العدد 1311 - السبت 08 أبريل 2006م الموافق 09 ربيع الاول 1427هـ

الجندي: إن تعرضت الأم للظلم... تعرضت الأمة للظلم

اشتهر في برنامجه الديني على شبكة «الأوربت» التلفزيونية بوصفه داعية إسلامياً «من الطراز الحديث»، وعلى رغم أنه تلقى علومه في الأزهر الشريف، فإنه يرتدي بدلة حديثة وربطة عنق أحياناً. اشتهر أيضاً بمشروعه «الهاتف الإسلامي» الذي أتاح به الفرصة لاستصدار فتوى عبر الهاتف للمتصلين.

إنه الشيخ خالد الجندي الذي يعتبر نموذجاً للداعية الذي يطور وسائله الدعوية ويناقش المشكلات الحياتية مهما تكن درجة حساسيتها، ويتسم الجندي بسعة الاطلاع وخصوصاً على الأدبيات الاستشراقية، ودعمه لحقوق المرأة في الإسلام.استغلت «جهينة» فرصة زيارة الشيخ الجندي لمملكة البحرين الأسبوع الماضي لعقد ندوة عن حقوق المرأة في الإسلام بتنظيم من برنامج التمكين السياسي للمرأة التابع إلى المجلس الأعلى للمرأة، لتتحاور معه في شأن تمكين المرأة في الإسلام والتأثيرات الغربية.

في الوقت الذي أكدتم فيه أن تمكين المرأة هو حق إسلامي أصيل، لماذا ظهر هذا المفهوم بقوة في الوقت الحالي برأيكم؟ وما مدى ارتباط هذا التغيير بالضغوطات الخارجية التي تمارس على الدول الإسلامية من أجل التغيير الديمقراطي؟

- لا ننكر أن للضغوط الخارجية تأثيراً في تحريك الأمور التي لم نكن نستطيع الكلام فيها من قبل، وهذا لا مانع منه، فالنبي (ص) دخل مكة بعد خروجه من الطائف في حماية أحد الكافرين، وهو جبير بن المطعم بن عدي، فإن استعنا بغير المسلم لتمكين وإيصال الدعوة الإسلامية فلا ضير في ذلك.

قال تعالى «وكذلك نسلكه في قلوب المجرمين» (الحجر: 12)، لا بأس إذاً من إذاعة القرآن الكريم ولو عن طريق الكافرين، أليست وسائل البث الإعلامي التي نذيع بها القرآن الكريم هي منتوجات صنعت بأيدي الكافرين، وابتكارات «كافرة»؟ فإذا كان الكافر تسبب علمه في نقل القرآن الكريم وعلوم الدين، فلماذا لا تكون الثقافة الغربية سبباً في انتشار مفاهيم حقوق المرأة والارتقاء بالحقوق الحضارية للمجتمع. العامل الثاني الذي ساهم في ظهور دعاوى لتمكين المرأة من حقوقها، هو أن معظم أبنائنا تعلموا في مدارس وجامعات غربية، ما ساهم في التبادل الثقافي بين الحضارات. وتعلمنا أن الله تعالى يقول «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» (الأنبياء: 107)، فلماذا يصر البعض على أن النبي هو رحمة للعرب فقط؟ على رغم أنه رحمة للعالمين، فالإسلام وجد لينتشر، والإسلام لن ينتشر في العالم بلغتنا نحن، وإنما بلغة الحضارة التي يتلقاها الغربيون. وبالتالي إذا أردنا نشر الحضارة الإسلامية في العالم الغربي، فلنتقن لغة هؤلاء الناس، وهي الطريقة التي يمكن أن ننشر بها الإسلام. أما العامل الثالث، فيتمثل في أننا مازلنا في حال مراجعة شاملة «للتراث الإسلامي»، وقد وجدنا في تراثنا ما يرفض وما يقبل، فما قبلناه قبلناه، وما رفضناه أقمنا الحجة عليه.

هل يمكن أن يؤدي ذلك القبول للتداخل بين المفاهيم الإسلامية الأصيلة لحقوق المرأة، والمفاهيم الغربية المعاصرة؟ وكيف يمكن رسم حدود لمنع هذا التداخل؟

- تحديد المفاهيم أولاً هو الوسيلة لإيجاد لغة للتحاور، لأننا إلى الآن بصدد إنشاء لغة لنتحاور بها ونحدد المفاهيم، ما معنى الحرية؟ وهل هي مطلقة أم لا؟ وما معنى المساواة، وهل هي موجودة أو غير موجودة، وما معنى الحقوق والواجبات، وهل هي متساوية بين الرجل والمرأة أم غير متساوية؟ وما معنى الأمة؟ وما معنى الفرد، والكرامة والعزة، والمهانة والعقوبة؟ وما معنى الحدود والفضيلة والقيم؟ وهل تتجزأ الأخلاق أم لا؟ إنشاء هذه اللغة وتحديد هذه المفاهيم والاتفاق عليها أولاً هو الطريق لمنع التداخل، ونحن بصدد الاتفاق على هكذا لغة، وهي عند إنشائها ستكون متداولة بين العلماء وجميع الهيئات العلمية. وخطونا بعض الخطوات في إنشاء هذه اللغة عن طريق الانترنت والفضائيات وخلافه. فتحديد المفاهيم أولاً بالتالي هو البوابة الأولى لفض إشكالية: أين نحن وإلى أين نريد أن نصل؟ وهذه هي الأسئلة التي نحتاج الإجابة عليها في الوقت الراهن قبل اللجوء إلى أية تفسيرات. ولا ننسى أن نؤكد أن حقوق المرأة محفوظة في الإسلام، وأن المسلمين ليسوا في حاجة إلى الغرب ليوضح لهم مكانة المرأة التي ضمنها الإسلام، وكرمها القرآن والسنة والنبي (ص). فنحن نعرف قدر المرأة قبل غيرنا بآلاف السنين.

