تناولنا في الفصول السابقة أسماكاً اشتق لها أسماء من شخوص أو حيوانات ولابد لنا هنا أن نتناول العملية العكسية وهي تشبيه أشخاص بالأسماك، فعندما يطلق على شخص اسم نوع من الأسماك فإنه يرمز لصفات معينة، ويجب أن نراعي أن الصورة التي كانت في عقول العامة عندما ابتكرت تشبيه شخص ما بسمكة ما لأول مرة قد لا يكون لها وجود حالياً وقد تكون حقائق عرفية قد تغيرت عبر الزمن وبقت الكناية أو التشبيه. وسوف نتناول هنا الأسماك والكنايات المقصودة من أسمائها.
الهامور ليس اسماً نوعياً يخص نوعاً واحداً من الأسماك بل هو اسم لمجموعة من الأسماك تعرف باللغة الإنجليزية باسم Grouper أو Rockcod وتسمى بالفرنسية Le Merou، وأفضل ترجمة عربية لهذه الأسماء الأجنبية هو اسم «القشر» وهو اسم هذه الأسماك في مصر والبحر الأحمر بصورة عامة إنما يلفظ في هذه البلدان «كشر» ومن أسمائه أيضاً في البحر الأحمر «وقار». وجاء في المورد للبعلبكي مادة Grouper الأسماء: قشر ولوز والأخفس. وجاء في موسوعة الأسماك أسماء هذه الأسماك: اللقز والمارو. ويفضل الاسم قشر فقد ورد في المعاجم العربية القديمة كالقاموس المحيط للفيروزآبادي وكذلك المعاجم الحديثة كالمنجد والمورد وغيرها.
أما الاسم هامور فيرجح الأب إنستانس الكرملي أنه تحريف للاسم العربي «يأمور» الذي ورد في المعاجم العربية بمعنى دابة من دواب البحر، ويتفق معه في ذلك أمين معلوف إلا أنهما نسبا الاسم لنوع من الحيتان يسمى Narwhal والذي يعرف أيضاً بحريش البحر أو كركدن البحر. وأرى أن الاسم هامور محرف عن حامور، وقد سمي بذلك لأن غالبية هذه الأنواع يغلب عليها اللون الأحمر أو تكون منقطة باللون الأحمر أو البني الداكن، وذكر White في كتابه عن أسماك دولة الإمارات العربية أسماء لأنواع من عائلة القشر هي: هامور، وحامور، وحمرة، وسمان. ويسمى الهامور الصغير في الخليج «بالول»، وفي البحرين يطلق على بعض الهوامير الصغيرة اسم «نغاق» لأنه يصدر صوتاً كسمكة «النغاقة».
وهناك عدد من الكنايات والتشبيهات التي ارتبطت بالهامور نذكر منها هنا ثلاث كنايات مشهورة في الخليج العربي ذكرها الدرورة في كتابه حول الكنايات الملاحية (الدرورة 2002، ص155 – 157):
أ - هوامير السوق
يقول الدرورة عن هذه الكناية:
«إنهم أكبر سلطة تجارية في السوق، فهم الذين يتحكمون في السعر وفي التجارة وفي العرض والطلب، ولذا شبهوا بذلك، أما لماذا الهوامير وليس الجراجير (أي سمك القرش)، فلأن الهوامير تأكل كل شيء حتى المتدني من الحيوانات والأسماك على جانب أنه كما هو معروف عنها الراحة والهدوء لساعات طويلة ولهذا أعطوا هذه الكنية».
ب - هامور عريش
وقد أوضح الدرورة معنى العريش هنا حيث يقصد به تكوينات مرجانية مزودة بعدد من النباتات والطحالب توجد في قاع البحر وتأخذ شكل الملجأ حيث تسكن فيه الأسماك طلباً للدفء والغذاء. وتطلق الكناية على أنواع من تجار السوق وبالتحديد «للشخص الذي يعرف أين توجد الفرص الأفضل كذلك فإنه يستعمل للإشارة إلى أن الشخص الذي وفق للحصول على مكسب أو عرض مربح كتجارة أو نحوها فإنه من الصعب أن يتخلى عمّا حصل عليه فهو ينعم به كما ينعم الهامور تحت الماء في العريش الدافئ».
ج - هامور حمسان
وهي كناية تقال لمن يغضب فيلتزم الهدوء ولا يقوم من مقامه حتى تعود نفسيته إلى طبيعتها، والأصل في ذلك هو زعم العامة أن الهامور يصاب بالزعل أو الغضب أي يصبح (حمسان) فإذا حمس فإنه يمكث دون حراك في الماء أو في المكان الذي يعيش فيه بل إنه لا يغادره أبداً حتى يعتدل مزاجه.
2 - البرطامة
البرطامة مفرد والجمع برطام وهو اسم لسمك ينتمي لمجموعة الهوامير أي القشر، وقد سمي بذلك لأنه كبير الشفة والعامة تشبه الأشخاص كبيري الشفة بالبرطام أو البرطامة. والعامة تقول أمبرطم أي غضبان، ومادة برطام عربية فصيحة وتستخدمها العامة تماماً كما وردت في مادة «برطم» في لسان العرب: البِرْطامُ والبُراطِمُ: الرجل الضَّخْم الشَّفَة. وشَفةٌ بِرْطامٌ: ضخمة، والاسم البَرْطَمة، والبَرطَمَةُ: عُبوس في انتِفاخ وغَيْظ. قال:
مُبَرْطِمٌ بَرْطَمة الغَضْبانِ بِشَفةٍ ليستْ على أَسْنانِ
تقول منه: رأَيتُه مُبَرْطماً، وما أَدْري ما الذي بَرْطَمهُ. والبَرْطَمةُ: الانتفاخُ من الغضَب. ويقال للرجل: قد يَرْطَم بَرْطَمةً إذا غضِب.
القِد أو الجِد هو نوع من الأسماك الشرسة المفترسة التي تتميز بسرعته الفائقة في اقتناصه للفريسة، فتراه واقفاً في مكان مضيء مستغلاً لونه الفضي في التخفي في مثل هذه الأماكن وما أن تمر به سمكة (أو أي شيء يتحرك) ينقض عليه بسرعة فائقة ويفترسه أو يقطعه إلى نصفين. ويعرف القد في اليمن والبحر الأحمر باسم العقام وقد ارتبط بالتسمية العلمية لأحد أنواعه وهو Sphyraena agam، والعقام هو الاسم العربي لهذه الأنواع والذي ورد ذكره في المعاجم العربية كلسان العرب وتاج العروس وغيرها. وفي لسان العرب ناقة عقام: بازل شديدة. وبازل أي طلعت أنيابها. وربما سميت هذه الأسماك بذلك لأنها شديدة وضخمة ومفترسة. وكذلك الاسم «قد» ورد في المعاجم اللغوية ولكن تم تحقيقه وربطه بأسماك أخرى تنتمي لعائلة Cottidae وذلك للتشابه في النطق. وتسمي العامة في الخليج الصغار من هذه الأنواع دويلمي واغْلِي، وربما يكون الاسم اغْلِي هو تحريف للاسم العربي غلاء الذي ذكر القاموس المحيط: «الغلاء كسماء سمك قصير والجمع أغليه». وتسمى هذه الأسماك في الشام أصفرني وهي من Sphyraena اليونانية عربتها العامة.
القد وحارس الفرشة
يقصد بالفرشة الغرفة المؤقتة التي كانت قديماً تعد للزوج والزوجة والتي تجهز في بيت العروس والتي سيبقى فيها الزوجان لقرابة الأسبوعين قبل الانتقال لبيت الزوجية، وقد كانت الفرشة تزين بالأقمشة والمرايا (المناظر) وقد كانت النساء قديماً تتلهف لرؤية هذه الفرشة وفي الغالب يؤدي تزاحم النساء في الفرشة لتكسير بعض المرايا أو تلف للأقمشة، وعليه كانت عائلة العروس تنتدب شخصاً له شخصية مهيبة وعادة ما يكون من خوال العروس وذلك ليقوم على حراسة الفرشة ومنع النسوة من الدخول، وأياً كان هذا الشخص الواقف فهو لا يسلم من «لسان النسوان» اللاتي يلقبنه بسمكة «القد»، فقد كانت النسوة تقف بالقرب من الفرشة وتنظر للحارس المنتدب وهي تصفق وتغني بهذه الكلمات:
«لو ما الكد (القد) على الباب إنچان (إنكان أي لكنا) دخلنا الفرشة»
ولا تخلو أغانيهم من الألفاظ والمعاني الظريفة. وقد عممت كناية «القد» لتشمل أي حارس يقف على باب أي مبنى.
العفطي والجمع عفاطي ويسمى أيضاً حرسون أو حرصون والجمع حراسين وهي أسماك صغيرة يكثر تواجدها في العيون العذبة والقنوات التي تخرج منها (السيبان والمنجيات) ولا يعرف لها اسم عربي فصيح وقد ذكر أمين معلوف الأسماء: بجن وبطريخ وبطحيش وقال: «لا أدري أي هذه الألفاظ أصلح».
«عفطي ياخذ ولا يعطي»
هناك منظر ترسخ في ذاكرة الأجداد في الخليج العربي وهو منظر العفاطي أو الحراسين في العيون الطبيعية حيث تتجمع حول من يكون في العيون الطبيعية فتأكل الجلد الميت وتقول العامة عن هذه الأسماك إنها تتغذى على الدمامل والقروح، ويقول حسين اليوسف في نثريته التي يتذكر فيها «أيام زمان»: «أحنّ إلى الحراسين تقتات على فطريات جروحي». هذا المنظر الذي حفر في الذاكرة للحراسين جعل العامة تكني أنواعاً من الناس بالحراسين، يقول صلاح المدني في كتابه «أمثال البحرين الشعبية» (ص285):
«نحن إذا أردنا أن نحقر أو نقلل من شأن إنسان ما أو نستصغره في أعين الآخرين كراهية فيه وإساءة إليه نقول عنه إنه (عفطي) يأخذ ولا يعطي، إنه إنسان خسيس وضيع يأكل أي شيء، يعيش على القاذورات والنفايات، حاله كحال العفطي الذي يعيش على الدمامل والقروح»
العدد 3152 - الأحد 24 أبريل 2011م الموافق 21 جمادى الأولى 1432هـ