تتحمل الولايات المتحدة مسئولية مباشرة وغير مباشرة عما يعانيه العالم اليوم من أزمة غذائية طاحنة قد تؤدي إلى حدوث مجاعات مهلكة، وهناك سلسلة من العوامل تداخلت في أميركا مع بعضها البعض وتسببت في ارتفاع أسعار الغذاء وهي: أزمة الرهن العقاري والركود الاقتصادي الأميركي، الارتفاع الجنوني في أسعار البترول وانخفاض سعر الدولار، وإنتاج الوقود الحيوي.
المسئولية غير المباشرة تتجلّى في القيادة الأميركية للعالم والتصرّف فيه كشرطي ومشرع، يحدد الرؤى ويفرض على دول العالم، خصوصاً ما يسمّى بالعالم الثالث، ما ينبغي فعله وما يتوجب تركه، بالإضافة للحروب الطاحنة، التي شنتها في العراق وأفغانستان والمبالغ الضخمة التي تستهلكها تلك الحروب، وكان من الممكن أنْ تساهم في التخفيف من معاناة الجوع الإنسانية.
أمّا الدور المباشر لأميركا في الأزمة الغذائية العالمية، فقد جاء عبر اتهامات وجهها المقرر الخاص للأمم المتحدة من أجل الحق في الغذاء يان زيغلر، في حوار مع صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية نشرته في 14 أبريل/نيسان الماضي، حيث أشار إلى لا مبالاة قادة العالم والفاعلين البارزين بأزمة الغذاء العالمية، وقال: «حين تقوم الولايات المتحدة بضخ ستة مليارات دولار للاستثمار في سياسة الوقود الحيوي، مستنزفة 138 مليون طن من الذرة خارج السوق الغذائية، فإنها بذلك تقوم بجريمة ضد الإنسانية»، مضيفا: «قد نفهم رغبة حكومة الرئيس الأميركي جورج بوش في التخلص من سيطرة الطاقة النفطية المستوردة، لكن تحقيق هذه الرغبة يوشك أن يهدد بقية العالم».
يذكر أنّ الطلب على الوقود الحيوي كان أحد العوامل التي أسهمت في ارتفاع أسعار الغذاء لكن من الصعب قياس تأثيره بدقة. لكنه في مجمل الأحوال ليس العامل الرئيسي. فهناك أنواع مختلفة للوقود الحيوي وليس لها التأثير نفسه على الأسعار. فمادة الايثانول التي يتم إنتاجها في البرازيل من قصب السكر لها تأثير أقل على الأسعار من تلك المنتجة في الولايات المتحدة والمصنوعة من الذرة.
وتعددت الآراء بشأن أسباب أزمة الغذاء العالمي وهناك ما يشبه الإجماع على بروز أسباب رئيسية عصفت بالأمن الغذائي العالمي.
فهناك مَنْ يرى أنّ السبب الرئيسي هو ارتفاع أسعار البترول بشكل غير مسبوق كما يقول وزير الزراعة الأميركي ايد شافر «ارتفاع أسعار البترول هو أكبر عامل في غلاء الأسعار»، فالبترول ليس سلعة عادية وإنما وقود حيوي يدخل في الأنشطة كافة ومنها النشاط الزراعي في الدول الكبرى التي تعتمد بشكل أساسي على الميكنة الزراعية.
وارتفاع أسعار البترول هو الذي أدي إلى تحول في إنتاج الطاقة من الايثانول (أي استعمال الذرة في إنتاج الطاقة)، ففي أميركا وحدها تم تحويل 10 في المئة من إنتاج الذرة إلى الوقود الحيوي. وهناك من يقول مثل المستشارة الألمانية انجليا ميركل إنّ سبب أزمة الغذاء يعود إلى ارتفاع مستوى المعيشة في الصين والهند نتيجة للرواج الاقتصادي في هذه البلاد وهي تزيد عن 2.2 مليار نسمة مما تسبب في طلب متزايد على المنتجات الحيوانية والألبان من طرف هذه الدول، وهناك مَنْ يقول إنّ الطقس السيئ وخصوصاً في استراليا قد أثر على إنتاج القمح في العام الماضي.
وفى تقرير قيّم أصدرته منظمة (يونسكو) وشارك فيه 400 من الخبراء الدوليين على مدى ثلاثة أعوام لخص التقرير أسباب الأزمة في «ازدياد الطلب على الأغذية في الهند والصين والتوسّع في إنتاج الوقود الحيوي المستخدم عوضاً عن النفط وارتفاع أسعار النفط تمثل بعض العوامل التي تقف وراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية».
وبالتأكيد فان النمو السريع في اقتصادات الهند والصين هو ناتج من التغيرات الدولية الناتجة عن عولمة الاقتصاد والتكنولوجيا، فقد استفادت هذه الدول من العولمة كثيراً وحققت فوائض مالية هائلة انعكست على مستوى التغذية فيها.
غير أنّ هناك سبباً آخر مهما وهو المتعلّق بتحوّلات في البورصة نتيجة لأزمة الرهن العقاري وأزمات سوق المال العالمية مما زاد المضاربة على السلع الغذائية وعلى البترول والذهب وكان هذا سبباً في ارتفاع أسعار الذهب أيضاً بشكل غير مسبوق.
الغريب اتهام البعض للعولمة بأنها هي التي تسببت في الأزمة الغذائية في العالم، والحقيقة غير ذلك، صحيح أنّ العولمة غيّرت من هيكل الاقتصاد العالمي لصالح نمو مُتسارع للصين والهند وهم يمثلان أكبر كتل بشرية على كوكب الأرض، ولكن هذا ليس عيباً في العولمة بل على العكس لا تطبق الدول الكبرى العولمة كما يجب على قطاع الزراعة، فالسياسات الحمائية للمزارعين في أميركا وأوروبا وخاصة فرنسا هي ضد اتفاقيات التجارة الحرة التي هي من أساسيات العولمة، وعولمة قطاع الزراعة بشكل كامل سوف تسهم في الأجل الطويل في تخفيف أزمة الغذاء العالمي.
ويقول الباحث باحث في العلاقات الدولية سعود عبدالعزيز كابلي إن من الأسباب الكامنة خلف أزمة الغذاء: ارتفاع أسعار النفط، إنتاج الوقود الحيوي، انخفاض قيمة الدولار: وزيادة المعروض منه في السوق في ظل كون كلّ المحاصيل الزراعية يتم تسعيرها عالمياً بالدولار سبب ارتفاعاً طبيعياً للأسعار نتيجة التضخم، المضاربة: والتي تقوم بها المؤسسات المالية لتعويض خسائر الأسهم وخسائر أزمة الرهن العقاري أدت إلى إشعال الأسعار في القطاع الزراعي.
العدد 2133 - الثلثاء 08 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