العدد 1126 - الأربعاء 05 أكتوبر 2005م الموافق 02 رمضان 1426هـ

جدو كريشنامورتي... متصوف رحال... هوسه الإنسان...

"الصديق آخر. .. هو أنت" أبو حيان التوحيدي الهندي "كريشنامورتي" من قريته الصغيرة جنوب الهند. انفك عن التنظيمات "الروحية" في الدكاكين الجاهزة لتوزيع الوصفات الروحية، منطلقا نحو "تحرير الإنسان تحريرا مطلقا غير مشروط". سواء كانت هذه الشروط مفروضة من قبل الدين أو غيره. هو تصوف همه الرصد الدائم لآليات الذهن البشري، فلسفة هدفها الفكاك من أسر الإنسان المفكر إلى أحضان الإنسان الحقيقي داخل كينونته الأولى النقية. إذ لابد من التعرف على كيفية التحرر النفسي وتحقيق الإشراق الروحي في صورة أكثر نورانية وكشفا. لا يؤمن "كريشنامورتي" بجحافل المرشدين الجدد من أصحاب "الدكاكين الروحية" الذين يوزعون "التقنيات" و"الوصفات" و"الوعود" التي تزيد الناس قلقا، ويضيف "إن الإنسان هو صانع البيئة التي يعيش فيها، وان إيقاف كابوس العنف المستمر منذ آلاف السنين لا يتم إلا بتحول جذري في النفس البشرية". إن معضلة الإنسان الأساسية تعود في نظر كريشنامورتي إلى "سيرورة الأنا" ة-كم، ويعتقد أن من الضروري أن "نعتاد ترك محاكمة أنفسنا ومقارنتها بالآخرين وإدانتها، ووضع سلم قيم من ابتداعنا نحن ومن صنع إسقاطاتنا الخافية "= اللاواعية"، بدلا من أن نلزم الصمت، ونبقى فاعلين في العالم، حاضرين فيه، نحيا حياة هي فينا، بأن نكون، لا كما نرغب في أن نكون، بل كما نحن فعلا". ديمتري أفييرينوس يضع مقالا مهما في تحليل سيرة كريشنامورتي، ويعتقد أن المتصوف الهندي يعتقد أننا نحن "الذين نلتقي بالمجهول في كل لحظة، مزودين بالذهن "وهو أفكارنا وذاكراتنا ومعلوماتنا المتراكمة" درعا يدرأ عنا "خطر" ما نجهل - تجربة جريئة، قوامها تأمل نقدي عميق في النفس، مصحوب بشك وانتباه يقظ يتملص من قبضة الذاكرات والتلقائية الآلية المترسبة فينا عبر الماضي كله، وتتفتح فيه زهرة كل لحظة جديدة بذبول زهرة اللحظة التي سبقتها، وتتوجه يقظة نهائية شافية على مستويات النفس البشرية كافة". إن ما يدعو له هذا المتصوف هو أشبه ما يكون بالثورة الكلية لاستنطاق البصيرة، وهي أصدق فيما تنطق به عن ترهات الذهن واستنتاجاته للمعنى، الفهم دلالة على التكرار والعطل في ممارسة التفكير، لذلك يضع لنا هذا المتصوف حقلين للذاكرة، حقل الطبيعة أو الوقائع وبين حقل الذاكرة النفسية، وذاكرة الطبيعة هي الأصدق والأقدر على أن يعرف الإنسان تحديدا من هو. الأنا في مفهوم كريشنامورتي "عبارة عن مجرد حزمة من أنماط السلوك أو العادات التي تخضع وتنتظم في نطاق المعلوم والعادات، العالم هو حركة مستدامة من التغير والتغيير، لذلك تبقى أفعال المقاومة التي تقوم بها "الأنا" في سبيل الحصول الاستقرار والسكون كابح مهم عن الطبيعة في تمثلها الحقيقي للإنسان". إن الأنا تمثيل للذاكرة، لذلك يرى هذا المتصوف أن "صراع الأنا مع الحاضر يختزل إلى صراع الماضي مع الحاضر"، لذلك لابد أن يعاش المستقبل بعيدا عن صيرورة الماضي على النفس، هذه الإشكالية تحديدا من تمتلك زمام المبادرة إلى أن يعيش الإنسان ما يسمى بالأرق". لابد أن نتخلص من قلق القانون، وهذا الخلاص هو خلاصنا من صورنا الممسوخة في الأنا، في الماضي، في قلق القانون الذي يحمل لنا النهاية الأخروية السعيدة، السعادة هي حراك بعيد عن الجمود، حراك لا تختزله الذاكرة والتجربة. يقول كريشنامورتي "من هنا استحالة أن تختبر الأنا شيئا غير ذاتها ومعطياتها، وضرورة عدم الانطلاق في سيرورة معرفة النفس من "مركز"، بل إعمال نوع من الانتباه الدائم الذي لا يوجد فيه "أحد" ينتبه، ويكون فيه الراصد والمرصود "أو المراقب والمراقب" مندمجين في سيرورة الرصد أو الانتباه - مثل المحبة تماما: في لحظة الشعور العميق بالمحبة الحقيقية لا يوجد محب ومحبوب، بل محبة فقط!". لابد من صعق "الأنا" لتتلاشى بزيفها، ما نحتاج له كما يقول كريشنامورتي هو لحظات فائقة من التركيز!، حتى نكتشف أجواء أخرى من التعايش مع الأنا، ولعل أفضل طرق هذا التعايش هو إنكارها. كريشنامورتي يحمل الأنا لمحاكمة خاصة، وهذه المحاكمة تخضع أو تتلاقى مع منهج علم النفس التحليلي في المدرسة الفلسفية الغربية، ثمة رؤية متفردة لهذا المذهب المتصوف المنعتق من مفهوم المذهبية، تذهب إلى سبر الأنا وحلحلتها. هذا ما يحيل إلى استمرار النزعة المتصوفة في الفكر الشرقي من البوذية إلى الكونف

العدد 1126 - الأربعاء 05 أكتوبر 2005م الموافق 02 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً