العدد 2457 - الخميس 28 مايو 2009م الموافق 03 جمادى الآخرة 1430هـ

«الإسلام هو الحل»... لماذا الإصرار عليه؟

رفعت جماعة الإخوان المسلمين خلال خوضها لانتخابات مجلس الشورى في مصر شعار «الإسلام هو الحل»، في تكرار لنفس الخطأ الذي جرى في انتخابات مجلس الشعب، وهذا يعبر عن مشكلة فكرية وسياسية أكثر ما هي مشكلة قانونية ودستورية.

والحقيقة أن رؤية الجماعة في هذه المسألة تقوم على أن «الإسلام هو دين ودولة»، وأن رؤيتهم السياسية مستمدة من الإسلام، وأنهم يعتبرون العودة إلى المبادئ الإسلامية عودة لقيم النهضة والتقدم والإصلاح، وأنهم يعتبرون أن الإسلام منهج شامل للحياة، لا يقتصر على الأمور الدينية فقط، إنما يشمل كل مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية.

واختار الإخوان أن ينتموا إلى المشاريع الفكرية والسياسية الكبرى، واعتبروا أن انتماءهم إلى مرجعية دينية إسلامية ربما سيعطيهم حصانة وخاصة من تعثر مشروعهم، كما جرى للمشروعات الكلية المقابلة مثل الماركسية، والقومية، وأيديولوجية المحافظين الجدد في أميركا.

وبعيدا عن التناقض الذي تضمنه الدستور المصري بين مادتيه الثانية والخامسة، بالنص في الأولي على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، ورفض تأسيس حزب سياسي على أساس الانتماء لهذه المادة الثانية، فإن مشكلة التمسك بهذا الشعار تعكس إصرارا على النظر إلى الإسلام باعتباره نصا، أو قيمة عليا لن تتباين في التطبيق من مجتمع أو من نظام إلى آخر، فخبرة «الإسلام هو الحل» التي شاركت في السلطة عن طريق انقلاب في السودان كانت سلبية، وتراجعت الآن عن كل الشعارات والأوهام التي طرحتها في التسعينيات؛ من أجل استمرار بقائها في السلطة، وحركة «طالبان» التي حكمت أفغانستان كانت نتائجها كارثية.

في المقابل فإن خبرة «الإسلام هو الحل» في تركية وإيران - على ما فيهما من تناقض - كانت إيجابية لامتلاكهما آليات ديمقراطية، ونفس المؤشرات تدل عليها تجربة حزب العدالة والتنمية في المغرب، والتيارات التي تبنت الإسلام الحضاري في ماليزيا وقدمت نموذجا للإنجاز الاقتصادي والسياسي.

والواقع أن عصر الشعارات والمرجعيات الكلية التي تطبق بمعزل عن الواقع السياسي المعاش قد انتهى من الحياة السياسية في العالم كله بشرقه وغربه، فلا أحد يقول في أي مجتمع ديمقراطي: إن الاشتراكية هي الحل أو الليبرالية هي الحل، إنما التحدي الحقيقي هو كيف يمكن أن يستلهم هذا الحزب أو ذاك التيار من الاشتراكية أو الليبرالية أو الإسلام أفكارا سياسية محددة للنهضة والتقدم.

ويبدو أن إحساس البعض بأن الانطلاق من «مرجعية إسلامية» مقدسة سيعني نجاحا تلقائيا في حل مشكلات الواقع، بصرف النظر عن المضمون الذي ستحتويه هذه المرجعية، وهو أمر يسهم في تغييب وعي المواطن العادي عن مشكلاته الحقيقية التي لن تواجهها إلا رؤية سياسية إصلاحية مؤمنة بالعدالة والديمقراطية والاستقلال الوطني والحضاري، وهي الأفكار التي أعلن الإخوان مرارا أنهم يتبنونها ومع ذلك لم يستخرجوا منها شعارهم الانتخابي.

