انطلقت خلال هذا الأسبوع فعاليات المهرجان المسرحي الثاني لجامعات مجلس التعاون الخليجي والذي استضافته جامعة البحرين برعاية وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل وذلك بواقع ثلاثة عروض يومية تعقبها ندوة تطبيقية يشارك فيها المخرجون ومجموعة من النقاد، وقد توزعت العروض بين جامعة البحرين ومدرسة مدينة حمد والصالة الثقافية بالمنامة.
وقد قدمت في اليوم الأول مسرحية «حالي حالك « تمثيل طلبة جامعة الملك عبدالعزيز، ثم مسرحية عصف تمثيل طلبة جامعة الطائف، وفي الفترة المسائية مسرحية صفحة ثمانية تمثيل طلبة جامعة البحرين.
أعقبت العروض ندوة تطبيقية شاركت فيها المخرجة المسرحية كلثوم أمين بالإضافة لكل من إبراهيم خلفان، وخالد عوض الحربي، ومساعد الزهراني، بإدارة محمود الصفار.
وفي نقدها أشارت كلثوم أمين إلى أن خالد حربي في مسرحية «حالي حالك» جامعة الملك عبدالعزيز، يقدم لنا ما يريده من خلال كلمات ذات عمق ودلالة دأب الإنسان على قولها ألا وهي «لقد فسد الزمان ...» فهل حقاً فسد الزمان أم هم البشر الذين نشروا الشر والفساد فيه؟
وأضافت أمين، هي حكاية قضية يرى المؤلف والمخرج أنها طالت وبدأت تدخل في طي النسيان، إنها قضية فلسطين التي يرمز لها المخرج بذلك الجسد المسجى منذ أكثر من ستين عاماً وتلك الرصاصة التي قد تنهي حياته في أية لحظة، جسد نسيه أهله ونسوا التضحيات التي قدمها والبطولات التي خاضها فنحن نعيش في عالم تغلب عليه المصالح الشخصية فأصبح الفساد في هذا المجتمع مسلكاً عادياً بحيث نرى الطبيب والممرض يتاجران بالمرض والمرضى والتاجر الذي يستغل حتى كوارث هذا الكون في سبيل ملء جيوبه ولا يتورع هؤلاء حتى عن بيع القضية في سبيل مصالحهم الشخصية وإذا ما ظهر من يحاول إبراز هذا الفساد وفضحه في محاولة مستميتة للتمسك بالمبادئ، عندها يصبح هو المجرم الذي يجب معاقبته. استخدم المخرج منطقة القوة في وسط الخشبة لينطلق منها الممثل بديكور متحرك بسيط ويتم تحريكه من قبل الممثلين عند تغير المشاهد. وفق المخرج عندما أدار الممثل قضبان الزنزانة ليدخلنا فيها ولنكون مع عبدالعزيز القدير الذي مثل دور راشد فكنا رواة للحكاية. كما شكل هارون سعد وفيصل الحربي (الطبيب والممرض) ثنائياً كوميدياً أظهرا وبأسلوب مرح نوعية أصحاب المهن الانتهازيين، وقد كان فيصل الحربي متمكناً من أدائه جسداً وصوتاً. أخذت الموسيقى مساحة كبيرة في العرض واستخدمت مصاحبة للانتقال إلى المشهد التالي أو بما نسميه (فيد أوت). وكانت هذه النقلات سريعة ومتقنة.
اختتم العرض وراشد يدور في زنزانته يتساءل ويطالب بالجواب فهل من مجيب.
وفي نقدها لمسرحية «عصف» لجامعة الطائف تأليف فهد رده إخراج مساعد الزهراني الحارثي أشارت كلثوم إلى أنه منذ اللحظة الأولى استولى الممثلون على الخشبة وبالتالي الجمهور فقد شكلوا مجموعة متحركة بشكل سريع يغلب عليها الطابع الكوميدي إنهم في سبيلهم إلى الرحيل وهنا يبدأ السؤال هل غادرت الرحلة؟ إذن هم مجموعة حملت حياتها وذكرياتها وأسرار عيشها في حقائب هي أقرب ما تكون سيرة حياة أو مذكرات لما مر في حياة كل منهم والتي رمز لها هنا بالملابس أو الصور بالإحباطات (مثل تجميع الكرفتات التي لن تستعمل ) و كيف تحولت إلى مشانق ، أو الألم الذي يستولي على الإنسان و يحول حياته إلى عالم فارغ من الأمل ( الحقيبة الفارغة ) . إنها رحلة البحث عن الذات لكن الفضول يطغي على البشر و يكون سببا في تعاسة الآخرين إنها اللعبة التي أدارها الممثلون و هم في انتظار رحلة لن تأتي فليس هناك أي واحد يقبل أن يرى الآخرين ما تحويه حقيبته بل تراهم يدافعون عنها إنها تحتوي تاريخ الفرد و حياته و أحاسيسه وعواطفه ماضيه وحاضره لهذا نرى بعدها من انكشف للآخر فكان بكاء أحدهم ورواية سبب رحيل الآخر بحثاً عن الأب أو النصف الآخر من الابتسامة ورغبة الثالث في حياة جديدة.
وذكرت أمين أنه منذ البداية ظهرت في عمق الخشبة إشارات وإرشادات مرورية غالبيتها تمنع الوقوف أو الدخول أو الخروج وتحدد حتى مسار الفرد وسرعته بل كانت هناك دوائر بيضاء فارغة وكأن المخرج يقصد بها أنها جاهزة لتعليمات ستأتي لاحقاً، وكأن المخرج يريد أن يقول إذن نحن هنا مسيّرون ولسنا مخيّرين حتى عندما تقف المجموعة في خط الرحيل الذي يتغير وينتقل في كل لحظة دون حتى اعتراض من هؤلاء المسافرين وقد أعجبني التوزيع الجميل في الأداء عندما كان يتحاور اثنان من المسافرين بينما البقية تتفاهم بأداء صامت. واشارت كلثوم أن استخدام الصوت والموسيقى كان موزعاً بشكل صحيح مع حركة المؤدين وغلبت إضاءة النهار على العرض إلا في بعض اللحظات القليلة ما ألقى ثقلاً كبيراً على حركة المؤدين الذين وفقوا في توزيعهم على الخشبة وفي تلوين أدائهم الجسدي والصوتي. أما ختام العرض عندما ينتقل الممثل من دوره ليعطي الجمهور ظهره ولتشكل المجموعة في عمق الخشبة عرضاً جميلاً بالضوء وكأنها أطياف ترحل وتسافر قائلة «هل غادرنا أنفسنا؟».
أما مسرحية صفحة 8 ـ من تأليف و إخراج إبراهيم خلفان - جامعة البحرين فقد أشارت أمين إلى تقنيات المسرح البريختي التي كانت حاضرة في العرض، فقد أسقط الممثلون الجدار الرابع وتوجهوا بشكل مباشر إلى جمهور الصالة مستخدمين مقدمة الخشبة بحيث أصبحت الصالة كلها مسرحاً. العرض كان عبارة عن سلسلة متصلة ومنفصلة من المشاهد التي تتناول في كل منها مسألة أو قضية اجتماعية أو سياسية فمن المتقاعد المنسي إلى الإنسان المكافح البسيط الذي يصطدم بجدار الفساد والمحسوبية إلى كبار السن الذين كما يريد أن يبين لنا العرض أنهم أصبحوا في نظر البعض كمّاً فائضاً في هذا المجتمع بحيث كلما انتهى الممثلون من مشهد رموا بقضيته إلى تلك المزبلة الهائلة التي اتخذت لها مكاناً لا تتحرك ولاتزال في عمق الخشبة. لقد تناول العرض هموم الإنسان العربي والمواطن البحريني ومشاكل المجتمع الذي يعيش فيه ودور الصحافة في نشر الخبر أو المعلومة من خلال الحوار الرامي لإظهار حالة التفكك المجتمعي السائد، واعتماد الفرد على وسائل الإعلام حتى ولو كانت مضللة أو مليئة بالأخطاء المطبعية فتحول الخبر جملة من العبارات المفككة المثيرة للضحك.
وأضافت أمين أعجبني مشهد الطلبة ومدرّسهم و كأنهم من العصر الحجري بينما يتحدث الصوت القادم من خارج الخشبة عن الجامعات والمناهج التعليمية في دول العالم في إشارة واضحة لنوعية التعليم في مدارسنا وجامعاتنا بينما جامعات العالم في تقدم مستمر. كان الرمز سهلاً و الإيحاءات واضحة، واستخدام طريقة المسرح داخل المسرح مؤدية للغرض ووصلت الدلالات المقصودة من حكاية الأسد والأرنب، وزواج ابنة السلطان، وحكاية علاء الدين والجني. كما تناول العرض موضوع التقاعد وهموم المتقاعدين وإحساسهم بتهميشهم وبالحكم عليهم بالموت وهم أحياء بحيث لا يسمع لهم صوت، و أتساءل هل أراد المخرج أن يقول لنا إن هذا العجوز الذي رمى به ابنه على الشاطئ في إشارة إلى التخلي عن تاريخنا وتراثنا الذي يعتقد البعض أنه أصبح كمّاً زائداً يراد التخلص منه بقذفه إلى البحر أو بتكديسه في المخازن (بيت العجزة)، إنه سؤال يطرح على الجمهور. مقابل ذلك هناك الآخرون الذين ينتهزون كل الفرص ليبنوا ولاءهم خوفاً أو استسلاماً أو نفاقاً وحباً للوصول إلى مآربهم الخاصة والتمييز والتحيز ما يؤدي إلى ضياع حق المواطن في نقاشات تافهة همها الوحيد مصالحها الشخصية أو للجماعات الموالية لهذه الفئة أو تلك. وختمت كلثوم تعليقها بأن جوهر هذا العرض يأتي في المشهد الأخير حين يجتمع كل الممثلين فيما يشبه الدائرة ليقوم كل واحد منهم بحسب شخصيته بترديد كلمة واحدة ليناقضه آخر بعكسها أو ليوافق عليها حسب مصلحته (إيصير، ما يصير) و (موافق ، مب موافق) وذلك إثر تلصصهم باستلقائهم على الأرض للاستماع على ما يوافقون عليه أو يرفضوه في حلقة تدور وتدور بدون أن يكون هناك قرار، فيما يشبه حالة التخبط التي يمر بها المواطن العربي والقرارات التي تضيع في جلسات المهاترات والمناوشات بين من يحملون مصير هذا الوطن بعضهم ببعض.
العدد 3002 - الأربعاء 24 نوفمبر 2010م الموافق 18 ذي الحجة 1431هـ
هكـذا يكوون التعقيب والقراءة على العروض
قراءة جميييييلة جدا ً من الأستـاذة كلثـوم أميـن
وعرووض إبداعيـة فعـلا ً