في غمرة الحديث الدبلوماسي عن كوريا الشمالية يثير صمت مريب انقساما بين الصين والولايات المتحدة بشأن ما ستفعلانه إذا سقطت الدولة التي تمتلك أسلحة نووية في حالة من الفوضى بل وحتى انهارت. و يعتقد محللون أن الضغينة التي أبدتها كوريا الشمالية في الآونة الأخيرة - حيث هددت الأسبوع الماضي بإجراء تجربة نووية جديدة - تعكس جزئيا تركيز زعيمها كيم جونغ ايل على التحكم في خلافته بعد المرض الذي أصابه وترك الزعيم البالغ من العمر 67 عاما منهكا وأعرج. و يشير تراجع صحة كيم ومجموعة من التغييرات في المسئولين في بيونغ يانغ إلى أن الشكوك الضبابية المحيطة بالسلطة في السلالة الحاكمة التي يقوم حكمها على نظام الحزب الواحد يمكن أن تحرك سلوك كوريا الشمالية في طرق تختبر القوى الإقليمية.
واللاعبون الخارجيون أصحاب المجازفة الأكبر في مصير كوريا الشمالية هم الولايات المتحدة وحلفاؤها كوريا الجنوبية واليابان فضلا عن الصين وهي جارة وراعية لجارتها الشمالية الشيوعية تمدها بالمساعدات منذ زمن طويل. لكن إذا كان زعماء بكين قلقين بشأن استقرار جارتهم فإنهم لا يشاركون غيرهم هذه المخاوف. و يرى محللون ومسئولون سابقون أن الصين أحجمت عن الحديث مع واشنطن عن العواقب في كوريا الشمالية، و خصوصا أن خطر احتمال أن تؤدي وفاة أو إعاقة كيم إلى انزلاق بلاده إلى اضطرابات ربما يهدد أمن ترسانتها النووية الصغيرة. و يقول الباحث الزائر بمعهد بروكينجز في واشنطن العاصمة والذي كان يعمل في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس السابق جورج بوش، دينيس وايلدر «من المؤكد يتولد لدينا شعور بأنهم (الصين) متوترون من الوضع في كوريا الشمالية وأنهم يجب أن يقوموا بنوع من التخطيط للعواقب. و استطرد قائلا «لكن ليس هذا مجال يشعرون أن لهم الكثير من الحرية في مناقشته. و ليست هناك مؤشرات على أن كيم يواجه موتا وشيكا أو أن بلاده على شفا اضطراب. و من المحتمل حدوث انتقال مخطط.
لكن الافتقار إلى استراتيجية إقليمية لمواجهة رحيله المحتمل يجعل السيناريوهات أكثر التباسا و تنطوي على اضطراب محتمل. و قال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة رينمين في بكين» سهي ينهونغ « عن احتمالات حدوث الفوضى في كوريا الشمالية المخاطر عالية جدا بحيث سيكون علينا جميعا أن نتعاون». و استطرد قائلا «لكن لم تكن هناك مناقشة منهجية بشأن ما سيحدث و هذا خطير... الدوافع ليست كافية سنحتاج إلى سياسات نتفق عليها». و تعاونت الصين والولايات المتحدة وكوريا الشمالية واليابان في المحادثات سداسية الأطراف المتعثرة سعيا إلى إقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن الأسلحة النووية.
كما تشارك روسيا أيضا. لكن هذه القوى لها مصالح متباينة في كوريا الشمالية ستكون معرضة للخلاف أو حتى الصراع إذا تداعت الحكومة هناك. و تناولت دراسة قام بها خبير الشئون الأمنية بول ستيرز، والمسئول السابق بوزارة الخارجية جويل ويت ونشرها مجلس العلاقات الخارجية الذي يتخذ من نيويورك مقرا له في يناير/ كانون الثاني الماضي الاحتمالات والمجاهيل الكثيرة. و كتبا أن انتقالا سلسا نسبيا للزعماء الجدد معقول تماما.
لكنهما أضافا أنه يجب ألا يستبعد تماما احتمال وقوع اضطراب سياسي مؤلم. انتشار الجوع على نطاق واسع وتدفق اللاجئين وتشرذم السيطرة السياسية والعسكرية والصراع الكامل كلها مشكلات محتملة يمكن أن تنجم عن هذا الاضطراب، كل هذا فضلا عن الترسانة النووية البدائية لكوريا الشمالية في الخلفية. و سيكون للاعبين الكبار جميعا مصالح متضاربة في كيفية التعامل مع هذا الاضطراب. و ينص دستور كوريا الجنوبية على أن حكومتها تحكم شبه الجزيرة الكورية بكاملها وتشعر بأن من حقها التوحد مع جارتها الشمالية. و كتب ستيرز وويت يقولان إن اليابان شعرت بالقلق من إطلاق كوريا الشمالية صاروخا وستشارك الولايات المتحدة قلقها بشأن أمن برنامجها للتسلح النووي.
لكن سيئول ستكون حذرة بشأن إعادة تأكيد اليابان نفوذها في شبه الجزيرة. و لطالما نظرت الصين إلى كوريا الشمالية على أنها عازل استراتيجي يحول دون امتداد قوات الولايات المتحدة وحلفائها إلى حدودها لكنها تخشى من زيادة في أعداد اللاجئين الذين يتدفقون عبر الحدود البالغ طولها 1416 كيلومترا مع بيونغ يانغ. و يقول درو طومسون من مركز نيكسون في واشنطن والذي درس العلاقات الحدودية بين البلدين إن من الممكن أن ترسل بكين قوات إلى كوريا الشمالية بدافع من هذه المخاوف. و أضاف عبور الصين الحدود مجددا يعيدنا إلى الخمسينات، مشيرا إلى الحرب الكورية. و كتب ستيرس وويت أن الولايات المتحدة ستحركها الحاجة إلى تأمين الأسلحة النووية لكوريا الشمالية والضغط للمساعدة في تجنب حدوث مجاعة وتدفق للاجئين بأعداد كبيرة. و يشير طومسون إلى أن المخاطر تكمن في أنه إذا تفجرت أزمة في كوريا الشمالية فإن القوى الإقليمية على الأرجح سترتبك عندما تحاول التوصل إلى رد فعل منسق. و أضاف سيكون ألطف كثيرا لو تمتعنا باتصالات أفضل... الاحتمالات حقل ألغام.
العدد 2433 - الإثنين 04 مايو 2009م الموافق 09 جمادى الأولى 1430هـ