ريمونا علي -مديرة الحملات في مؤسسة دراسة الإسلام ونائبة المحررة السابقة
26 ديسمبر 2010
لم يكن العقد الماضي سوى تحدٍّ للمسلمين في بريطانيا. ففي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول الرهيبة في مدينة نيويورك والسابع من يوليو/ تموز في لندن، وقع أتباع ثاني أكبر ديانة في العالم عرضة وبشكل قاسٍ تحت أضواء الإعلام.
بدا الوضع قاتماً، إلا أن بصيصاً من الأمل نجا من العاصفة. كان تركيز الجاليات المسلمة في المملكة المتحدة على التعافي والشفاء، والبناء والانخراط أكثر من أي وقت مضى، بينما برزت مشاريع المجتمع المحلي على مستوى الجذور عبر الأمة.
بعد تسع سنوات من الهجمات على أميركا، وخمس سنوات من هجمات لندن، هل تحسّن الوضع بالنسبة للبريطانيين المسلمين؟
تصعب الإجابة بأي قدر من الدقة. إلا أن استطلاع اليوغوف YouGov الذي تم مع نهاية شهر مايو/ أيار العام 2010 كشف أن واحداً من كل بريطانيين إثنين يربط الإسلام مع التطرف والإرهاب. ويعتقد 6 في المئة فقط أن الإسلام يشجّع العدالة. ويعتقد 67 في المئة أن الإسلام يشجّع ظلم المرأة، ولا يوافق 41 في المئة، أو «لا يوافقون بشدة» مع فكرة أن للمسلمين أثراً إيجابياً على المجتمع البريطاني.
وقد قامت المنظمة الخيرية الجديدة، مؤسسة دراسة الإسلام Exploring Islam Foundation، التي تأسست من قبل مجموعة من المهنيين البريطانيين الشباب المهتمين بعمق بالمنظور العام لدينهم، قامت بتكليف القيام بهذا الاستطلاع. وتسعى المنظمة، التي تهدف إلى تحدّي المنظور الخاطئ عن الإسلام ونشر الوعي بقيمه ومساهماته العالمية إلى البناء على الجهود المحلية الممتازة للعديد من المسلمين والمنظمات الإسلامية. وقد ساد الشعور بأن الوقت قد حان لوضع الإسلام في التيار الرئيس للمنظور العام.
أطلقت مؤسسة دراسة الإسلام أول حملة إعلامية لها وعنوانها «ألهمَني محمد» في يونيو/ حزيران العام 2010. عرضت مبادرة العلاقات العامة المقدامة أولاً حملة دعائية تغطي ثلاثة مواضيع حمل لواءها النبي محمد (ص): حقوق المرأة والعدالة الاجتماعية وحماية البيئة.
تم وضع صور لمسلمين مرتبطين بكل واحدة من هذه القيم في نظام المواصلات البريطاني: في نظام مواصلات الأنفاق ومواقف الحافلات (الباصات) وأسطول سيارات التاكسي المعروفة في العاصمة.
أطلقت حملة «ألهمني محمد» كمّاً هائلاً من الاهتمام محلياً وعالمياً، وجرت تغطيتها في مئات وسائل الإعلام من الشرق الأوسط إلى المكسيك ومن نيويورك إلى نيوزيلندا لتصل إلى ملايين الناس.
تسلّم الموقع 200,000 زيارة في أول أسبوعين من إطلاقه، حيث زاره أشخاص من 160 دولة وجرى بحثه في مدونات وعلى التويتر ومواقع التشبيك الإلكترونية.
وانهالت الرسائل الإلكترونية من مسلمين عبّروا عن فخرهم بحملة عبّرت أخيراً عن قيَم الإسلام الحقيقية. شكّلت حملة «ألهمني محمد» مؤسسة صاغت جيداً الثقة المتنامية كجزء من الهوية البريطانية المسلمة.
كانت استجابة إعلام التيار الرئيس إيجابية بشكل هائل، حيث ساهمت الحملة حتى في مضمون البرامج، مثل برنامج «السؤال الكبير» في الـ «بي بي سي»، الذي طرح التساؤل: «هل يحتاج الإسلام لعلاقات عامة أفضل؟» امتدح المشاركون في هذا البرنامج، بمن فيهم الشاعر بنيامين زفانيه وكبير محرري «New Statesmen» مهدي حسن، امتدحوا الحملة على أنها مثال ساطع من العلاقات العامة من أجل الإسلام. وعلى المستوى الفردي، ورغم وجود العديد من المدوّنات التي احتفلت بالمناسبة من خلال التعبير عن مشاعر معادية للإسلام، كانت هناك مدونات كذلك ثمّنت نجاح المؤسسة. أرسل أحدهم رسالة إلكترونية قال فيها: «لست مسلماً، وقد ألهمني عملكم إلى حد بعيد».
ورغم أن النتائج التي توصّل إليها استطلاع YouGov كانت مثبطة للهمّة، إلا أن الأمر يعود إلينا نحن المسلمين المقيمين في بريطانيا أكثر من أي وقت مضى لأن نكون إيجابيين، لإظهار الالتزام والقناعة بدلاً من الاستهداف، ولأن نستمر بمساهماتنا القيّمة تجاه تقدّم المجتمع البريطاني.
بعد التجاوب الإيجابي مع حملتها الافتتاحية، تتطلع المؤسسة قدماً إلى الحملة التالية والتي ستنطلق في يناير/ كانون الثاني من العام المقبل، مركّزة على تاريخ من التعايش والتعاطف بين المسلمين واليهود، وهي علاقة مهمة وحساسة، غطت السياسة الجغرافية إلى حد بعيد على تاريخها.
سوف تعلن الحملة الثانية وعنوانها «الصفحات الناقصة» عن التضامن مع يوم ذكرى المحرقة في 27 يناير، وتظهر كيف تسير معاداة السامية ضد تعاليم الإسلام. ومن العناصر الرئيسية لهذه الحملة استضافة المصوّر الفوتوغرافي الأميركي اليهودي نورمان غيرشمان من مؤسسة Eye Contact التي تشجّع على التسامح العالمي من خلال استخدام تصوير الأشخاص، ليتحدث عن كتابه «بيسا: المسلمون الذين أنقذوا يهوداً أثناء الحرب العالمية الثانية». وسوف تتشارك المؤسسة مع جامعات في جولة محاضرات خاصة، موفرة منتدى لجمعيات المسلمين واليهود عبر المملكة المتحدة، لنجتمع معاً في استضافة هذه المبادرة الحيوية.
قد يكون العقد الأخير مفعماً بالتحديات، إلا أنه شجع كذلك حالات من بناء الجسور والعمل الإيجابي. ورغم أن النظر إلى الوراء قد تبرز خليطاً من الحزن والعرفان لهذه الجهود، إلا أنه يمكن للمسلمين البريطانيين أن ينظروا الآن نحو مستقبل يملؤه الأمل والتصميم.
تقف بريطانيا في مقدمة أوروبا في تنوعها المزدهر، وتشكل هذه فرصة للمجتمعات البريطانية المتعددة لتجتمع معاً في الحوار والتناغم. مازال هناك الكثير الذي يجب عمله، ولكن الخطوات الأولى قد تم عبورها على الأقل.
العدد 3034 - الأحد 26 ديسمبر 2010م الموافق 20 محرم 1432هـ