قمتم بإنشاء «مشروع الهاتف الإسلامي» لاستقبال الاتصالات من طالبي الفتاوى الشرعية، ولقي المشروع استجابة واسعة وخصوصاً من النساء بشأن مسائل «نسائية»، هل لك أن تحدثنا عن هذا المشروع والقضايا التي تم استقبالها عبره؟

- بدأت الفكرة بعد أن لاحظنا تطور العلم ووسائل الاتصال بشكل سريع، إذ لم تعد مهمة الهاتف فقط هي التوصيل بين الطالب والمطلوب، وإنما تخطت ذلك إلى محاور عدة للحياة العامة. وبالتالي فكرنا في الاستفادة من هذه الهواتف كوسيلة اتصال من أجل الخدمة الإسلامية، تساهم في ربط المسلم مع شيخه للحصول على فتوى دينية متعلقة بحياته. ونجح مشروع «الهاتف الإسلامي» في الوصول إلى شرائح لم يصل غيرنا إليها، مثل بعض حالات الخيانات الزوجية، فلا تستطيع المرأة معرفة كيفية التخلص من الذنب أو السؤال عن التوبة أمام الشيخ وجهاً لوجه، فليست لدينا مجالس اعتراف مثلا، لذلك قد تصيبها حال من حالات الإحباط أو الانتحار أو الاستمرار فيما هي فيه من الذنب، لذلك قضت فكرة الهاتف الإسلامي على هذه المشكلة. كما استقطب المشروع أيضاً اتصالات من بعض الشباب الذين يعانون من مشكلات جنسية أو سلوكيات لا يستطيعون مواجهة أي أحد فيها، علاوة على بعض المسنات والمسنين والمقعدات والمقعدين الذين لا يستطيعون الخروج من منازلهم إلى مراكز الإفتاء، أو العمال في بعض المناطق النائية. وبالتالي فقد عممت هذه التجربة في العالم أيضاً وتجاوزنا في مصر وحدها حاجز ثلاثة ملايين سؤال منذ خمس سنوات. وهذا يدل على إقبال الناس وتعطشهم إلى الفتوى الدينية الصحيحة وخصوصاً أن المشروع لا يضم بين جنباته إلا العلماء الأزهريين فقط الذين درسوا في الأزهر الشريف كل بحسب تخصصه، فنجد فيه فتاوى الفقه والتفسير والعقيدة ومقارنة الأديان والاستشارات النفسية الإسلامية وحتى الدعاء والقرآن الكريم. كما احتوى الهاتف الإسلامي على أعظم تفسير شامل للقرآن الكريم عبر الهاتف، فيمكن للمتصل الحصول على تفسير أية آية بكبسة زر فقط.

أما بخصوص الأسئلة الخاصة بالنساء، فهي مفرطة في الحساسية وتتطلب ثلاثة أمور، أولها مراعاة حياء المرأة، وثانيها الإلمام بالحكم الفقهي والدراية به، أما ثالثها فهو أن يكون من وراء حجاب، وهذا ما تحقق في مشروع الهاتف الإسلامي، فطالبة السؤال لا تترك اسمها ولا عنوانها ولا حتى رقم الهاتف، إنما تحصل على رقم تسمع به الإجابة بعد أربع وعشرين ساعة، ويوقع العالم الذي يقول الرد على فتواه صوتيا ليتمكن من مراجعته، ومعظم أسئلة النساء تدور حول الإجهاض والعلاقة الزوجية والزواج العرفي والحيض وفقه الطهارة وغير ذلك من اهتمامات النساء.

لم يصدر في كثير من الدول العربية بعد قانون للأحكام الأسرية لينظم القضايا التي تمس في مجملها المرأة والأسرة. ما هو رأيك في إصدار قانون من هذا النوع، وخصوصاً أن إصدار القانون في البحرين يواجه نقاشاً حاداً حالياً؟

- عدم صدور هذا النوع من القوانين في البلدان العربية والإسلامية هو صورة من صور التخلف التي يعاني منها وطننا العربي، إذ إنهم مازالوا حتى الآن يتخبطون في دياجير الظلم وعدم المساواة بين الرجل والمرأة، مع أن المسألة لا تحتمل هذا الجدل «السفسطائي» الرجولي، ويحلو لبعض الرجال أن يظلم النساء متسترين بأطنان من التراث الذي لا يقبل ما يسمح به الإسلام. والذين يصادرون حق المرأة في الانتخابات والعمل السياسي وتمكينها يفتون بغير علم، إذ إن التحريم لابد أن يكون بنص قطعي ثابت الدلالة. والخطير أن موجة التحريم والمنع التي يمارسها البعض «قهراً وإذلالاً» للمرأة تنعكس على المجتمع بأسره، ولذلك نحن نرفض هذه المحاولات «البائسة» التي تحط من قدر المرأة، إذ إن المرأة التي يحط من قدرها لا تستطيع أن تنهض أمة أو تقيم مجتمعاً، وبالتالي الأمة التي لم تتفق على حدود أو استراتيجية واحدة لن تتفق على رؤية فقهية واحدة بخصوص المرأة. والمشكلة تتركز في أن الرؤى في هذا الموضوع انقسمت إلى ثلاثة أقسام، أحدها ارتمى في أحضان التشدد و«صحراوية» التفكير و«تحجرية» الأحكام، فلم يعد لديه أي نوع من المرونة التي يعتبرونها نوعاً من التخاذل والسقوط، والتردي والتبعية. والقسم الثاني ارتمى في أحضان الغرب حتى أصبحت تشريعاته أكثر «إباحية وزندقة» من بعض الدول الكافرة، أما القسم الثالث فقد باتت تتنازعه تلك التيارات والأهواء وتتفاعل فيه هذه وتلك، ولن تنتهي هذه الحال إلا بعد أن يعي أبناء هذه الأمة من العلماء والمفكرين والسياسيين دورهم الحقيقي في النهوض بالمرأة وتحريرها من القيود التي كبلتها عن مسيرتها فتعود إلى سابق عدها من كونها الحاضنة والحضانة لتفريخ الرجال، فإن فسدت فستعدم الأمة الرجال الذين لن تقوم لهم قائمة للنهوض بهذه الأمة.

ما الحل برأيكم إذاً؟

- الحل يكمن في عدة إجراءات تحتاج إلى وقت، أولها انتشار المؤتمرات التي تقوم بتوعية الناس بدور المرأة في الإسلام، والتنظيم بين خطباء المساجد وأئمة الجوامع والجمعيات الإسلامية والمعاهد الشرعية للقيام بهذه التوعية، واستغلال الإعلام لبث البرامج الخاصة بها، وسن القوانين التي لا تميز بين الرجل والمرأة وتعطي المرأة مكانتها في المجتمع التي كفلها لها الإسلام، في السياسة والتشريع. ونتمنى أن يتحقق ذلك في المجتمع الإسلامي.


الشيخ خالد الجندي في سطور

- تخرج من جامعة أصــول الدين بالأزهر الشريف.

- عمل بعد تخرجه إمــاماً وخطيباً في وزارة الأوقاف المصرية.

- عضـــو هيئـــة الإفتاء في وزارة الأوقاف المصرية.

- له عــدة برامــج تلفزيـونية في عدد من القنوات الفضائية العربية.


تدقيق القرآن الكريم لم يقرن المرأة بالخطيئة

ذكر الشيخ خالد الجندي قول ابن خلدون في مقدمته «ان الله ينصر دولة الكفر بعدلها على أمة الإسلام بظلمها»، في إشارة إلى أن المرأة تتعرض في العصر الحالي إلى أنواع من الظلم الواقع عليها من المجتمع. موضحاً أن الظلم هو سبب من أسباب قلة البركة وحجب الدعاء، وأنه يقع عند مصادرة حق ما، أو وقوع اعتداء ما. من هنا أشار الجندي إلى أن «مصادرة» حق المرأة يعتبر ظلماً داخلياً يتعرض له المجتمع بين أفراده. وقال الجندي أيضاً إن اختيار لفظة «الأمة» جاء اشتقاقاً من كلمة «الأم»، فإن تعرضت الأم للظلم، تعرضت الأمة للظلم بطبيعة الحال. مضيفاً «نحن تسببنا في أن يتهكم علينا غير المسلمين من خلال معاملتنا لنسائنا، ومن العيب أن نسكت ونتخاذل». وذكر الجندي أن القرآن الكريم لم يقرن المرأة بالخطيئة في أي موقع من مواقعه، وأن هذه دلالة واضحة على تكريم قدر المرأة في الإسلام، مؤكداً أن ما يقع على المرأة في المجتمعات الإسلامية المعاصرة هو «ظلم حقيقي» يجب عدم السكوت عليه، وأن العالم الذي يسكت عن الظلم يحتاج إلى إعادة النظر في علمه. مشيراً إلى أن «أعداء الإسلام يتصيدوننا من حيث قصرنا نحن في معاملتنا للنساء، بتطاولهم على الإسلام»، في الوقت الذي نسي البعض برأيه أننا شاركنا في هذا التطاول، بعدم فهمنا الحقيقي لرسالة الإسلام الحقيقية لنشر المحبة والخير والسلام

العدد 1311 - السبت 08 أبريل 2006م الموافق 09 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً