قبل سنوات قليلة، كتب فيتوريو زوكوني في عموده بصحيفة «لا ريبوبليكا» الإيطالية أن «المجانين» فقط هم من سيواصلون وصف الدوري الإيطالي بأنه أفضل دوري كرة قدم في العالم. وأثبت الزمان أن الصحافي المخضرم زوكوني كان على صواب، فعلى رغم فوز إيطاليا بلقب كأس العالم 2006 في ألمانيا - اللقب الرابع في تاريخ المنتخب الإيطالي (الآزوري) في بطولات كأس العالم - من الصعب أن يشعر أي شخص بوجود مقارنة بين الدوري الإيطالي والدوري في إنجلترا أو إسبانيا.
فأفضل اللاعبين في العالم يسعون في الوقت الجاري إلى الانتقال لأندية الدوري الإنجليزي والإسباني بصفتهما الأقوى والأفضل في العالم حاليا.
ومع بث مباريات العديد من بطولات الدوري المحلي في أوروبا على القنوات التلفزيونية المشفرة، من الصعب أن تفرض مباريات الدوري الإيطالي نفسها على مشاهدي القنوات مدفوعة الأجر.
وبالنظر إلى البطولات الأوروبية للأندية، نجد أن الفرق الإيطالية أخفقت في عبور دور الثمانية لبطولتي دوري أبطال أوروبا وكأس الاتحاد الأوروبي.
وخرج فريقا إنتر ميلان، حامل لقب الدوري الإيطالي، ويوفنتوس، صاحب المركز الثالث في الدوري الإيطالي حاليا، مبكرا من دوري أبطال أوروبا وفقد الفريقان بريقهما الذي كانا عليه عندما سيطرا على الساحة الأوروبية خلال ثمانينات وتسعينات القرن العشرين، كما خرج ميلان، صاحب المركز الثاني حاليا، من مسابقة كأس الاتحاد الأوروبي صفر اليدين.
ولم يعد الأمر يتعلق فقط بتراجع مستوى الأداء أو قدرة الفرق الإيطالية على المنافسة أوروبيا، أو حتى عدم وجود العديد من النجوم العالميين في الدوري الإيطالي مثلما كان في الماضي.
بل امتد الأمر إلى بعض الظواهر السلبية التي تشهدها الملاعب الإيطالية خصوصا في مدرجات المشجعين وخارج الاستادات.
فعلى سبيل المثال، شهدت المباراة التي تعادل فيها فريقا يوفنتوس وانتر 1/1 في 18 ابريل/ نيسان الماضي، أداء طيبا من الفريقين، خصوصا على المستوى الخططي ولكنها شهدت أيضا سلوكيات سيئة، لا سيما تلك الإهانات العنصرية التي وجهها المشجعون إلى لاعب إنتر ميلان ماريو بالوتيللي.
ولد بالوتيللي (18 عاما) لعائلة من غانا كما تألق في صفوف إنتر هذا الموسم. وسجل اللاعب هدف إنتر في منتصف الشوط الثاني قبل أن يتعادل يوفنتوس مع نهاية المباراة.
وبمجرد تسجيل اللاعب لهذا الهدف، انطلقت عبارات وصافرات الاستهجان العنصرية من مدرجات الاستاد في تورينو، ما كلف يوفنتوس بعدها خوض مباراته التالية على هذا الملعب من دون جمهور.
واستعاد المدير الفني للفريق المدرب كلاوديو رانييري، ذكرياته عندما كان مديرا فنيا لتشلسي الإنجليزي إذ تعرض اثنان من المشجعين للحرمان من دخول الاستاد لمدة خمس سنوات بسبب توجيه إهانات إلى مهاجم بلاكبيرن الترينيدادي دوايت يورك، عندما كان في طريقه للنزول إلى أرض الملعب.
وقال رانييري: «إذا حدث ذلك في إيطاليا. سيفكر المشجعون مثيرو الشغب والعنف مرتين قبل ارتكاب أو التلفظ بشيء».
وتوجد قوانين في إيطاليا لإيقاف المشجعين المشاغبين (هوليغانز) عن حضور المباريات، ولكن ما يحدث دائما هو أن المشجعين الذين يتم إلقاء القبض عليهم هم هؤلاء الموقوفون بالفعل عن حضور المباريات، وكان يتعين عليهم عدم حضور المباريات.
