العدد 1259 - الأربعاء 15 فبراير 2006م الموافق 16 محرم 1427هـ

نيزك... لست سوى نيزك

مرة ذات مصادفة إعادة ترميم تاريخ رجل، لم تكن سوى ذلك النيزك الذي اقتحم أرضا وسماء واستعاض عنهما بملامحه. الضوء واللمعان الجميلان كانا سمة غالبة على المشهد المثير للجدل، من يا ترى يمتلك تقنية التصدي والممانعة... ببساطة لا احد، الحل في استسلم جميل يبعث على الطمأنينة ويدخل السكينة الى القلوب ، ليس بعد لم تكتمل مهمة ذلك النيزك فهو جاء مقتحما لا فاتحا، ينشر العطور وازهار الياسمين تتطاير من حوله تحيط به سحب بيضاء رقراقة تتمايل معه وتسير على خطاه، ليست مهمته الابهار وحسب، بل والامعان في محق الذاكرة واستبدالها بأخرى ممغنطة تلغي ما سبق من لحظات وتؤسس لقادم مبهر وجميل.

يالها من تكنولوجيا رقمية تلك التي يدمن عليها نيزك الملمات هذا، تختصر وتشذب وتلغي وتصادر القرارات، هي هكذا ترفع لافتة بهية عنوانها الرئيس «الحتمية التكنولوجية لاقتحام القلوب اليباب».

لربما هي المرة الأولى التي تجرب فيها تقنية من هذا النوع خارج ذلك المختبر الزجاجي الذي جاءت منه ولم تك تفكر الا في العودة اليه لحظة ما غير التاريخ مسارها واصطدمت لتقرر التوقف لبرهة متناهية الصغر من الزمن وتسارع للارتماء من دون تململ في معترك التضاد مع الذات والآخر، تضاد يحمل من اللذة اضعاف اضعاف ما تتلبسه من محاذير التجريب المختبرية التي استمرت لسنوات عجاف.

ينجح التضاد بقدر ما يترهل غلافه الخارجي وتتفتح عنه مسامات عريضة تسمح له بالنفاذ الى الفضاء والعودة ثانية على جناح شعاع أخاذ الجمال ساطع الضياء متشض منطلق بسرعة غير محسوبة الى حيث اللاعودة الى تلك المنصة البهية التي انطلق منها... تتجسم الصورة أكثر وتقترب من نقطة تكورها فاذا بذلك النيزك الشهابي الملامح يسمو ويسمو ويسمو فيلتحف الجميع سناءه لاسيما ذلك القلب الذي عاد خارج حسابات التوازن والتأرجح ليفتح ذراعيه باتساع غريب يفوق حجمه الفيزيقي محاولا بل ولاهثا ليضم بينهما ذلك السنا البهي الجميل المنبعث من النيزك المعجزة وإذ انه لا قوانين رياضية أصبحت تستطيع اللحاق بمعادلة قلبت كل موازين اللعبة تاريخيا وتكنولوجيا فانه ما انفك يدهم الجميع ويصادر اراداتهم ويحيلها الى فراغ بليد ليمتشق هو دون غيره عذوبة ذلك السنا معلنا عن نفسه من جديد...

«أنا ها هنا: محب كبير مقاتل شديد البأس عن حبي الكبير مناضل بكل قياسات النضال والثورية عن تلك القضية البهية الجميلة... صامد باسل شجاع مقدام جسور مضح عنيد شقي غيور متفان باذل واهب...».

تأخذ اللذة الجميلة منه مأخذا يترنح يحاول اكتشاف ملامح ما حوله كما الثمل، لا شيء هنا أو هناك لا جدوى هنا ولا هناك لاشيء لا شيء، الكل يختصر حد الهزال، الكل، البعض يحتضر البعض، الجزء يذوب في الجزء، الناس بلا وجوه والنساء بلا شفاه والأرض بلا رائحة الطين والسماء مسطحة خالية والانهار تسرق من البحار الملح والرمل وتكتفي بهما دونا عن الأمواج التي تخلت عن زرقتها والاشجار احدودبت حتى احتضنت جذوعها... الكل يمحق الكل ، انها معركة الالغاء، ربما ، وربما الارتقاء...

ألاك ايها السمو، ايها الرقم الصعب اللايمكن لأحد تخطيه، ايها البهي العطر اللذيذ ،ايها الشامخ الراسخ عذوبة وجمالاً...

ألاك ايها النيزك الجميل، فقد نأيت بقدسيتك وارتقيت بنيزكيتك وسموت بنبلك... لتظل هكذا محط إعجاز الآخرين ومكمن تساؤل القلب الشقي المولع بك...

نيزك عصف بي وأحالني الى تاريخ آخر وزمان متقدم جدا عني... ها أنذا أرضخ له طائعا مطيعا واعلنه سيدا ابديا على قلبي وروحي وعقلي، له كل صلاحيات الموت والحياة وما عليه الا أن يدمن التمتع بكل هذه الصلاحيات

العدد 1259 - الأربعاء 15 فبراير 2006م الموافق 16 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً