تقدمت عضوا مجلس الشورى المحاميتين رباب العريض ودلال الزايد باقتراحين بقانون بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية بشأن التصالح بين المتهم والمجني عليه، وباقتراح تعديل قانون حظر ومكافحة غسل الأموال.
ويقضي الاقتراح الأول إلى انقضاء الدعوى الجنائية في حال تصالح المتهم والمجني عليه إثر حصول الأخير على التعويض المالي.
أما الاقتراح الثاني المتعلق بحظر غسل الأموال فهو ينص على تعديل تعريف غسل الأموال وتحديد الأفعال المؤثمة، بتبرير مفاده أن القانون قد جاء خالياً من تعريف جامع مانع ومحدد لجريمة غسل الأموال ولم يوضح أركانها الأساسية التي تقوم عليها، وبالتالي فإن هذه الجريمة يكتنفها الغموض واللبس ويعد العقاب عليها افتئاتاً على حرية الشخص التي كفلها له الدستور.
هذا، ويتمثل الاقتراح بقانون بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالمرسوم بقانون رقم (46) لسنة 2002 بإضافة مادة برقم (21، و22) مكرر، بشأن التصالح بين المتهم والمجني عليه في حال حصول المجني عليه على التعويض المالي ومن ثم تنازله عن القضية الجنائية.
إلى ذلك، أوضحت المحامية رباب العريض مفاد المواد المقترحة قائلة: «تضاف مادة برقم (21) مكرر إلى الفصل الثاني من الباب الأول من الكتاب الأول من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالمرسوم بقانون رقم (46) لسنة 2002، واليي يُقترح أن يكون نصها الآتي: «للمجني عليه أو وكيله في الجنح المنصوص عليها في المواد (339 و343 و395) وللمضرور في الجنحة المنصوص عليها في المادة (342) من قانون العقوبات أن يطلب إلى النيابة العامة أو المحكمة بحسب الأحوال إثبات صلحه مع المتهم.
ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية، ولا أثر للصلح على حقوق المضرور من الجريمة».
أما بخصوص المادة الثانية من الاقتراح، أفادت العريض: «تضاف مادة برقم (21) مكرراً ثانياً إلى الفصل الثاني من الباب الثاني من الكتاب الأول من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالمرسوم بقانون رقم (46) لسنة 2002 والمقترح نصها الآتي: «للمتهم في أية حالة كانت عليها الدعوى، التصالح في المخالفات وفي الجنح التي تكون عقوبتها الغرامة وفي الجنح التي يعاقب عليها بالغرامة أو الحبس الذي لا يزيد حده الأقصى على ستة أشهر، ويكون التصالح لدى محرر المحضر أو النيابة العامة على أن يسدد المتهم نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة للعقوبة، فإذا أحيلت الدعوى الجنائية إلى المحكمة المختصة يجوز للمتهم التصالح قبل صدور حكم نهائي في الدعوى على أن يسدد ثلاثة أرباع الحد الأقصى للغرامة المقررة للعقوبة، ويصدر وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف القرارات التي تحدد الجهة التي يتم السداد إليها، ويترتب على التصالح انقضاء الدعوى الجنائية ولا أثر للصلح على الحقوق المدنية للمضرور».
وعن أسباب تقديم الاقتراح بالصلح والتنازل وانقضاء الدعوى الجنائية، بررت العريض والزايد تقدمهما به إلى «ما ثبت من الواقع العملي في وجود كثير من الجرائم التي يهدف المجني عليه فيها أو المضرور دائماً إلى الحصول على المقابل المالي ولا يعنيه بعد ذلك حبس المتهم أو عدم حبسه، وبالتالي كان من الأولى أن يؤخذ بالتصالح أو التنازل في هذه الجرائم ويكون لهذا التنازل أثره على الحكم في الدعوى الجنائية طالما أن المجني عليه أو المضرور قد حصل على حقوقه أو التعويض على حسب الأحوال».
