العدد 3095 - الجمعة 25 فبراير 2011م الموافق 22 ربيع الاول 1432هـ

في مصر بلاد القطن الفاخر... صناعة الغزل والنسيج تتهاوى

«مصنوع من قطن مصري مئة في المئة» هي العبارة السحرية التي تبرر الارتفاع النسبي لسعر قطعة الملابس التي تحمل هذا الشعار، أيا كانت اللغة التي كتبت بها.

هو شعار مرادف للفخامة التي قد تضاهي الصورة الذهنية لفخامة الحرير. إلا ان القطن المصري فائق الجودة هذا لا يبدو أنه قادر على إنقاذ صناعة الغزل والنسيج المصرية مما تعانيه من جراء أزمة ارتفاع اسعار القطن في السوق العالمية خلال الشهور القليلة الماضية، وهو ارتفاع سجل نسبة جاوزت 105 في المئة في اكتوبر/ تشرين الأول من العام 2010 مقارنة بنفس الشهر من العام 2009 و24 في المئة مقارنة بشهر سبتمبر/ أيلول من العام 2010.

وهي أزمة زاد من تفاقمها اتجاه الهند وهي احدى الدول المصدرة للقطن لحظر تصديره قبل تصنيعه. ويزيد من تأثير ازمة القطن على صناعة الغزل والنسيج المصرية اعتماد تلك الصناعة على استيراد نحو 50 في المـئة من احتياجاتها من القطن، وهي كمية تصل لنحو نصف مليون بالة قطن سنويا أو ما يوازي مئة ألف طن بحسب وزارة الزراعة الأميركية في بياناتها عن استيراد دول العالم للقطن.

هذا التأثير وصل الى توقف مئات من مصانع الغزل والنسيج الخاصة وتسريح الآلاف من عمالها منذ بداية الأزمة، حسبما يقول رئيس النقابة العامة للعاملين في الغزل والنسيج سعيد الجوهري في تصريحاته لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ).

ويعترف الجوهري بصعوبة الإحصاء الدقيق لعدد العمال الذين فقدوا وظائفهم لكون معظمهم ممن كانوا يعملون بدون عقود عمل، وممن لا يحملون عضوية نقابته التي يقول إنها لا تضم أكثر من 25 في المئة فقط من عدد عمال هذا القطاع. وقال إنه طالب في مواجهة أزمة القطن العالمية في خطاب أرسله لرئيس الوزراء المصري أحمد نظيف في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي بحظر تصدير القطن المصري.

ويقول رئيس لجنة تنظيم القطن في الداخل عادل عز، إن حظر التصدير ليس حلا «لأن معظم محصول القطن المصري من النوعية طويلة التيلة والممتازة... وهي ليست النوعية التي تعتمد عليها مصانع النسيج في مصر بطبيعة الحال لكونها تمثل الأصناف الأعلى سعرا».

وقد وصلت صادرات مصر إلى نحو 460 ألف بالة من القطن الطويل وفائق الطول بنهاية العام 2010، وتتصدر الهند قائمة الدول المستوردة للقطن المصري، تليها الصين ثم سويسرا. إذ تستورد الدول الثلاث 27 في المئة، في المئة، 15 في المئة من القطن المصري على التوالي.

ويضيف عز في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) «كما أن التوسع في زراعة القطن هو أمر يعتمد أولا وأخيرا على إرادة الفلاح... والنتيجة الطبيعية لارتفاع اسعار القطن هو اتجاه الفلاحين للتوسع في زراعته مادام العائد من زراعته في ارتفاع».

وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية التي خصصت لزراعة القطن . ألف فدان خلال الموسم الحالي 2010/ 2011، وفقا لبيانات الهيئة العامة للتحكيم واختبارات القطن التابعة لوزارة التجارة والصناعة المصرية.

وتتوقع وزارة الزراعة في مصر أن يدفع ارتفاع أسعار القطن الفلاحين إلى التوسع في زراعته بحيث تصل مساحة الأرض المزروعة بالقطن إلى 500 ألف فدان. «ومع ذلك تبدو تلك المساحة ضئيلة بالمقارنة بما كانت عليه قبل نحو خمسين عاما حين كانت مصر تستغل مليوناً و800 ألف فدان من أراضيها في زراعة القطن «كما يقول الرئيس السابق لغرفة الصناعات النسيجية محمد القليوبي. إلا أن عادل عز يبدي تحفظه من ناحية أخرى على الدعوة إلى زراعة الأقطان متوسطة وقصيرة التيلة في مصر قائلا ان اتجاها كهذا قد يودي بـ «سمعة» القطن المصري العالمية «إذ قد تعني زراعة تلك الأصناف اختلاطها بالصنف المصري الأصلي طويل التيلة» على حد قوله، وهو قول تواجهه حقيقة أن مصر كانت تزرع بالفعل الأقطان متوسطة وقصيرة التيلة حتى نهاية التسعينيات، كما يقول سعيد الجوهري. إلا أن المساحة المزروعة بتلك الأصناف تمثل الآن نسبة ضئيلة إلى اجمالي المساحة المزروعة قطنا، إذ لا تزيد عن 667 فدانا فقط، بينما ذهبت بقية تلك الأراضي لزراعة الاقطان الطويلة وفائقة الطول والتي وصل انتاج مصر منها العام 2010 إلى نحو 600 الف بالة من أصل . مليون بالة تقريبا تمثل اجمالي الانتاج العالمي من الأقطان فائقة النعومة، وفقا لهيئة التحكيم واختبارات القطن.

وتمثل تلك النوعية الفاخرة نسبة ضئيلة إلى اجمالي الانتاج العالمي من القطن والذي تتوقع وزارة الزراعة الأميركية أن يصل بنهاية الموسم الحالي إلى . مليون بالة قطن.

ويقول رئيس لجنة تنظيم القطن، التي تخضع لإشراف وزير التجارة والصناعة في مصر وكانت قد أنشئت بموجب قانون تحرير تجارة القطن الصادر العام 1994، أن الأزمة العالمية في القطن هذا العام تمثلت في عجز وصل الى خمسة ملايين طن في المخزون العالمي بخلاف أربعة ملايين طن أخرى تمثل عجزا مرحلا من العام الماضي.

ويقول رئيس الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج محسن الجيلاني، التي تمتلكها الدولة وتمتلك بدورها 32 شركة تابعة إن صناعة النسيج المصرية تواجه منافسة شرسة تكبدها خسائر كبيرة «نتيجة للوضع التنافسي لصادرات دول أخرى تدعم صناعة النسيج فيها دعما كبيرا تصعب مواجهته».

وكانت الشركة القابضة قد قالت في تقرير سابق رفعته إلى وزارة الاستثمار ان سياسة تخفيض الجمارك على الغزول والأقمشة قد أثرت سلبيا على تنافسية صناعة النسيج المصرية في مواجهة تلك الواردات التي تحظى بـ «أنظمة دعم قوية تجعل المنافسة بيننا وبينهم غير عادلة».

ويعترف بما تعنيه القفزة في أسعار القطن في السوق العالمية من احتمالات تضرر أوضاع شركاته التي تعاني خسائر متراكمة بالفعل، إلا انه يقول إن الوقت مازال مبكرا للتنبؤ بحجم هذا الضرر، إذ جاوزت تلك الخسائر نحو 820 مليون جنيه مصري، في العام المالي السابق 2009/ 2010.

ويمثل عدد شركات الغزل والنسيج المملوكة للدولة نسبة قليلة إلى الشركات الخاصة التي يصل عددها لنحو خمسة آلاف شركة، وفقا لمصدر طلب عدم ذكر اسمه في غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات. لكن الامر يبدو على خلاف ذلك من حيث الحصة السوقية والإنتاج إذ تمتلك الدولة شركات ضخمة على عكس الشركات الخاصة الصغيرة نسبيا.

ويطالب الجيلاني في حديثه مع (د.ب.أ) بإلغاء تلك المادة في قانون الزراعة التي تحظر استيراد القطن من الخارج «فلا يعقل ان يستمر الاستيراد كما هو الآن، معتمدا بالكامل على قرارات وزارية من وزير الزراعة بالسماح على نحو استثنائي بالاستيراد من هذا البلد أو ذاك» على حد قوله.

وقال إن قرارا وزاريا صدر بالفعل من وزير الزراعة أمين أباظة بالسماح «المؤقت» - بطبيعة الحال بالاستيراد من كل دول العالم. إلا أن سعد نصار مستشار وزير الزراعة يقول في حديث لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن وزارته تلقت بالفعل طلبا بهذا المضمون - فتح باب استيراد القطن من كل دول العالم- من الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج ومازالت تبحث أمره، ولم تبت فيه بعد بالموافقة أو الرفض بقرار رسمي «ولكنه أمر مطروح على أي حال... لكنه ليس بهذه السهولة... تحكمه معايير متعلقة بكل دولة وملفها من حيث المعايير الصحية لمحاصيلها».

ويضيف «المسموح به حاليا هو الاستيراد من بعض الدول على سبيل الحصر». ويقول إن سياسة وزارته لمواجهة أزمة القطن هي، من ناحية محاولة زيادة متوسط انتاجية فدان الأرض من سبعة قناطير قطن إلى عشرة قناطير عبر دراسات يعكف مركز البحوث الزراعية على إنجازها، ومحاولة تخفيض تكاليف الإنتاج عبر الانتقال للجني الآلي للمحصول من ناحية أخرى.

ويطالب محمد القليوبي بضم كينيا والولايات المتحدة لقائمة الدول المسموح باستيراد القطن منها والتي تشمل حاليا سورية وأوزبكستان والسودان واليونان وبوركينا فاسو وبيني.

ويقول في تصريحات أدلى بها لـ (د.ب.أ) إن زيادة الإنتاج المحلي من القطن لن يحل أزمة مصانع النسيج في مصر «ببساطة لأن مصر تعاني من نقص في المغازل التي لا تزيد قدرتها الاستيعابية عن 650 ألف قنطار من القطن بينما استهلاك صناعة المنسوجات في مصر من القطن يصل إلى مليوني قنطار». ولا تزيد عدد «المرادن» في مصر، وهي الوحدات المكونة لماكينات الغزل، عن 2.3 مليون، بالمقارنة مع 44 مليون «مردان» في الهند، تبعا لما يقوله القليوبي.

العدد 3095 - الجمعة 25 فبراير 2011م الموافق 22 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً