يجمع المراقبون لمسيرة المشروع الإصلاحي لجلالة الملك على انه لابد من وجود مجلس ولجان ثابتة مستقلة تضمن تحقق أهدافه على أرض الواقع.
لكي لا تعترض المشروع الإصلاحي في تقدمه صعوبات أو أزمات قد تواجهه، مجمعين أن نجاحه يكمن في الشفافية والصدقية في التعاطي مع الديمقراطية من خلال المؤسسات التنفيذية.ويضعون نجاحه في تنفيذ توجيهات جلالة الملك لتحقيق المشروع وتفاعله مع هموم وتطلعات المواطن.
وفيما يأتي الاستطلاع الذي أجريناه مع عدد من النشطاء السياسيين عن أوجه النقص في المشروع الإصلاحي.
ماذا تحقق بعد مرور 5 سنوات على المشروع الإصلاحي؟
- يجيب رئيس جمعية الميثاق أحمد جمعة: ان المشروع الإصلاحي خطا خطوتين للأمام وخطوتين للوراء، مشيراً إلى أن خطأ شاع مع بدء انطلاقة المشروع الإصلاحي منذ 5 سنوات يرتكز على مفهوم الغالبية، ونهج كثيرون هذه النظرة الضيقة باعتبار ما أفرزه البرلمان من نتائج منها سيطرة تيار على البرلمان يعني إلغاء حقوق الآخرين وفرض وصاية الغالبية، بداية لابد من تعميم هذه الصورة حتى يمكن فهم آلية التغيير الذي جاء ضمن هذا المشروع الإصلاحي الذي أفرز أيضاً ظواهر أخرى منها سباق تفسير المشروع الإصلاحي من وجهة نظر كل طرف على هواه وكما يريده هو وليس كما يفترض أن تحتمه آليات المشروع في حد ذاته.
ولقد تعامل أغلبنا مع المشروع وللأسف الشديد بمراهقة سياسية وبحسابات ضيقة ولم يفتح هؤلاء آفاقهم للتعاطي مع المشروع بحضارية وعقلانية وليس بمثل هذه الافرازات التي أهدرنا 5 سنوات حتى الآن من دون الوصول إلى بديهيات السياسة والتغيير، وأن نقطع هذه المسافة ونحن في مكاننا يشبه من يعبر صحراء طويلة قاسية ليكشف أنه سار في طريق ملتف ليعود إلى نقطة البداية مضيفاً كل هذه المسافة التي قطعها.
أين يكمن الخلل؟
وليس الخلل - كما يقول جمعة - في المشروع الإصلاحي ولكنه في آليات التطبيق سواء كانت في صنوف بعض القوى السياسية ذات الخطاب الشعاراتي أو في بعض أجهزة الدولة التي لم تتكيف مع متطلبات هذا المشروع الديمقراطي الكبير الذي لم يسبقنا أحد في المنطقة بمثيل له وللأسف أضعنا فرصة استغلاله وكل ما يتيحه هذا المشروع من إمكانية التغيير.
من هنا أرى أن وجوه العجز أو القصور في المشروع نتجت من الفهم الخاطئ في التعاطي مع المشروع، من قبل من يتمثل فيهم ضرورة التطبيق، إلا أن تعامل القوى سواء في النظام أو في الفعاليات السياسية هو الذي عطل آلية العمل بالمشروع، ومن هنا كان لابد من تحرك في أواخر السنة الماضية بتغيير الإيقاع وبتغيير الخطاب، من أجل العودة إلى سكة القطار الحقيقية وليست السكة الوهمية التي جرى السير فيها لنكتشف خطأ المسار.
العودة إلى نقطة البداية بالمسار الصحيح
«لا أريد تحديد النماذج أو المشاهد، فهذا مجاله أوسع من هذه المساحة، ولكن في العموم يمكن اختزال القول بأهمية العودة إلى المسار الصحيح الذي يعرفه الجميع، ولكن يتجاهلونه لأسباب عدة منها المصالح الذاتية الضيقة التي يجب إنكارها قبل أن نعود إلى الطريق».
