرف، ودعاوى التحزب والتعصب العرقي والمذهبي والغلو الديني تحت مختلف الذرائع فشاعت ظاهرة الإرهاب وروجت له جماعات خارجة عن القانون على المستوى الوطني والعالمي. هذه الظاهرة على رغم قدمها في التاريخ، أصبحت تهدد اليوم سلام الشعوب واستقرار الدول وحرية الأفراد، وتفرض على المجتمع الدولي والأمم المتحدة صوغ خطة عمل مشتركة واستراتيجية دولية للتصدي لهذه الظاهرة وآثارها ومرتكبيها وقد خطت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي في محيطها خطوات متقدمة في هذا المجال. أما السلام العالمي والأمن الدولي فتحدياته قد تعاظمت ولم تتراجع سواء كانت تحديات أمنية تتمثل في مخاطر سباق التسلح النووي وانتشار أسلحة الدمار الشامل، أم في أخطار الحروب الأهلية والصراعات الإقليمية. وربما كانت التحديات الاقتصادية والبيئية اشد خطرا على السلام العالمي، إذ يعيش ملايين البشر تحت خط الفقر تحصدهم المجاعات والجفاف والأمراض، وهو ما استوجب ويستوجب أن تضمن الدول القادرة اقتصاديا على تطبيق سياسات الإعفاء من الديون، وزيادة المعونات ودعم البنى الأساسية للدول الأقل نموا. وعلى صعيدنا الإقليمي، يبقى إنجاز السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط طبقا لمقررات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية وتفعيل خريطة الطريق طبقا لرؤية الرئيس الأميركي جورج بليو بوش في تعايش الدولتين لخير شعبيهما وشعوب المنطقة والعالم هو السبيل لاستعادة الثقة لدى كل الأطراف وطي صفحة الصراع، والدخول بها إلى مرحلة الاستقرار والتنمية والسلام. وربما كان في تدشين استراتيجية جديدة لإصلاح الأمم المتحدة وتطوير آلياتها مدخل لبناء السلام وحماية حقوق الإنسان في ظل أمم متحدة متجددة في القرن الحادي والعشرين.
* ملك مملكة البحرين
كوفي عنان * إن السلام هو مهمة الأمم المتحدة الأولى. وهو علة وجودنا، وجوهر هويتنا، والدافع الذي يحدونا في كل ما نقوم به. إن الحادي والعشرين من سبتمبر/ أيلول الذي يصادف اليوم الدولي للسلام، هو يوم نعيد فيه تأكيد التزامنا بهذا المسعى، وهو فرصة للنظر في سبل توطيد أركان نظام أمننا الجماعي والشراكة العالمية من أجل التنمية. والغاية منه أن يكون يوما لوقف إطلاق النار في كل أنحاء المعمورة، ويوما تمتنع طيلته جميع البلدان والشعوب عن جميع الأعمال العدائية. وهو يوم يلتزم فيه الناس في كل أنحاء العالم بدقيقة صمت في الساعة الثانية عشرة ظهرا، وليس بأربع وعشرين ساعة في ردح من الدهر. لكنها وقت كاف للمقاتلين والقادة السياسيين للنظر فيما يلحقونه بشعوبهم وأراضيهم من دمار. وفيها متسع من الوقت لاستشراف ما وراء المتاريس أو الأسلاك الشائكة التماسا لدرب جديد. في هذا اليوم الدولي للسلام، علينا جميعا أن نحيي ذكرى أولئك الذين عانوا من ويلات العنف والصراع المسلح. ولنتعهد ببذل قصارى جهدنا من أجل تنفيذ القرارات المهمة بشأن السلام التي اتخذتها القمة العالمية لعام 2005 خلال الأسبوع الماضي.
* الأمين العام للأمم المتحدة في رسالته بمناسبة اليوم الدولي للسلا
العدد 1111 - الثلثاء 20 سبتمبر 2005م الموافق 16 شعبان 1426هـ