والحقيقة أن التاريخ الإسلامي والإنساني كله لم تطبق فيه العقائد والأفكار الكلية من خلال ملائكة أو أفراد معصومين عن الخطأ؛ لأنهم مسلمون أو مسيحيون مؤمنون، وحين حدث ذلك واعتبر البعض أنفسهم حراس العقيدة الدينية أو السياسية، أو حراس الثورة والدين، كانت النتيجة هي كوارث حقيقية شهدها العالم بدءا من مراحل كثيرة في التاريخ الإسلامي والغربي، مرورا بما جرى في بلدان أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي السابق، وانتهاء بأفغانستان والسودان والعراق وسورية وغيرها من النظم الاستبدادية.

لقد أخطأ الإخوان بطرح شعار «الإسلام هو الحل» مرة أخرى، وأعادوا الاعتبار لطريقة انتهت في الفهم السياسي، وخاصة أن الجميع يعرف - وكذلك الإخوان - أن شعار «الإسلام هو الحل» ليس حلا، إنما الحل في رؤية سياسية واجتماعية وثقافية حديثة يتبناها الإخوان، ويكونون قادرين على الدفاع عنها وتقديمها بشكل ديمقراطي للمواطنين.

والحقيقة أن الإحالة إلى شعار عام وفضفاض كـ «الإسلام هو الحل»، قد تتناسب مع حال الإخوان في مطلع الثمانينيات حين كانوا يتلمسون طريقهم في الساحة السياسية الشائكة، فأسسوا التحالف الإسلامي ورفعوا شعار «الإسلام هو الحل» في انتخابات 1987، ولكنه لا يتناسب مطلقا مع الحال الحالية بعد أن اكتسبوا خبرة سياسية كبيرة، وأصبح لديهم 88 نائبا في البرلمان، وخاضوا معركة انتخابية اتضح فيها كفاءتهم التنظيمية وقدرتهم على التعبئة والحركة، وأخذوا يعدون برنامجا سياسيا حديثا تمهيدا لتأسيس حزب سياسي، وعلى رغم ذلك يصرون على إحالة الناخب إلى شعار يعرفون هم قبل غيرهم أنه بلا مضمون عملي في الواقع.

إن الخبرة التي اكتسبها الإخوان المسلمون من خلال دورهم النقابي والسياسي تؤهلهم أن يقدموا اجتهادا سياسيا عميقا وشعارا سياسيا براقا، وليس شعارا دينيا عاما وفضفاضا، ويجتهدوا في بناء رؤية سياسية واضحة منسجمة أو مستمدة من ثوابت الإسلام بدلا من حال الاستسهال المريح التي يقدمها شعار «الإسلام هو الحل»، بصورة تحول دون تقديم اجتهاد سياسي وانتخابي قادر على مواجهة تحديات الواقع الحالي.

لقد حان الوقت أن يملأ الإخوان هذا الشعار العام والفضفاض بمضمون ما، يعبر عن اجتهادهم السياسي، والأولويات التي يعطونها من أجل إصلاح هذا الواقع المأزوم، فهل يعتبرون العدالة هي الحل، أم الديمقراطية أو حتى الشورى هي الحل؟ هذه هي المضامين التي على الإخوان أن يملأوا بها شعاراتهم الانتخابية، لا أن يظلوا جامدين خلف شعار طرحوه منذ عشرين عاما من دون أدنى تغيير.

المؤكد أن مستقبل الإخوان مرتهن بقدرتهم على امتلاك خطاب سياسي مساو لقدراتهم التنظيمية، وأن يجتهدوا اجتهادا حقيقيا لا غموض فيه، لأن يكونوا الطرف الأبرز في مسيرة بناء تيار إصلاحي عريض، يضم قطاعا من نخبة الدولة بجوار تيارات المعارضة الإصلاحية الجديدة، كما أن رغبتهم في بناء حزب سياسي مدني لابد أن تسبقها خطوات تطمئن النخبة المدنية العريضة في مصر.

وربما يجدون أنفسهم في يوم قد لا يكون بعيدا أمام استحقاقات تأسيس حزب مدني، وصوغ برنامج سياسي قابل للتحقق، لا أن يبقوا أسرى شعارات قديمة ومرجعيات سيطبقها بشر، وبالتالي سيخرجونها من إطارها المطلق والمقدس، ويحولونها إما إلى سياسات ورؤى نسبية تسهم في نهضة هذا الوطن، أو إلى حارس جديد للاستبداد.

*الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

العدد 2457 - الخميس 28 مايو 2009م الموافق 03 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً