عذراً لأم كلثوم... لكن لتسمح لي أن أستعير من أغنيتها مقطعاً وجدت أنه ينطبق تماماً على الأوضاع التي تعج بها ساحتنا الشعرية...
«أهل الشعر صحيح مساكين... صحيح مساكين... مساكين»... لا أقولها باستهزاء، بل أقولها من باب واجب تقديم العزاء... إنني أتقدم بخالص العزاء للساحة الشعرية على وفاة الصدق والإخلاص والأمانة... في حادث مروع أسفر عن وفاة هؤلاء الثلاثة... أما الإبداع فهو في حال خطرة جداً... أتمنى له الشفاء... إذا قدر له البقاء.
لقد صدمتهم شاحنة بغضاء شعرية بها عدد من أصناف الشعراء الأنصاف ممن يفقدون الإنصاف... ويبدو أن السائق لا يحمل رخصة شعرية!
يا ترى ما سبب الحادث؟ هل هي السرعة الجنونية من أجل الوصول إلى مقر الشهرة؟ أم عدم الالتزام بالإشارات الشعرية؟ أم أن هناك مطبات وحفراً في طريق الشعر جعلت توازن الشاحنة يختل فأخذت تسير من غير هدى حتى صدمت ضحايا الحادث؟ أم أن سائق الشاحنة ومن معه من الركاب سولت لهم أنفسهم إحداث ضجة و«أكشن» في الساحة، وذلك على غرار الأفلام الهندية التي يصبح بها الخارج عن القانون بطلاً لأنه يساعد الفقراء بأسلوبه الخاص؟!
وأبطال الحادث يفعلون الأمر نفسه... فهم يساعدون الشعراء الفقراء... أيضاً بأسلوبهم الخاص في الكتابة... فهناك من يساعدهم بقصيدة مرقعة ولكنها صالحة للبس... أقصد للنشر... وهناك من يساعدهم بفضائح تسد جوع البغضاء والحسد بداخلهم... وهناك من يساعدهم ويقنعهم بأفكار غبية تروي عقولهم، لتسكرهم وتجعلهم يقولون ما لا يفعلون فتراهم يترنحون في شوارع الغِيبة والنميمة وهم يرددون «هل رآى الشعر مصائب مثلنا»... المعذرة لأم كلثوم مرة أخرى.
والغريب في الأمر أن هؤلاء الأبطال لديهم مواهب متعددة، لعل أبرزها القدرة على النقد، و«الاستشعار» عن بعد والاعتماد على حاسة الشم لكشف الأخطاء وخصوصاً أن حاسة التذوق لديهم شبه معطلة، كما لديهم القدرة على استنساخ القصائد... والبعض منهم لديه قدرة عجيبة على «السرقة البيضاء» تماماً مثل «الكذبة البيضاء» العفوية وغير المقصودة طبعاً! وهناك قدرة خارقة يتميز بها البعض وهي القدرة على التكتيك واللعب بالبيضة والحجر، وبعد أن يقع الحجر على رؤوسهم يقومون بكسر البيضة بجباههم... من شدة الغيظ!
أما حب الايثار فقد انقلب في نفوسهم إلى حب الأخذ بالثار، أو بالأصح تصنّع الثأر للانتقام... وممن؟! من إخوانهم ورفاقهم!
أما بالنسبة إلى ما ينقصهم فهو شيء بسيط جداً، وهو عدم القدرة على قراءة قصائد الغير - وأحياناً قصائدهم! - بالشكل الصحيح... وعندما يعجزون عن قراءة الكلمة أو أحد أبيات القصيدة، تراهم يتهافتون ويتزاحمون على منابر الشعر حتى يصعد أجهلهم على المنبر ليعلن عن وجود كسر يهدد القصيدة كلها بالموت، ولا يعلمون (وأنى لهم أن يعلموا) أنهم هم الذين قتلوا القصيدة بقراءتهم (ال ل ول ب ي ة)!
إنني لفي شك من أن يقرأوا الكلمة السابقة بالشكل الصحيح.
على كل حال، لهم أن يقرأوها كل بحسب «لقافته»... أعني «ثقافته».
ومازلنا في القضية، وأخيراً، وبعد أن تم استدعاء المتهمين «الأبطال» للبحث في أمر الحادث، كل واحد منهم ادعى بأنه ذئب يوسف!
لا تعليق، وإنما، «صبر جميل والله المستعان على ما تصفون»
العدد 1296 - الجمعة 24 مارس 2006م الموافق 23 صفر 1427هـ