في الحلقة الأولى من هذا اللقاء تحدث السيد هاني فحص وهو من أقطاب المفكرين الإسلاميين الذين جادت بهم العناية الإلهية في عالمنا المعاصر، ومن رواد التقريب عن طريق الحوار بين العالم الإسلامي والمسيحي والإسلامي الإسلامي، عن مجموعة من الأمور المهمة ذات العلاقة بنظرة الاسلام للمراة ومشاركتها السياسية. وفي الحلقة الثانية والأخيرة من هذا اللقاء الذي جمعه بمجموعة من النساء يواصل فحص الحديث عن مسألة فردية المرأة وحقها في الحرية وعن القوامة وقانون الأحوال الشخصية. فإلى هذا اللقاء...
مسألة فردية المرأة، كيف ترونها؟
- إن مسألة فردية المرأة وخصائصها تعطي أولويتها، فمعادلة التنمية عندي: تحريك وإدامة جدل المعرفة والثروة، التنمية بمعناها الشامل: المعرفي والبيئي والعلائقي والأدبي. الكون كله في نظام ثنائيات أرض وسماء دنيا وآخرة دين ودولة لمشرق وغرب. إذا كنت موحداً يجب أن تراها بمنظور توحيدي. هناك مشترك بين المرأة والرجل فلابد أن تكون هناك مشاركة، وهل هناك مشاركة حقيقية في التنمية من دون حرية؟ لا العبد لا يبدع، العبد لله حر وهو يبدع، والحرية هي أمانة الله عندنا حتى اختيارنا للخلافة واعتراض الملائكة سببه الحرية، لأن عبادة الملائكة سببها الضرورة، خطأ البشر على قاعدة الحرية أهلهم للخلافة «إني أعلم ما لا تعلمون» (البقرة: 30).
الحرية
وحق المرأة في الحرية؟
- الحرية مفهوم فضفاض، ولدينا مجموعة من الشعارات الكثيرة : الديمقراطية، الليبرالية، المجتمع المدني، مفهوم الدولة... وهذه لا يصلح فيها التعريف الأرسطي فلا نحبسها ضمن تعريف جامع مانع، فالديمقراطية ليس لدينا وصف كامل لها إلا إذا تحولت إلى ايديولوجيا تنتهي كما انتهت الشيوعية. في البحرين مثلا الديمقراطية يجب أن تمر بتاريخها وديمغرافيتها وتعددها وكل شيء... وهناك تكوين عام للبحرين يشبه السعودية، لكن هناك خصوصيات تخص البحرين. وهذا التعدد يحتاج إلى صيغة واسعة. فالديمقراطية ليست إملاءً من الخارج وإنما تناغم من الداخل مع الخارج. فما المثالي؟ وأين هو؟ هل هو في فرنسا؟ خاتمي زار فرنسا وهو متدين ودينه يمنعه من الخمرة، فتعطلت الزيارة لأنه في البروتوكول الفرنسي يجب أن يقدم نبيذ بورد الذي يعتزون به.
إنني منحاز للديمقراطية، لكن يجب أن أحاسب نفسي، ذلك أن أحد أهم أسباب التفريخ الإرهابي هم العلمانيون. فالدولة الديمقراطية أمشي فيها إلى أين؟ هل أشرع العلاقات المثلية مثلاً؟ هذا تقويض للدين والمجتمع. ونريد أن نتفق على أن الحرية هي مطلب وشرط حضاري تعريفها ينبع من العام والخاص معاً، فالديمقراطية هي نظام الحريات. في التعبير اليوناني: «نحن أحرار بقدر ما نحن عبيد للقانون»، نظام الحريات له مستويان: الحرية السياسية كشرط أولي للمشاركة: هل هي إشكالية أم مفتعلة؟
إن المشروع النبوي يتيح للمرأة تحقيق ذاتها من دون عدوان على ذاتها، تعقيدات معينة على العهد الأول... كان مشروعاً مفتوحاً على التطور فمشاهد مشاركة المرأة كانت مبشرة، لكن بعد الدولة الأموية وعملية الفتح انتكست التجربة فجاء نظام الحريم، وهذه قطعت الطريق على تجربة الرسول (ص) وأدخلت قيم القبيلة الجاهلية إلى سياق الفهم الفقهي ولذلك عندنا أحكام لا نعرف مدركها الشرعي، مثلاً مسألة الخلع الذي يتم من خلال بذل، لم يحدث في العهد الراشدي كثيراً إلا حادثة واحدة، مثل إشكالية زينب بنت جحش وزوجها، والآية: «ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن» (النساء: 19) ومضمون الآية: لا تضايقوهن حتى يتخلوا عنكم. الذي يحدث أن الرجل يكره المرأة ولكن يضايقها حتى تطلب الطلاق فيبتزها «يتخذون آيات الله هزوا»، الدعوة إلى الانسجام مع القرآن بتوسيع طلاق الحاكم والتدقيق في الخلع، كسرها السيستاني بالفتوى اذ إن الشعور بالخطر والإهانة مبرر لطلاق الحاكم وعدم اللجوء للخلع وشمس الدين كسرها بالبحث أيضا.
الوسطية
ولكن المراهقين مثلا يطالبون بالحرية في كل شيء؟
- أنا أدعو إلى الوسطية والاعتدال من قبل الأم... مطلوب تسوية بشكل يومي بين الجميع في الأسرة وعدم تجميد المشكلات. سئلت عن الحب من قبل مجموعة من المراهقات، فقلت لهن: دعن قلوبكن تحب، التكوين في الحياة هو منحة من الله، لكن كيف؟ هذا القلب كائن لطيف يخاف عليه من اللصوص، فدعن العقل يذهب معه وأحسن مصدر لعقل البنت هي الأم.
ردة الفعل
كثيرا ما يقال «خير للمرأة أن لا ترى رجلاً وألا يراها رجل» فما تعليقكم؟
- أنا أدعو إلى أن تنتقل المرأة من ردة الفعل إلى الفعل المعرفي. فدعونا ندخل إلى النص وتاريخ النص. ودعونا نتقن حجتنا. أنا أريد أن استنطق النص. هل هناك مانع؟ ليس هناك مانع من اجتهادها ولا مرجعيتها ولم يظهر شرط الذكورة إلا في عصور متأخرة.
القوامة
وموضوع القوامة ونص الآية القرآنية «الرجال قوّامون على النساء» (النساء: 34)؟
- لقد قال الرجال ولم يقل الأزواج. ومنه نقرأ تعليل القوامة: «بما فضل الله بعضهم وبما أنفقوا» (النساء: 34). فالدين الذي شرع ملكية المرأة والذي قال إن العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة. فالقوامة تثبيت نوع الرجل، والقوامة تعني الرعاية. وليس كل رجل قيم على المرأة. ليس جنس الذكورة وإنما الأهلية...
كيف نثبت المتغير؟ إشكال آخر: إذا كانت المرأة أوعى وأفهم من الرجل فهي قيّمة وذلك ليس إلغاء للرجل. فهي استشارة مرجحة وإذا كانا متساويين فحياة ديمقراطية، وفي الديمقراطية نتوخى الصواب وقد لا نصل.
الأحوال الشخصية
وماذا عن قانون الأحوال الشخصية؟
- في القاعدة الفقهية «قاعدة الإلزام» تقول: «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم» و«لكل قوم نكاحهم» حتى الزواج العرفي أستطيع أن أكيفه. فكيف نقمع الناس وتتفق؟ دبروا محاكم شرعية قائمة على العدل والتقوى. اعملوا مجلس قضاء أعلى وأجبروهم على التباحث. لا يقمع الاختلاف وليكن اختيار القضاء بمعايير وليس بالمحسوبية. القانون يسن بورشة اعملوا لجان تحكيم، القضاء الشرعي في مصر: مدنيون قاض وقاضية ومحامية وخبيرة اجتماعية وعالم نفس ونحن بحاجة الى استشارة المرأة.
فالفقيه بالمعنى الاختصاصي لم يعد يكفي في مجال الأحوال الشخصية فنحتاج إلى فقه المذاهب. بعض المحاكم السنية تشترط في الاطلاق، فهم مضطرون للاستشهاد والاشهار في الزواج. والمحاكم الأميركية أكثر عدلاً من محاكمنا فحتى متى تبقى الفلسفة غائبة عن تشريعنا. فالقانون الفرنسي، والروماني وراءه فلسفة. ولابد من تحريك المسائل. أنا لغتي العربية والسليقة العربية حجة في استنباط الأحكام، ففي الحضانة مثلا: الأم هي الحضن وهناك تجارب على قسوة الآباء مرعبة «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق »، المؤمن حرمته أكبر من حرمة الكعبة.
ففيما لو تزوجت امرأة وهي عاملة ثم طلقت ووضعت في الشارع فللمرأة أن تشترط على الزوج أن تشترك في إنتاجه. حتى العامل إذا فصل من عمله فإن له حقوقاً. لذلك على المرأة أن ترفع صوتها بعمق وبحياء. علي (ع) كان يحب قضاء وقته عند قبر فاطمة الزهراء (ع) لأنها امرأة، ولأنها الزهراء. فالعصمة ليست امتناعاً وإنما هي دعوة إلى التماثل. المعصوم لا يقيدني فهو مثال وليس قيداً. «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق». الشيخ محمد عبده كان رائعا، ولكن كان يقول عن الأزهر هذا الاسطبل فرفضه الجميع. لذلك التغيير من داخل الجماعة يكون لاخراجها وبالتدرج. فيجب الإدماج والاندماج. وأنصح بأنسنة التوجه في البحرين، فهناك قوى مهمشة ومتروكة
العدد 1274 - الخميس 02 مارس 2006م الموافق 01 صفر 1427هـ