وأوضحتا «من هنا كان لابد من تدخل تشريعي وإجراء تعديل على بعض مواد قانون الإجراءات الجنائية يرتب على التصالح أو التنازل في بعض الجرائم، على أن تحكم المحكمة أو تصدر النيابة العامة أمراً بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية للتصالح».
وأضافت العريض «من أهم الجرائم التي يصلح فيها هذا النظام جرائم القتل والإصابة الخطأ ففي هذه الجرائم إذا حصل المضرور أو المجني عليه على التعويض أو الديّة، لكان ذلك مواساة له عن الضرر ولا حاجة له في حبس المتهم، كما يصلح هذا النظام أيضاً في جرائم خيانة الأمانة، وهي جرائم ذات طابع مالي فإذا رد المتهم المال المؤتمن عليه فليس هناك داعٍ لحبسه».
أما العضو دلال الزايد فقد أشارت إلى أن «من مميزات الأخذ بهذا النظام أن من شأن تقديم التصالح أو التنازل أمام النيابة وإصدارها أمراً بأن لا وجه لإقامة الدعوى ألا تحيل الدعوى إلى المحكمة، ومن شأن ذلك تقليل عدد القضايا المنظورة أمام المحاكم. كذلك فإن تقديم التصالح أمام محكمة أول درجة وإصدار المحكمة حكماً بانقضاء الدعوى الجنائية للتصالح من شأنه تقليل عدد القضايا المنظورة أمام محكمة الاستئناف».
مردفةً «وأيضاً فإن التصالح أمام محكمة الاستئناف يترتب عليه إلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجدداً بانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح، ومن شأن هذا أن يؤدي إلى قلة عدد الطعون أمام محكمة التمييز لأنه لا يكون للطاعن مصلحة في هذه الحالة لصدور الحكم لصالحه، وهو ما يوفر على قضاة التمييز الوقت والجهد».
لافتةً إلى أن «وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف قد تبنت في خطتها الاستراتيجية هذا الاتجاه، إذ ورد في البند ثالثاً من الخطة الاستراتيجية أن من بين أهداف الوزارة تعديل قانون الإجراءات الجنائية عن طريق زيادة عدد الجرائم التي يجوز فيها الصلح».
كما تقدمت رباب العريض ودلال الزايد باقتراح بقانون بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال والمعدل بالقانون رقم (54) لسنة 2006.
وتنص المواد المقترحة على الآتي:
المادة الأولى: يستبدل بنص المادة ( 2- 1/ أ، ب، جـ، د) من المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال والمعدل بالقانون رقم (54) لسنة 2006 النص الآتي:
المادة (2- 1): «يحظر غسل الأموال المتحصلة من جرائم زراعة وتصنيع النباتات والجواهر والمواد المخدرة وجلبها وتصديرها والاتجار فيها، وجرائم اختطاف وسائل النقل واحتجاز الأشخاص، والجرائم التي يكون الإرهاب - بالتعريف الوارد في المادة الأولى من القانون رقم (58) لسنة 2006 بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية - أو تمويله من بين أغراضها أو من وسائل تنفيذها، وجرائم استيراد الأسلحة والذخائر والمفرقعات والاتجار فيها وصنعها بغير ترخيص، والجرائم المنصوص عليها في الفصل الأول والثاني من الباب الأول، والفصل الأول والثاني من الباب الثاني، والفصل الأول والثاني والثالث من الباب الخامس من قانون العقوبات، وجرائم سرقة الأموال واغتصابها، وجرائم الاحتيال التي تقع على المؤسسات المصرفية، وجرائم الفجور والدعارة، والجرائم الواقعة على الآثار، والجرائم البيئية المتعلقة بالمواد والنفايات الخطرة، والجرائم المنظمة التي يشار إليها في الاتفاقيات الدولية التي تكون البحرين طرفاً فيها، سواء وقعت جريمة غسل الأموال أو الجرائم المذكورة في الداخل أو الخارج، بشرط أن يكون معاقباً عليها في كلا القانونين البحريني والأجنبي والجرائم التي ينص عليها في قوانين أخرى باعتبارها جرائم غسل أموال».
أما المادة الثانية المقترحة فتنص على: «تضاف إلى نهاية التعريفات الواردة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال النص الآتي:
(غسل الأموال): كل سلوك ينطوي على اكتساب أموال أو حيازتها أو التصرف فيها أو إدارتها أو حفظها أو استبدالها أو إيداعها أو ضمانها أو استثمارها أو نقلها أو تحويلها أو التلاعب في قيمتها، إذا كانت متحصلة من جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة (2) من المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2001 المعدل بالمرسوم بقانون رقم (54) لسنة 2006 مع العلم بذلك، متى كان القصد من هذا السلوك إخفاء المال أو إخفاء مصدره أو مكانه أو صاحبه أو صاحب الحق فيه أو تغيير حقيقته أو الحيلولة دون اكتشاف ذلك أو عرقلة التوصل إلى شخص من ارتكب الجريمة المتحصل منها المال».
في حين تشير المادة الثالثة من الاقتراح على أن «تلغى الفقرة (2- 3) من المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسيل الأموال المعدل بالقانون رقم (54) لسنة 2006».
وفي بيان إيضاح المواد المقترحة، قالت العريض: «إن القوانين العقابية تفرض على الحرية الشخصية أخطر القيود وأبلغها أثراً، إلا أن الدستور قد وضع على تلك القوانين قيوده الصارمة وضوابطه الواضحة، حتى لا يتخذها المشرع وسيلة للذهاب بجوهر الحرية».
مضيفةً «ومن أهم هذه الضوابط ضرورة أن تكون درجة اليقين التي تنظم أحكام القوانين العقابية في أعلى مستوياتها، وأظهر في هذه القوانين من أية تشريعات أخرى ويتعين بالتالي - ضماناً لهذه الحرية - أن تكون الأفعال التي تؤثمها محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها، وأن تكون جلية واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها، ذلك أن التجهيل بها أو انبهامها في بعض جوانبها لا يجعل المخاطبين بها على بينة من حقيقة الأفعال التي يتعين عليهم تجنبها، كما أن غموض مضمون النص العقابي يؤدي إلى أن يُحال بين محكمة الموضوع وبين إعمال قواعد منضبطة، تُعَيِنُ بموجبها أركان كل جريمة، وتُقَرِرُ بها عقوبتها بما لا خفاء فيه أو لبس، وهي قواعد لا ترخص فيها، وتمثل إطاراً لعملها لا يجوز تجاوزه».
لافتةً إلى أن «الغاية التي يتوخاها الدستور هي أن يوفر لكل مواطن الفرص الكاملة لمباشرة حرياته في إطار من الضوابط التي قيدها بها. ولازم ذلك أن تكون القيود على الحرية التي تفرضها القوانين العقابية محددة بصورة يقينية، لأنها تدعو المخاطبين بها على الامتثال لها لكي يدافعوا عن حقهم في الحياة، ويدفعوا عن حرياتهم تلك المخاطر التي تعكسها العقوبة، بحيث لا يجوز تجاوز الحدود التي اعتبرها الدستور مجالاً حيوياً لمباشرة الحقوق والحريات التي كفلها، وهو ما يخل في النهاية بالضوابط الجوهرية التي تقوم عليها المحاكمة المنصفة وفقاً لنص المادة (20/ ج) من الدستور».
ومن جانبها، ذكرت العضو دلال الزايد أن «المرسوم بقانون بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال في المادة (2) منه لم يحدد الجرائم التي تعتبر مصدر المال غير المشروع واكتفى بإيراد العمليات التي تعتبر جريمة غسل أموال، من دون أن يحدد جرائم بعينها لتكون هي مصدر المال، وبذلك يكون القانون قد أعطى سلطة الاتهام مجالاً واسعا في تحديد ما يعتبر غسل أموال وما لا يعتبر كذلك، بما مؤداه إعطاء سلطة التحقيق قدراً واسعاً للاعتداء على الحرية الشخصية من دون مبرر وهو ما يخالف المادة (19/ 1) من الدستور».
واستطردت «كما أن الدستور قد نص في المادة (20/ 1) من الدستور على أنه «لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها».
وعقبت بالقول: «قد دل المشرع بهذا النص على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، لأن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التجريم، فكل شيء مباح فعله إلا ما خصه نص قانوني وجرمه ورتب على ارتكابه عقوبة فلا يجوز معاقبة شخص على فعل غير مجرم ولا معاقب عليه بنص قانوني صريح».
وأشارت الزايد إلى أن «أحكام المحاكم الدستورية استقرت على أن «مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وان اتخذ من ضمان الحرية الشخصية بنياناً لإقرار توكيده، إلا أن هذه الحرية ذاتها هي التي تقيد من محتواه، فلا يكون إنفاذ هذا المبدأ لازماً إلا بالقدر وفي الحدود التي تكفل صونها، ولا يجوز بالتالي إعمال نصوص عقابية يسيء تطبيقها إلى مركز قائم لمتهم، ولا تفسرها بما يخرجها عن معناها أو مقاصدها ولا مد نطاق التجريم، وبطريق القياس، إلى أفعال لم يؤثمها المشرع».
وفي هذا الصدد بينت العضو رباب العريض أن «نص المادة (2- 1) من ذات المرسوم بقانون لم يحدد الجرائم التي تعتبر مصدر المال غير المشروع واكتفى بإيراد العمليات التي تعتبر جريمة غسل أموال دون أن يحدد جرائم بعينها لتكون هي مصدر المال، وبذلك يكون القانون قد أعطى سلطة الاتهام مجالاً واسعاً في تحديد ما يعتبر غسل أموال وما لا يعتبر كذلك، لكون القانون لم يحدد جرائم مصدر المال غير المشروع، وهو ما يعد مخالفاً لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات التي حرص المشرع في ترديده في المادة 20/ 1 من الدستور».
مضيفة أن نص المادة (2- 3) من ذات المرسوم بقانون قد نصت على أن «يعاقب بعقوبة جريمة غسل الأموال الواردة في هذا القانون حتى ولو لم تثبت الإدانة في الفعل الإجرامي الأصلي»، يخالف على صورته الحالية نص الفقرة (ج) من المادة (20) من الدستور التي نصت على أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفقاً للقانون».
وانتهت العريض والزايد في الاقتراح المقدم إلى أن «نصوص المواد (2 / 2- 3 ) تناقض قرينة البراءة ويعد اعتداء على حرية الأفراد وذلك لعقابهم عن أفعال قد لا يكون مصدر الأموال فيها غير مشروع وهو ما يناقض قرينة البراءة التي حرص عليها الدستور على النص عليها».
كما أن العقاب على جريمة غسل الأموال في حالة البراءة في الجريمة الأصلية تكون إدانة قائمة على الاحتمال في حين أن المستقر عليه أن الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين.
ومن ناحية أخرى، تطرقت العريض والزايد إلى «غموض مضمون النصوص العقابية والذي من شأنه الحيلولة بين محكمة الموضوع وبين أعمال قواعد منضبطة تبين لكل جريمة أركانها وتقرر عقوبتها دون لبس أو غموض».
واختتمتا بالقول: «إن القانون قد جاء خالياً من تعريف جامع مانع ومحدد لجريمة غسل الأموال ولم يوضح أركانها الأساسية التي تقوم عليها، وبالتالي فإن هذه الجريمة يكتنفها الغموض واللبس ويعد العقاب عليها إفتئاتاً على حرية الشخص التي كفلها له الدستور وبذلك يكون القانون قد خالف نص المادة 19/ 1 من الدستور»
العدد 3061 - السبت 22 يناير 2011م الموافق 17 صفر 1432هـ