يقترب مع نهاية مايو/ أيار من العام المقبل، موعد إسدال الستار على مشوار أول تجربة للمجالس البلدية على مستوى المملكة، بعد الإصلاحات السياسية التي قادها جلالة الملك وتولد عنها دستور العام ،2002 وخلال أدوار الانعقاد الثلاثة الماضية من عمر المجالس، لابد أن تكون هناك حصيلة من الملاحظات عن أداء الأخيرة تبلورت في ذهن كل فرد يقيم على رقعة هذا الوطن. ومن باب استقراء هذا النتاج كان لـ «الوسط» بعض الوقفات مع عدد من الشخصيات السياسية والحقوقية والشبابية والاقتصادية، فخرجت بآراء متباينة توردها في سياق التقرير الآتي: رئيس دائرة الحقوق والحريات العامة في جمعية الوفاق جلال فيروز، رأى أن القصور الموجود في أداء أعضاء المجالس البلدية، ينطلق من عدة منابع أولها تحديد سعة نطاقها وامكاناتها المتاحة، وذلك من خلال القانون رقم 35 لسنة 2001 الذي يتضمن صلاحيات محدودة وهو الأمر الذي يحد من عطاء البلديين، ثانياً: محدودية الموازنات المرصودة للخدمات التي تقدمها وتنفذها المجالس. ثالثاً: أعمال فهم قاصر لدى وزارة شئون البلديات والزراعة والأجهزة التنفيذية، التي تتمتع بسلطات أعلى من سلطات الأعضاء البلديين، ما يربك أداء المجالس إذ ترمي «الأجهزة» استقلاليتها عن قرارات المجالس وفوقيتها عليها، بينما من الواجب أن تكون تحت أمرتها. وقال فيروز: «إن محدودية التجربة وقصر مدتها تلقي بظلالها على المجالس، لذلك بدأت حركة ترتيب الأعضاء ليكونوا ذوي أداء معقول، إذ إن الفترة التي سبقت الانتخابات البلدية في العام 2002 كانت مربكة، دخلت فيها القوى السياسية والاجتماعية في حال من المفاجأة عندما انشغلت بالتعديلات الدستورية والحد من السلطات الشعبية والزيادة في سلطات الحكومة، الأمر الذي انعكس على إمكان البحث والتحري الوافي عن الأشخاص الذين كان من الممكن أن يكون أداؤهم أفضل في حال لو رشحوا لدخول المجالس». وعن رؤيته لتطوير مستوى أداء البلدين، تحدث فيروز عن أن «الوفاق» لديها دراسة أعدتها مجموعة من الخبراء يشملون عدداً من رؤساء وأعضاء المجالس البلدية الحاليين والأكاديميين، تطرح رؤى متطورة واستشرافات وبرامج تعطي صورة أفضل للعمل البلدي وجميع مفاصله. وأشار رئيس دائرة «الحقوق»، إلى أن الدراسة أيضاً تتطرق إلى سبل الاستثمار الأفضل للامكانات المتوافرة للمجالس، بهدف رفع مستوى الخدمات التي تقدمها إلى المواطنين، فعلى رأس هذه الرؤى تأتي مسألة تعديل قانون البلديات ليتعاطى مع ما يمكن من مجالات تطويرية تشكل دفعاً أفضل للمجالس. أما عضو الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان سلمان كمال الدين، فلفت من جانبه إلى وجود تداخل واضح في سلطات وصلاحيات المجالس المنتخبة والهيئات البلدية الرسمية، كما أن هناك قصوراً في الوعي والثقافة المهنية بالنسبة للكثير ممن تقدموا للانتخابات البلدية، سواء من فاز منهم أو من لم يفز. وألقى كمال الدين بالمسئولية كذلك على المواطن الذي عليه أن يتحمل مسئولية كبيرة في اختياره، موضحاً أنه وجد بأن معايير اختيار المشار إليه للمرشحين البلدين، تتعلق إما بالانتماء إلى جمعيات ومنظمات قريبة له أو نتيجة للامكانات المادية التي صرفت أو بحكم القرابة أو العلاقة الشخصية، ما أفرز مجموعة وصلت معظمها إلى المجالس وهي على غير المستوى المطلوب منها، كما أن المجلس البلدي المنتخب لم يفكر في تطوير أدائه المهني عبر إشراك أعضائه في دورات مكثفة في الدول السباقة في هذا المجال. ونوه إلى أن أعضاء المجالس، وبعد أن عشموا ناخبيهم بأن يكونوا على مستوى المسئولية والأمانة، لوحظ أنهم تخلوا عن ناخبيهم وبدأوا بترتيب أوضاعهم الشخصية والتباري في تحقيق المغانم والمصالح الشخصية وهذا لا ينطبق على البعض. وذكر كمال الدين أن مسئولية المواطن ومؤسسات المجتمع المدني المعنية وعلى