متى يمكننا التغلب على الإخفاقات والنواقص للمشروع الإصلاحي؟
- يوضح نائب رئيس جمعية حقوق الإنسان سلمان كمال الدين أن «أي مشروع من الطبيعي ومع بدايته يصادف معوقات ذاتية وموضوعية، وهذا ليس عيباً في المشروع، وخصوصاً إذا أخذ منحى باتجاه تعزيز صدقية المشروع وبرمجته ضمن إطار زمني محدد، مرتبطاً ذلك بإصلاحه وتصفيته من الشوائب التي يمكن أن تعطل مسيرته.
هذا، وإننا في المجتمعات العربية المتخلفة التي لم تعرف الديمقراطية ولا حقوق الإنسان، وحين تبدأ بعض الأنظمة بشكل خجول بانطلاقة أفق أرحب فإنها تستعين بالأدوات القديمة، وهذا يعتبر أحد الإخفاقات التي يجب العمل على تجاوزها.
المشروع أمامه حاجز
وما حدث لمسار المشروع الإصلاحي في البحرين هو أنه اصطدم مع هذا الحاجز، وبدلاً من أن يكون معنياً بتطور هذا المشروع وجدناه يبتكر وسائل متعددة لجعل المشروع يراوح محله، كما أن القوى الوطنية سواء كانت معارضة أو الانتخابات الدورة السابقة أو من شارك لم يحسنوا قراءة المشروع الإصلاحي ولم يتعاطوا معه بروحية جديدة تخرج عن إطار العمل السري إلى العمل المؤسساتي المعلن، وبالتالي وجدنا المشروع الإصلاحي وخصوصاً خلال العامين الماضيين يراوح بين مد وجزر.
الإخفاقات من جهة المعارضة
من جانب المعارضة، «صدور الكثير من القوانين والتشريعات التي تحد من انطلاقة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي إساءة استخدام الحرية، وخصوصاً حرية التعبير بشكل لا يليق من معارضة، من المفترض أن لها رصيداً تراكمياً من العمل النضالي، الذي هو من أهم صفاته أن يكون شجاعاً في المطالبة بالحقوق ضمن ضوابط وأخلاقيات العمل الحضاري ولغة القانون وسيادته.
الإخفاقات من جانب الحكومة
ومن جانب الحكومة، أن هناك الكثير من الملفات التي من الواجب معالجتها لتطوي صفحتها، من أجل تهيئة الظروف لانطلاق المشروع الإصلاحي في أفق أوسع، وكذلك عدم قدرة المعارضة في التعاطي مع هذه الملفات بطريقة مهنية وإنسانية، ما جعل هذه الملفات أسيرة المزايدات من هذه الجهة أو ربما الرفض من الجهة الأخرى.
عدم استكمال التوقيع والتصديق على بعض المواثيق والعهود الدولية وخصوصاً العهدين الدوليين للحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية، وكذلك التمسك بقانون 56 الذي يعفي منتهكي حقوق الإنسان من المساءلة وخصوصاً إذا علمنا أن جرائم التعذيب والقتل خارج القانون لا يمكن أن تسقط بالتقادم كما أن العفو لا يمثل إلا من ارتكب ذنباً وأدين به وبالتالي تنطبق عليه مواد قانون 56.
في تصوري حين قدم المشروع الإصلاحي في الحقيقة لم تكن هناك الآلية العملية لمراقبة ومتابعة المشروع بشكل دائماً واكتفينا بتشكيل لجان مؤقتة انهت دورها وانتهت من دون وجود البديل الصادق الذي يمكن أن يرفد المشروع الإصلاحي بآرائه الناقدة ورؤاه المشرقة لذلك يستوجب إعادة النظر في هذا المفصل وأن يتم تشكيل مجلس استشاري من عناصر صادقة ومخلصة تعطي الرأي الشجاع ولا توصل الرأي الذي يعتقد بأنه هو المقبول وأن يكون هذا المجلس متجرداً من أية مصلحة ذاتية سوى مصلحة الوطن والمواطن».
ملفات الفساد المالي والإداري
ويشر كمال الدين إلى أن «الفساد المالي والإداري سيبقى آفة متوحشة ما دامت اذرعها موجودة في مفاصل الدولة، وإذا لم نبعد المجاملات ومراعات المشاعر لمن ليس له مشاعر فستتحول هذه الآفة إلى اخطبوط يلف اذرعه وأنيابه مبتكراً أساليب متطورة تتواءم مع ما يضمره من شر إلى الوطن».
