انتفضت كمن لسعتها حية وتطلعت إلى الشاب بعينين ملؤهما الفضول والريبة. قالت: لا بد أنك غير بحريني. قال الشاب: بل بحريني أبا عن جد وذو أصل عريق يمتد إلى عشرين جدّا، فلست مجنسا وانما ابن هذه الأرض من أبوين أبناء هذه الأرض أبناء جدين من أبناء هذه الأرض. قالت بحدة: وما الذي يجبرك على هذا العمل الشاق تعبئ البنزين في هذا الجو القارص، لا بد أنك ليست لديك شهادة ولا حتى ثانوية؟
أجاب الشاب والابتسامة المرة تملأ فمه: بل عندي شهادة ثانوية. ودبلوم من احدى الدول الخليجية ولدي شهادات دورات في اللغة الانجليزية ودورات في الكمبيوتر. قالت المرأة وهي تلتقط أنفاسها: هل تشكو من شيء؟ من مرض مزمن أو شيء من هذا القبيل؟ أجاب الشاب: أبدا ان صحتي على ما يرام بل إنني من أقل الناس تعرضا للمرض.
عندها لم تستطع المرأة المثقفة أن تمنع نفسها من البكاء. قال الشاب باضطراب: ما الذي يبكيك يا سيدتي.
أجابت: هل هناك كثيرون مثلك في هذا البلد؟ أجاب: بل أن أكثرهم هكذا. يتخرجون من المدارس بتفوق ومن ثم يدخلون الجامعات ومن ثم من أراد العمل فلا يجد غير هذه الأعمال أو طريقه إلى الشارع، ولكن برغم ذلك يبقى العمل شرفا مهما كان، فأنا مستعد لأي عمل مهما كان فهو أفضل من ان اجلس في البيت عاطلا. ردت المرأة: نعم، يبقى العمل شرفا، لكن على ان يكون الرجل المناسب في المكان المناسب، لا ان يحمل أمثالك مؤهلات تمكنهم من العمل في مهنة أفضل من هذه بكثير، فأين المسئولون؟ أين المعنيون؟ لماذا لم توضحوا مشكلتكم للناس؟ سكت الشاب، وبعد برهة قال: كل من في هذا البلد يعلم بالحال ويرى كيف أن الأجنبي يأخذ فرصته المناسبة من دون ابن البلد، بل إن المسئولين تعودوا على من يقول لهم ذلك، فالجميع يعلم بذلك من دون أن يحركوا ساكنا.
وهنا سكتت المرأة فقال الشاب: يبدو من طريقة كلامك أنك بحرينية أفلا تعلمين فعلا بما يحدث في هذا البلد؟ قالت المرأة: أنا بحرينية ولكنني للتو مضى على وجودي في البحرين اسبوع واحد بعد عودتي من أميركا التي قضيت فيها عشرة أعوام كاملة، ولم أكن أتصور انني آتي لأجد أبناء بلدي في مثل هذه الحال المزرية!
جعفر الديري
العدد 1261 - الجمعة 17 فبراير 2006م الموافق 18 محرم 1427هـ