أهارون فريزر - حاخام يقيم في غوش اتزيون، ويدير حالياً برنامج التعليم اليهودي Orach Mishor على الإنتر
17 نوفمبر 2010
بينما كنت أقود سيارتي يوماً على الطريق رقم 60 قرب الخليل، رفعْتُ يدي تحية لفلسطيني كان يقف على جانب الطريق. سألتْني ابنتي وعمرها سبع سنوات: «كيف تعرف ذلك الرجل يا بابا؟» عندما أخبرتها أنني لا أعرفهُ سألتني لماذا قمت إذن بتحيته؟ أشرت إلى تعاليم «أخلاقيات الآباء» التي تقول واحدة منها: «كن الأول في تحية كل شخص».
ما زالت ابنتي أصغر من أن تفهم الكثير من الأمور، ولكنني أعتقد أنها استوعبت الدرس، وهو أنني أعترف بأن الشخص هو إنسان. هذا في الواقع هو الدرس الأساسي الذي أسعى لتعليمه لأطفالي وأفراد مجتمعي وأي شخص مستعد لأن يصغي، وضمن مفهوم نزاعنا حول الحقوق في هذه الأرض. فبغضّ النظر عن عمق الخلاف فإننا لا نستطيع حجب الإنسانية عن الآخر، ويجب علينا أن نتذكر أن مجال الأخلاقية يضمّهم أيضاً.
قد يتساءل الكثيرون ما إذا كانت إيماءة صغيرة كهذه التحية تستطيع التغلب على الأحداث التي تقع على مستوى وطني. ولكن ذلك لا يهمني. فكشخص متدين أؤمن أننا مضطرون في نهاية المطاف أن نتصرف حسب ضميرنا حتى لو كنا نعرف أنه من غير المحتمل أن يحقق تقدماً في المفهوم المنفعي. تطلب منا التوراة أن «نسير في طرق الرب»، وهو ما يفسره الحاخامات على أنه التصرف بلطف وشفقة. وهذه صفات شخصية يجب علينا أن نعمل على تأصيلها في أنفسنا، من أجلنا نحن، بغض النظر عن أية فائدة استراتيجية قد تعود أو لا تعود علينا.
أنا لست سلبياً مسالماً وأؤمن باستخدام القوة بشكل براغماتي عندما يكون الأمر ضرورياً للدفاع. ولكنني أعارض بشكل عنيف التآكل غير المبرر أو عدم الاحترام تجاه الآخر، والدمار العشوائي لممتلكاته أو رموزه الدينية.
أمام هذه الخلفية، قمت مع مجموعة من الناس من مجتمعي المحلي في آلون شفوت بالانضمام إلى مظاهرة احتجاج يوم الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول ضد تخريب مسجد بيت فجار، التي تقول التقارير إنه تم على أيدي يهود.
لقد تم تعليمي دائماً أنه تأتي أوقات يجب ألا نتوخى الصمت فيها. من المؤكد أن ارتكاب جريمة حقد باسم التوراة هي واحدة من تلك المناسبات. إنه لتلطيخ علني لاسم الرب وعار على تقاليدنا. بغضّ النظر عن الأمور الأخرى، كيف يمكننا ترك أطفالنا يشاهدون عملاً بشعاً كهذا بينما نقف دون إدانته. ما هي القيم التي نعلّمهم إياها من خلال ذلك؟ ما هي الصورة التي نعرضها على جيراننا الفلسطينيين؟ عندما يتكلم المخربون بصوت مرتفع بأعمالهم البشعة المسمومة فهل نجرؤ على الوقوف صامتين؟
عندما قمت بنشر ذلك الحدث على قائمة الرسائل الإلكترونية في مجتمعي المحلي كانت الردود مختلطة. أبدى بعض جيراني دعمهم، ولكن بعضهم عارضني؛ ما أثار شعوري بالخيبة. إلا أن أكثر المعارضين شدة للحادث كتبوا قائلين: «حتى يتسنى إزالة أي شك فإنني لا أصفح عن أعمال تخريب المساجد». أظهرت هذه الردود أن دعم تخريب المساجد، في مجتمعنا هو أبعد من حدود التصرف الحضاري.
كان الاعتراض الأوّلي الذي أبداه العديد من أعضاء مجتمعي المحلي هو أن هذا الحدث لن يكون جزءاً من علاقة متبادلة. «هل نرى الفلسطينيين المحليين يحتجّون عندما يُقتَل يهود على أيدي إرهابيين؟» يتساءل هؤلاء. اضطررت أن أوافق على أنه حسب معرفتي، نحن لا نرى ذلك. إلا أنني رفضت التركيز على ذلك كوسيلة لاستثناء نفسي بطريقة ما عما أراه على أنه واجبي الأخلاقي الخاص بي. ليس انتظار كل طرف ليرى الطرف الآخر يتصرف أولاً بالتأكيد وصفة للتسامح والتسوية.
انضممت، آخذاً ذلك بعين الاعتبار إلى حاخامات ومواطنين آخرين من المنطقة إلى حدث احتوى على مكونين اثنين، اجتماع رسمي أكثر قدّم فيه العديد من الحاخامات الكبار (أعلى مرتبة مني) لأئمة بيت فجار كتب قرآن كريم بدلاً من تلك التي تضررت، تبعه تجمّع للجمهور العام للتعبير عن إدانتنا لعملية التخريب.
كانت هناك بضع تجارب صعبة بالنسبة لي في ذلك الحدث.
أولاً، ألقيت الحجارة على بعض الإسرائيليين الذين حاولوا دخول بيت فجار.
ثانياً، استغل المتحدث الفلسطيني في تجمعنا الشعبي الفرصة ليعظ حول كيف يتوجب على إسرائيل إعادة جميع الأراضي التي يطالب بها الفلسطينيون، وإلا فليتوقعوا استمرار الإرهاب.
لسوء الحظ أن الفلسطينيين المعتدلين لم يحضروا ليعبّروا عن وجهات نظرهم.
وأخيراً، رسم الإعلام الصحافي صورة مشوّهة للحدث، قائلاً بشكل ضمني أن كل يهودي لم يحضر الحدث (الذي تم تنظيمه خلال يوم عمل واحد) يمكن اعتباره مسانداً لعملية حرق المساجد.
كنت آمل بتجربة أقابل خلالها قادة ذوي عقليات مماثلة من ديانة أخرى لبدء بناء علاقة لها أهميتها. ربما كانت توقعاتي متفائلة بشكل زائد أو مثالية جداً، حيث أن ذلك كان بعيداً عما حصل فعلاً. بغضّ النظر، أعتقد أن ما قمنا به كانت له بعض الفوائد العملية. فقد أعربنا عن الفكرة الأساسية بأن اليهود يعارضون هذا النوع من الإهانة للمسلمين، وأنا واثق من أن هذه النقطة سوف يرنّ صداها لدى بعض المسلمين. أي سرد لهذا العمل ظهر في الإعلام العربي، كما حدث فعلاً، يشكّل بالتأكيد خطوة إيجابية.
يتوجب علينا معاملة الآخر باحترام وتواضع، لصالحنا وبغض النظر عن كيف تُستَقبل إيماءاتنا. هناك أمور كثيرة لا سيطرة لنا عليها، ولكننا نملك سيطرة كاملة على أعمالنا. وحتى في الأوقات التي يستفحل فيها النزاع، سوف أستمر في التلويح تحية للفلسطينيين عابري السبيل.
العدد 2995 - الأربعاء 17 نوفمبر 2010م الموافق 11 ذي الحجة 1431هـ