يبين كمال الدين «أنه لابد أن نبدأ بمعاقبة من ثبت ضده الفساد المالي والإداري، وأن نعلن وبصدق على الملأ أنه لا مكان لمرتشٍ أو مخلٍ بذمته في مفاصل الدولة، وأن نتخلص من كل من كانت يده ملوثة بالمال العام سابقاً ولاحقاً، وفق تنفيذ القانون وسيادة العدالة وإحقاق الحقوق حماية للمشروع الإصلاحي».
ما بعد خطاب جلالة الملك
من يضع في تصوره مشروعاً ولا يوفق بجهة أمينة لا تتعاطى معه لابد أن يعيد التنبيه والنقد لهذا المسار، ولو استطاعت الأجهزة التنفيذية أن تتعاطى بإشراقات بمؤشرات المشروع الإصلاحي وكانت جادة في حل ما جاء وما توافق عليه الجميع في ميثاق العمل الوطني لما احتاج جلالة الملك بين الفترة والأخرى إلى التذكير وتوجيه النقد الشديد لجهات التنفيذ من أجل الارتقاء بهذا المشروع الإصلاحي، على رغم مرور 36 عاماً على الاستقلال نرى السلطة التنفيذية خالية من وزارة التخطيط والتي تعتبر من أهم مفاصل الدولة إذ كما هو معلوم لا يمكن الوصول إلى سلم النجاح والتقدم من دون رؤية تخطيط للمستقبل سواء على الأمد القصير أو البعيد. وبحسبه يعيد نجاح المشروع الإصلاحي الناشط السياسي سعيد البصري «من حيث المبدأ لن تجد أحداً يعترض على أي مشروع يهدف إلى إصلاح وتطوير وتحديث نظم الدولة في شتى المجالات، ومن هنا وجدنا نسبة التصويت العالية على ميثاق العمل الوطني في فبراير/ شباط 2001 التي بلغت 98,4 في المئة، كل ذلك انطلاقاً من رغبة المواطنين وحرصهم على العيش بأمن وسلام ورخاء في ظل نظام حديث يهدف إلى إصلاح جميع مرافق الدولة ونظمها، غير أن الأمر لم يسر في الاتجاه الذي انطلق منه المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، فقد تفاجأ المواطنون في فبراير 2002 بإصدار الدستور الذي كان يفترض أن يكون أفضل من دستور 1973، غير ان الأمر كان خلاف ذلك إذ جعل السلطة التشريعية مناصفة بين ممثلي الشعب في المجلس النيابي المنتخب، وبين المعينين الأربعين في مجلس الشورى، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد ركز الدستور الجديد 2002 على الكثير من السلطات في يد جلالة الملك ومنها ترؤسه للسلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية والمجلس الأعلى للقضاء وديوان الرقابة المالية، وقانون تحديد الدوائر الانتخابية، ثم جاءت اللائحة الداخلية للمجلس وما تضمنته من مواد أعاقت وضيقت الخناق بشكل كبير على أداء المجلس، وكل تلك الأمور تركت أثراً واضحاً على عملية الإصلاح وضعفت من شأن المشروع الإصلاحي وأفقدته جزءاً من مكانته وحيويته.
وإذا ما أريد للمشروع أن يشق طريقه بنجاح، يقول البصري لابد من إزالة تلك العقبات التي تقف في طريقه، ولعل في إعادة الحوار الوطني بين المعارضة والحكومة والذي توقف منذ أمد لعل في إعادته فرصة جيدة لمعالجة وحلحلة مختلف القضايا العالقة، والتي تعوق من مواصلة الإصلاح بالشكل المطلوب».
ويوضح البصري أنه «لمعالجة ملفات الفساد المالي والإداري لا تكفيها النية الصالحة فقط أو التطمينات التي تصدر بين الحين والآخر من جلالة الملك، وهي بلا شك تطمينات ودعوات مرحبٌ بها، ولكن تحتاج إلى جانب ذلك سن تشريعات وقوانين جادة وهذا لا يتأتى إلا من خلال وجود دستور يحمل بين دفتيه مواد رادعة، وممثلين عن الشعب مؤهلين للدفاع عن حقوق المواطنين بأمانة وإخلاص وهذا ما نفتقر إليه».
فيما يضيف، «أ
العدد 1264 - الإثنين 20 فبراير 2006م الموافق 21 محرم 1427هـ