نستذكر في ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي (ع) تلك العبر والمآثر التي خرج واستشهد من أجل ترسيخها في نفوس المسلمين، والمقولة الخالدة التي نطقتها شفتاه الشريفتان «والله ما خرجت أشراً ولا بطراً ولكني خرجت طلبا للإصلاح في امة جدي رسول الله (ص)»، إذ إن المقتفي لهذه المقولة بعد مضي سنين كثيرة على واقعة كربلاء يقع في حيرة سببها انشقاق أمة رسول الله إلى عشرات الفرق والطوائف، ويجعل التساؤل يتوجه عن كيفية استغلال ثورة عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين بهدف التقريب بين المذاهب وتقوية النسيج الإسلامي لمواجهة متقلبات الزمان.
برهن الرسول على قدسية يوم العاشر من محرم قبل واقعة كربلاء واستشهاد سبطه الحسين بسنين، إذ كان يحث أصحابه على الصيام في هذا اليوم العظيم قبل أن يشرع الله صيام شهر رمضان كما يذكر الشيخ جلال الشرقي، فيوم عاشوراء هو يوم شكر لله وصومه يكفر عن المؤمن السنة الماضية، وهو يوم الفداء والتضحية من أجل إعلاء كلمة الحق، والذي ضحى فيه سيد شباب أهل الجنة بنفسه وأبنائه وأصحابه من أجل الدين، فعلى المسلمين قاطبة أن يستغلوا هذا اليوم لتقوية أواصرهم للوقوف مع الحق من أجل الحق وإعلاء كلمة الله، ويضيف الشرقي أن على البحرينيين في هذه المناسبة أن يقووا أواصر الأخوة بينهم من أجل نصرة الدين، لأنه لا يمكن لنا أن نعين دين الله ونحن نؤصل الفرقة بيننا، ونؤجج نار العداوة بين المسلمين، فاستشهاد الحسين (ع) دافع للتمسك بالحق وليس لتمزيق الأمة.
التصدي للعدوان
كان لخروج الحسين (ع) في ثورته العظيمة مجموعة من الأهداف لا تؤطر بمذهب أو دين كما يقول سيدمحسن الغريفي، فالإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي ما انطلق الحسين من أجلها، وبإبراز هذه الأمور وقراءة الموضوع من هذا البعد يجعل هناك فرصاً للتقارب بين جميع الطوائف والمذاهب، ومن خلال النظر إلى مشكلات الأمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها نجد أن للطوائف كافة هموماً مشتركة يجب أن يعمل على حلها، وثورة الإمام تساعد على جمع الأمة تحت رؤية مشتركة، فالمشكلة لا يستطيع شخص واحد حلها، بل إنها تحتاج إلى تقارب وحال من الانسجام، واستغلال الثورة منطلقاً لدراسة قضايا الواقع بعيداً عن الإطار المذهبي الخاص هو وسيلة فعالة لمواجهة العدوان الموجه إلى الأمة الإسلامية من الغرب، فالحسين خرج لأنه استشعر خطرا على الإسلام، كما يقول الغريفي، والخطر لايزال موجودا وعلى الأمة أن تلتقي للتدارس والتصدي للأخطار الموجهة ضد الإسلام.
نحتاج إلى المزيد من المشاركة
تنعم البحرين - ولله الحمد - بالانسجام على مستوى الأشخاص عامة، لكن الخلاف وليد السياسات وبعض التعصب الأعمى، كما يقول الشيخ فؤاد المبارك، إذ إن المريد للتقريب بين المذاهب لا يستطيع فعل ذلك خلال عشرة أيام فقط، بل إنه يحتاج إلى تخطيط طويل وتعاون بين كل الفئات وتجنب الخطابات الشائكة، إضافة إلى ضرورة تشكيل لجنة أهلية أو مجلس يجتمع فيه علماء الطوائف، ويسعون من خلاله إلى توعية الشعب والعامة بأن الخلاف في بعض المسائل كالتحيز في الخدمات والتوظيف ليس من المتدينين وإنما هو من الشئون السياسية. وأعرب المبارك عن أن مشاركة السنة في مجالس العزاء الشيعية وحضورهم هو الأسلوب الصحيح للتعرف على حقيقة المذهب الذي يتشاركون معه الوطن نفسه، لأن هنالك بعض العناصر التي تسعى إلى نشر الفرقة وتشويه صورة الطائفة لدى الطائفة الأخرى.
قضية عالمية وليست مذهبية
قضية الإمام الحسين أوسع من المذاهب، فهي قضية عالمية يستقي منها كل الناس سوء المسلمين أو غير المسلمين، ويستدل على ذلك جواد رضي بأن الشعب الهندي بمعظمه يعرف مأساة الحسين وآله على رغم تعدد الديانات فيه بشكل كبير، حتى ان الهندوس والمجوس والسيخ ينافسون المسلمين على الإطعام والسقاية في هذا الموسم لإيمانهم بأن هذا العمل يبارك لهم حصادهم الموسمي، ومن هذا المنطلق فإن أهل السنة يعيشون هذه القضية أيضاً كما يعيشها الشيعة حتى ولو كان ذلك بصورة أقل، إلا أن المشاركة بينهم قديمة وموجودة، فهم يحضرون المجالس الحسينية، ويأكلون من خيرات المآتم من دون فرق، فيجب استغلال هذه الأيام بالشكل الصحيح لأن البحرين قاطبة تعيش هذه المناسبة من سنة وشيعة.
الإعلام الموجه والمتطرفون
حب آل البيت من الدين، ومن حب النبي (ص) وشهد بذلك القرآن والسنة، إلا أن بعض من يصطادون في الماء العكر كما يصفهم الشيخ راشد المريخي، سعوا إلى نشر الفتنة والتفريق بين المذاهب من خلال نشر فكرة أن الحسين وقضيته مرتبطان بالشيعة، المذهبان متقاربان بالأرواح، ولا يحق لطائفة أن تستخف بالطائفة الأخرى لقول الرسول (ص): «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، فالأوائل من أئمة الدين ممن ينتهجون النهج الصحيح لم يكن لديهم خلاف على أن تضحية الحسين عظيمة ومن أجل الحق وإزهاق الباطل، إلا أن عناصر مستجدة تسعى إلى شق الصف ويتسببون في الفرقة بين المذاهب، ويجب التصدي لهم بحث العلماء على التفقه في الدين والفلسفة لأن البعد عنهما هو مشكلة بعض العلماء، فعاشوراء يوم عظيم، فيه خلق الله آدم ونجى نوحاً من الغرق وأهلك فرعون وقوم عاد وثمود، وزاد الله في تكريم هذا اليوم بأن استشهد فيه الحسين (ع)، فيجب استغلال هذه الأيام في الذكر والوعظ والصلاة على النبي، وتجنب سب الصحابة والآل لما يشيعه في القلوب من فتنة وبغضاء، واللجوء إلى العلماء والبعد عن المتطرفين والجهال في أمور الدين، إضافة إلى ضرورة الانتباه إلى ما تبثه القنوات الإعلامية من أطروحات تحمل في طياتها أفكاراً ونوايا التفريق بين المذاهب
العدد 1252 - الأربعاء 08 فبراير 2006م الموافق 09 محرم 1427هـ