ووضع وزير الداخلية الإيطالي خطة لمراقبة ورصد الجماهير من خلال توزيع بطاقات للمشجعين صادرة عن الأندية.
بيد أن المبادرة أخفقت وسط الفتور التي وجدته من قبل الأندية التي تعاني هي نفسها من شغب المشجعين.
ودافع المدير الفني لفريق إنتر ميلان البرتغالي جوزيه مورينهو، عن يوفنتوس في قضية بالوتيللي ولكن يبدو أن كلماته أتت بنتائج عكسية لدى مشجعي كرة القدم في إيطاليا عموما.
وقال مورينهو: «ما حدث في هذه المباراة لم يكن المرة الأولى. إنه يحدث في العديد من الاستادات وفي المنازل أيضا».
وبعيدا عن العنصرية، كانت لمورينهو رؤيته لكرة القدم الايطالية بعد تجربته الناجحة في كل من بورتو البرتغالي وتشلسي الإنجليزي إذ قال: «الحياة هنا (في إيطاليا) ليست سهلة» في إشارة إلى التغييرات العديدة للمدربين وهو ما شهده نحو نصف عدد الفرق المشاركة في دوري الدرجة الأولى هذا الموسم، بينهما ناديان قاما بتغيير مدربيهما مرتين.
وقال مورينهو: «أقول إن المدربين الإيطاليين يتميزون بالمهارة الخططية ويستطيعون التعامل مع هذا الضغط».
ووصف مورينهو كرة القدم في إنجلترا بأنها «أكثر لطفا وروعة وتوجها للمستقبل».
وعلى رغم معرفة المدربين بكيفية التعامل مع الضغوط، تفشل فرقهم دائما في إمتاع المشجعين الذين ينضمون إلى جماعات المشجعين المشاغبين.
وعلى رغم عدم وصول معدلات الحضور الجماهيري إلى مستويات رائعة، تؤكد الإحصاءات أنها أصبحت أفضل مما كانت عليه بعد اكتشاف فضيحة التلاعب بنتائج المباريات العام 2006.
ورصدت رابطة الدوري الإيطالي للمحترفين (ليغا كالتشيو) زيادة في متوسط أعداد المشجعين هذا الموسم إذ وصل متوسط الحضور الجماهيري في مباريات الدوري الموسم الجاري إلى 24 ألف و600 مشجع للمباراة الواحدة، بزيادة 2000 مشجع عن العام الماضي و6000 آلاف مشجع عنه قبل عامين.
وعلى رغم ذلك، لا تزال الاستادات الإيطالية بعيدة تماما عن نظيرتها الإنجليزية والتي تثير إعجاب المشاهدين عبر شاشات التلفزيون.
ويردد مشاهدو التلفزيون الإيطالي دائما أن مشجعي كرة القدم في استادات إنجلترا يقتربون من لمس اللاعبين داخل المستطيل الأخضر.
وما زالت معظم الاستادات الإيطالية تضع مضمارا حول أرض الملعب بخلاف السياج الحديدية المحيطة بهذا المضمار.
ويبدو أن يوفنتوس في طريقه إلى التخلص من ذلك بينما يفكر ناديا روما ولاتسيو أيضا في الاتجاه نفسه.
ويظهر البث التلفزيوني عالي الجودة أن الملاعب الإنجليزية تشبه منضدة البلياردو بينما تفسد الحالة السيئة للملاعب الإيطالية مهارات اللاعبين.
ويبذل المعلقون في التلفزيون، وخصوصا في القنوات المشفرة قصارى جهدهم من أجل إضفاء المتعة على مشاهدي المباريات ولكنهم يثيرون حيرة المشاهدين عندما يمتدحون تسديدات اللاعبين على رغم أن التسديدة تذهب خارج المرمى وأحيانا فوق العارضة بخمسة أمتار.
والحقيقة أنه مع وجود هذه المشاكل في كرة القدم، ستكون المواجهة الموضوعية لها وسيلة جيدة للحل.
العدد 2442 - الأربعاء 13 مايو 2009م الموافق 18 جمادى الأولى 1430هـ