الخصوص المنظمات السياسية، تبدأ من النقطة الأخيرة التي حددها، التي عليها واجب الائتمان على حقوق الوطن والمواطن بأن توصل الأشخاص المناسبين والمؤهلين من دون النظر لمعيار حزبي أو طائفي سوى معيار الأمانة والكفاءة، وبعدها يكون لدور الجمعيات الحقوقية والمنظمات الناشطة في مجال حقوق الإنسان، بأن تظهر على الساحة مع المواطن لمحاسبة من قصر ولم يؤد الأمانة بشكل جيد. كما عبر رئيس ملتقى الشباب البحريني حسين الاسكافي عن رأيه قائلاً: «إذا كانت هناك برامج خاصة قدمتها المجالس البلدية للشباب فهي للأمانة معدومة، فقد تكون ساهمت في بعض الأنشطة التي تقيمها التنظيمات الشبابية بالدعم المادي، فبرنامجنا الصيفي هذا العام كان تحت رعاية مجلس بلدي الوسطى، وما عدا ذلك ليس هناك شيء ملموس تحقق». واستطرد «حلقات الاتصال بيننا مفقودة عدا بعض المحاولات من قبل القطاع الشبابي، وبشكل عام أوضح أن المجالس قصرت من جانب عدم اهتمامها بالجانب الشبابي، وربما يعود ذلك إلى أن دور الأخيرة خدماتي وهي غير ملاصقة للشباب بقدر قربها من المجتمع، وربما يرجع السبب أيضاً إلى عدم نضج التجربة البلدية التي هي بحاجة إلى الاحتكاك مع تجارب الآخرين في الدول الأخرى والاستفادة منها». وبالنسبة لرجل الأعمال نظام كمشكي، فإنه اتخذ أسلوباً آخر لإبداء رأيه، بدأه بسلسلة من الأسئلة وهي: «ما هي البراهين والأدلة التي تثبت تحقيق إنجاز من قبل المجالس البلدية؟ وهل يعمل الأعضاء بحجم رواتبهم التي يتلقونها؟ وهل هم متفرغون للعمل؟ وهل لديهم نظرة استراتيجية لمناطقهم؟ وهل كان لهم دور في استقطاب المشروعات في مناطقهم؟ وهل جميعهم مؤهلون للتخطيط؟ وما الفرق بين المجلس البلدي ووزارة «البلديات»؟ وبعد السلسلة أعلاه، بدأ كمشكي كلامه بالتأكيد على أن «المجالس لم تدعم القطاع الاقتصادي في أي مشروع، كما أن قنوات الاتصال بينها وبين رجال الأعمال غائبة، والأعضاء ليست لديهم بادرة للتواصل لأنهم لا يحملون أية تطلعات استثمارية، فهمهم منصب في الحصول على الموازنات لإنشاء الحدائق والمضامير، وهو ما لا يدعم الاقتصاد ولا يجذب الاستثمارات». وتمنى كمشكي ممن هم غير راضين من البلديين عن رأيه فيهم الذي اعتبره وجهة نظر وليس تهمة أن يبرئوا أنفسهم ليكون المواطنون على دراية بأنشطتهم بالبراهين والأدلة الدامغة. والوقفة الأخيرة كانت مع رئيس جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي حسن مدن، الذي أفصح عن أن مستوى المجالس لم يرتق في الغالب الأعم إلى مستوى الآمال المرجوة منها، وذلك بسبب محدودية الصلاحيات المتاحة إليها بحسب قانون البلديات، ولأن الكثير من أعضائها لم يكونوا على القدر الكافي من الكفاءة ولم يستفيدوا من الحدود المتوافرة لهم من الصلاحيات. وأمل مدن من تجربة السنوات المقبلة أن تجعل الناخبين يدققون في اختيار العناصر القادرة على تمثيلهم، للارتقاء بأداء المجالس لتصبح بمثابة الحكم المحلي في الأماكن التي تديرها، وهذا لن يتم إلا بإدخال تعديلات على قانون البلديات وفك التداخل بينها وبين وزارة «البلديات». وألمح إلى أن ليست هناك ضرورة إلى وجود وزارة «البلديات»، إلا إذا جرى وضع حدود فاصلة بين أداء دورها الإشرافي، والسلطات الفعلية التي يجب أن تمنح للمجالس البلدية، كاشفاً عن عزم جمعيته المشاركة في الانتخابات البلدية المقبلة، إذ لم يتسن لها في الانتخابات السابقة الفوز بأي مقعد، متطلعاً إلى أن يودع الناخبون أصواتهم للعناصر المؤهلة للدفاع عن مصالحهم وحقوقهم. ومن جهتها قامت «الوسط» بالاتصال بالمعنيين في وزارة شئون البلديات والزراعة، بهدف معرفة رأيهم بشأن محدودية صلاحيات المجالس وفق قانون البلديات رقم (35) لسنة ،2001 إلا أنه تعذر الحصول على أية إجابات
العدد 1199 - السبت 17 ديسمبر 2005م الموافق 16 ذي القعدة 1426هـ